حياة القديس غريغوريوس المنور
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا أسقف الإسكندرية للارمن الكاثوليك
الحالة الدينية علي عهد الملك درطاد (سنة 288):
قبل أن يكون الدين المسيحي دينا رسميا لأرمينيا كان دين الأرمن مزيجا من الزرادشتية والوثنية الغربية التي كانت دورها خليطا من العناصر المقتبسة من البابلية القديمة
الحالة الدينية علي عهد الملك درطاد (سنة 288):
قبل أن يكون الدين المسيحي دينا رسميا لأرمينيا كان دين الأرمن مزيجا من الزرادشتية والوثنية الغربية التي كانت دورها خليطا من العناصر المقتبسة من البابلية القديمة. وعلي عهد ديكران الكبير كان الدين اليوناني قد أحرز المرتبة الكبري, وفي عهد دريت ووافارش وخسروف كان الدين البرتوي قد انتشر انتشارا هائلا, كما حدث في عصر درطاد, حيث إن الدين المسيحي احتل مكان الأديان القديمة جمعاء.
قبل دخول الإسكندر الكبير إرمينيا كان الدين الفارسي شائعا فيها ولكنه كان في وضع متأرجح, أما الدين اليوناني الذي ذاع في عهد الفاتح العظيم فقد أحرز مكانة ثابتة وطدها له كهنته الخصوصيون, مع العلم أن كهنة المجوس كانوا موجودين في إرمينيا منذ زمن قديم يذيعون عباد أناهيد وواهاكن.
تنصر درطاد (سنة 301):
إن درطاد الذي ربي في روما كان ذا فكر نير, وكان ميالا إلي الحضارة الشرقية شديد التعصب للدين الوثني. وقد قاوم المسيحية وآثار زوبعة اضطهاد علي المتنصرين, وسعي إلي توطيد دعائم الوثنية بين جميع الطبقات.
وكان غريغوريوس (كريكور) -ابن آنام الذي قتل خوسروف الملك فقضي اتباعه عليه وعلي جميع أولاده سوي طفل واحد كريكور نجته مربيته من القتل- قد ربي في قيصرية وتعلم فيها اليونانية واعتنق السيحية. وحدث أن درطاد حين عاد من روما ليتولي زمام الملك واصطحبه معه إلي بلاطه, فلما وصلا إلي معبد أناهيد في عريزا أمره أن يأخذ طاقة من الورود ويقدمها بخضوع إلي الآلهة أناهيد, فرفض غريغوريوس عبادة الصنم وجاهر بمسيحيته. فضب الملك من جسارة هذا المسيحي, ولما تحقق أن آنام أباه كان قاتل أبيه خوسروف أمر بحبسه وتعذيبه بقسوة. وظل غريغوريوس زهاء ثلاثة عشر عاما في سجنه بسراديب قصر أراشاد. يكفر عن خطيئة أبيه ويطلب النور السماوي للشعب الأرمني حتي كانت تلك المعجزة الربانية التي أضحت سبب ارتداد شعب بأجمعه.
أصاب درطاد مرض عضال غريب يئس في معالجته أمهر الأطباء وأحد الملك يبتعد عن البلاط املكي ويعيش ما بين الحيوانات والبراري, إلي يوم حلمت أخته حلما رأت فيه ملاكا يحثها علي الإفراج عن غريغوريوس لأنه هو الوحيد الذي كان في إمكانه أن يشفي أخاها. وكانت المعجزة وشفي درطاد واعتنق المسيحية واقتفاء لطريق سلكه الملك فقد تنصر الأمراء والأعيان.
سافر غريوريوس إلي روما لمواجهة البابا القديس سلفسترس الأول وإطلاعه علي ما جري في أرمينيا. وقفل عائدا إلي بلاده ليعيش بين شعبه يقاوم بقايا الوثنية ويكرز بإيمان المسيح فلقبه شعبه المنور لأنه رد بخطبة ظلمات الوثنية ونشر نور المسيح في أنحاء إرمينيا كلها.
توطيد الدين المسيحي في إرمينيا:
دمر درطاد بدافع من غريغوريوس المعابد الوثنية وحطم الأصنام ومقاماتها وأحرق جميع الآثار الوثنية وكل آثارها الأدبية والدينية, ولكن لم يهدأ بال قديسنا إلا يوم أعلن درطاد المسيحية دينا رسميا للدولة, لأن هذا الدين كان قد انتشر انتشارا هائلا حتي إن ديرا كان قد تأسس قرب البلاط الملكي.
ولكن نظرا إلي عدم وجود الحروب الهجائية الإرمينية آنذاك كان أغلبية الناس لا يفهمون كليات عقائد الدين الجديد, بل كانوا يسيرون علي المناهج القديمة, فأوصي غريغوريوس أبناءه وأحفاده بالعمل علي إيجاد أبجدية خاصة للغة الإرمينية وترجمة الأسفار السماوية وهذا ما عله نرسيس ومسروب في وقت لاحق.
إن درطاد بإعلانه الدين المسيحي دينا رسميا للدولة قد حاز شرف السبق بين الأمم التي قبلته بعد ذلك دينا لها. فقد كان إعلانه العام 301م. في حيت أصدر ثيئودوسيوس الأول الكبير قيصر الرومان إرادته بإلغاء الوثنية وإحلال المسيحية سنة 392 أي بعد درطاد بواحد وتسعين عاما. أما الحكومات التي انسلخت عن الإمبراطورية الرومانية فقد تأخرت طويلا في اعتناق المسيحية.
فأعلنت فرنسا مسيحيتخا بصورة رسمية العام 496 أي بعد إرمينيا بمائة وخمسة وتسعين عاما, وإنجلترا العام 605 أي بعد الأمن بنحو ثلاثمائة سنة, وألمانيا العام 805 أي بعد نحو خمسمائة سنة.
رقد غريغوريوس سنة 330 محاطا بملكه وشعبه ولكن تلك الروح وذلك الإيمان اللذين بثهما في شعبه مازالا إلي اليوم الميراث الأعظم الذي حافظ عليه الشعب الأرمني وضحي من أجله بوطنه وأمواله وراحته.
وطنى