حقاً ثورة عظيمة دعانا إليها الابن الضال أو الابن الشاطر، ثورة تظل مستمرة ما دمنا في هذا الجسد ونعيش على هذه الأرض، لم تنطلق الثورة من شارع أو ميدان بل انطلقت من مزرعة للخنازير – نتذكر كانت ترمز الخنازير في ذلك الزمان للنجاسة- من كورة بعيدة يوم دون ذكر الاسم لتلك الكورة وهذا يدل على المجهول، انطلقت تلك الثورة يوم الأحد الثاني من الصوم المقدس ولم تتجه إلى ميدان التحرير أو قصر الاتحادية بل إلى بيت الأب الرحيم وبيت الأب هو رمز إلى الكنيسة بيت الآب السماوي، إلى حياة الأسرار المقدسة. لم تحمل تلك الثورة مطالب ولكن تحمل شوقاً ورغبة في العودة إلى البيت الأبوي.
حملت الثورة شعاراً كان مضمونه، عيش وحرية وكرامة إنسانية، انطلقت شرارة تلك الثورة برجوع هذا الابن إلى نفسه، بدأت بتأمل صريح وعميق في حالته التي يعيشها بعدما ترك بيت أبيه. كيف أنه فقد العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
فقد العيش… وقال في نفسه ” كم من أجير لدى أبي يفضل عنه الخبز وأنا هنا أموت جوعاً ” ( لو 15/7 )، من أجل ذلك قال أقوم وأرجع إلى أبي.
فقد الحرية… ظن الابن الضال انه يحصل على الحرية الكاملة بعدما يترك بيت أبيه، ويصل به الحال إلى عبد مستأجر ليرعى الخنازير.” وألتصق بواحد من أهل تلك الكورة ليرعى خنازير ” ( لو 15/15 ). من أجل ذلك قال أقوم وأرجع إلى أبي.
فقد الكرامة الإنسانية… تعالوا ننظر الإنسان الذي كان أميراً في بيت أبيه، الذي خلقه الله وتوجه سيداً على كل الخليقة، ترك بيت أبيه والآن يحاول أن يشارك الخنازير طعامهم ولم يعطه أحداً “وكان يشتهي الخرنوب الذي كانت تأكله الخنازير ولم يعطه أحد “( لو 15/ 16 ). من أجل ذلك قال أقوم وأرجع إلى أبي.
من اجل ذلك قام الابن الضال بثورة مع ذاته، متمرداً على وضعه وحياته، بعيداً عن بيت أبيه، معلناً رغبته واشتياقه في العودة للحياة مع الأب.
أعزائي كلنا في احتياج إلى ثورة لا ندعو لها أحداً سوى الذات، ثورة شعارها العيش ( الخبز ) ولكن ليس الخبز المادي، نعلن الاحتياج للخبز الحقيقي الذي نزل من السماء ( يو 6/41 )، الطعام الباقي للحياة الأبدية، الذي يأكل منه لا يجوع إلى الأبد. ثورة نبحث فيها عن الحرية، وكفانا عبودية المال والسلطة والشهوة، نبحث عن الحرية المسيحية وهي السعي الدائم للتخلص من عبودية الخطيئة والسعي المستمر لما هو فيه خيرنا وخير الآخرين وخير مجتمعنا. ثورة نبحث فيه عن كرامتنا الإنسانية، التي يفقدنا إياها دائما الشيطان اللص المتربص لنا، الذي ينتظر اللحظة التي نترك فيها أورشليم بيت الآب، لينقض علينا ويجردنا من كل شيء ويتركنا عراة أي بلا كرامة، كما صنع اللصوص على طريق أريحا ( لو 10/30 ).
من أجل ذلك تكون ثورتنا الروحية مع ذواتنا، من اجل الشبع الحقيقي من جسد الرب ودمه، من اجل الحرية الكاملة كأبناء لله ” لا أُسميكم عبيداً بعد اليوم بل أحباء ” ( يو15/15). ثورة من اجل الكرامة الإنسانية والمجد الذي خلقنا عليه الله. ” يارب من هو الإنسان حتى تذكره؟ وأبن آدم حتى تفتقده؟ أنقصته قليلاً عن الملائكة بالمجد والكرامة توجته ” (مز 8/4 ). كل هذا لا يتحقق إلاَّ في بيت الأب…. فهيا بنا إلى هناك… ننضم إلى الابن الضال في ثورته، متمنياً لكم ثورة مباركة.
الأب/ متى عابدين