stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الأسرة

حياتنا الفرد والجماعة والعائلة بين‏ ‏الأمس‏ ‏واليوم

1.3kviews

3d people on white background.

” لا تضطرب قُلوبُكم . إنكم تؤمنون باللهِ فآمنوا بي أيضاً ” ‏ (‏ يوحنا ١٤ : ١ )

قبل الآمه وموته ، بدأ السيد المسيح‏ ‏يودّع‏ ‏تلاميذه‏ ‏الوداع‏ ‏الأخير‏ ، ‏وقد‏ ‏عرف‏ ‏أن‏ ‏ساعته‏ ‏قد‏ ‏حانت ، ‏فجمعهم‏ ‏على‏ ‏العشاء‏ ‏السري‏ ‏وأعطاهم ‏وصاياه‏ ‏الأخيرة ‏. ‏و‏‏أراد‏ بذلك ‏أن‏ ‏يعطيهم‏ ‏أمثولة‏ ‏في‏ ‏المحبة‏ ‏الأخوية‏ ‏لن‏ ‏ينسوها‏ ابداً ، ‏فغسل‏ ‏أرجلهم‏ ‏وأوصاهم‏ ‏بأن‏ ‏يغسل‏ ‏بعضهم‏ ‏أقدام‏ ‏بعض‏ ، ” فإذا كنتُ انا الرب والمعلّمَ قد غسلتُ أقدامكم ، فيجبُ عليكم انتم أيضاً أن يغسل بعضُكم أقدام بعض . فقد جعلتُ لكم من ننفسي قُدوةً لتصنعوا انتم ايضاً ما صنعتُ إليكم ” ( يوحنا ١٣ : ١٤- ١٥ ) ، ‏وأنبأهم‏ ‏بخيانة‏ ‏يهوذا‏ ‏وإنكار‏ ‏بطرس‏ ‏إياه‏ ‏، ‏ولكنه‏ ‏أراد‏ ‏أن‏ ‏يشدد‏ ‏عزائمهم‏ ‏أمام‏ ‏هذه‏ ‏المحن‏ ‏التي‏ ‏ستتوالى ‏عليهم‏ ‏ويوطّد‏ ‏إيمانهم‏ ‏به‏ ، ‏فوعدهم‏ ‏بأنه‏ ‏سيصطحبهم‏ ‏حيث‏ ‏يكون‏ ‏فقال‏ ‏لهم ‏: ‏” لا‏ ‏تضطرب‏ ‏قلوبكم‏ ، ‏آمنوا‏ ‏بالله‏ ‏وآمنوا‏ ‏بي‏ ‏أيضاً ” ‏.‏ لقد‏ ‏اصبحنا‏ ‏في‏ ‏زمن‏ ‏ينبغي‏ ‏فيه‏ ‏على‏ ‏المؤمن‏ ‏أن‏ ‏يتعمق‏ ‏في‏ ‏تعاليم‏ ‏إيمانه‏ ‏بحيث‏ ‏يكون‏ ‏إيمانه‏ ‏شخصياً‏ ‏لا‏ ‏تقليدياً‏ ، ‏ولا‏ ‏سيما‏ ‏أن‏ ‏الإطار‏ ‏القديم‏ ‏الذي‏ ‏عاشه أسلافنا من آباء واجداد ، ‏كان‏ ‏يساعد‏ ‏على‏ ‏إذكاء‏ ‏شعلة‏ ‏هذا‏ ‏الإيمان‏ ‏في‏ ‏النفوس ‏. ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏الإطار‏ ‏قد‏ ‏تحطم‏ ‏وقد‏ ‏أصبحنا‏ ‏نعيش‏ ‏في‏ ‏بيئة‏ ‏تنأى ‏بالناس‏ ‏عن‏ ‏جو‏ ‏الإيمان‏ ‏والصلاة‏ . ‏ومن خلال مقارنة‏ ‏سريعة‏ ‏تدور‏ ‏على ‏حياة‏ ‏الفرد‏ ‏والعائلة‏ ‏والجماعة‏ ‏في‏ ‏الأمس‏ ‏واليوم‏ ، ‏تظهر‏ ‏لنا‏ ‏الحقيقة‏ ‏التي‏ ‏تهيب‏ ‏بنا‏ ‏إلى‏ ‏العمل‏ ‏بوصية‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏القائل‏ : ” ‏آمنوا‏ ‏بالله‏ ‏وآمنوا‏ ‏بي ايضاً ” ‏.‏

‏١ – ‏حياة‏ ‏الفرد‏ :كان‏ ‏الإنسان‏ ‏فيما‏ ‏مضى‏ ‏يعيش‏ ‏في‏ ‏جو‏ ‏مطبوع‏ ‏بطابع‏ ‏الدين‏ والتقوى والحياة المسيحية البسيطة ، ‏وكانت‏ ‏الكنيسة‏ ‏انذاك تهيمن‏ ‏على ‏الحياة‏ . فمثلاً ‏في‏ ‏القرية‏ ، كان‏ ‏القروي‏ ‏يعيش‏ ‏في‏ ‏بساطة‏ ‏مسيحية‏ ، ‏قريباً‏ ‏من‏ ‏ارضه وبيته وعائلته‏ ، مقتنعاً‏‏ ‏بما‏ ‏قسم‏ ‏الله‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏نصيب‏ . ‏وغالباً‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏ينظم‏ ‏أوقاته‏ ‏على‏ ‏دقات‏ ‏جرس‏ ‏الدير‏ ‏أو‏ ‏الكنيسة‏ . ‏ وينطلق‏ ‏صوت‏ ‏الجرس‏ ‏الفضي‏ ‏عند‏ ‏الصباح‏ ‏فيستبق‏ ‏المؤمن‏ ‏فيرسم‏ ‏على‏ ‏وجهه‏ ‏شارة‏ ‏الصليب‏ ، ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏تقياً ، ‏اتجه ‏إلى ‏ ‏الكنيسة‏ ، ‏ليحضر‏ ‏القداس‏ ويرفع قلبه ويقدّم نهاره واعماله ، الآمه و اوجاعه وافراحه إلى الله ‏وإذا‏ ‏مر‏ ‏بقربها‏ ‏تبارك بحجارتها ، ‏ثم يذهب‏ ‏إلى‏ ‏عمله . ‏فكانت‏ ‏تمر‏ ‏الأيام‏ ‏ممهورة‏ ‏بطابع‏ ‏التقوى والإيمان ‏.‏ هذا‏ ‏بالأمس‏ ، ‏أما‏ ‏اليوم‏ ، ‏فقد‏ ‏هجر‏ ‏الناس‏ ‏القرية‏ ‏إلى‏ ‏المدينة‏ ، ‏وانعدم‏ ‏الجو‏ ‏الديني‏ ، ‏فأصبح‏ ‏ابن‏ ‏القرية‏ ‏في‏ ‏المدينة‏ ‏غرسة‏ ‏ضربتها‏ ‏الرياح‏ ، ‏ففقد‏ ‏الاحتكاك‏ ‏بالواقع‏ ، ‏على‏ حد قول ‏ ‏غوارديني‏ ، ‏وتجاذبته‏ ‏النظريات‏ ‏والأرقام‏ ‏وأصبح‏ ‏العيش‏ ‏مصطنعاً‏ ‏وانقلب‏ ‏نظام‏ ‏الحياة‏ ، ‏فلم‏ ‏يعد‏ ‏الليل‏ ‏ليلًا‏ ‏ولا‏ ‏النهار‏ ‏نهاراً ‏ ، ‏وتداخلت‏ ‏الفصول‏ ، ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏هناك‏ ‏من‏ ‏يصغي‏ ‏إلى‏ ‏حديث‏ ‏الأشياء‏ ، ‏فلا‏ ‏يرى‏ ‏الإنسان‏ ‏إلا‏ ‏مادة‏ ‏عجماء‏ ‏يطاردها‏ ‏ليستولي‏ ‏عليها‏ ‏ويتاجر‏ ‏بها‏ ، ‏ثم‏ ‏يبحث‏ ‏عنها ‏. ‏وبدلاً‏ ‏من‏ ‏رنين‏ اجراس‏ الكنائس ‏أصبح‏ ‏لا‏ ‏يسمع‏ ‏إلا‏ ‏صفارات‏ ‏المعامل‏ ‏تدعوه‏ ‏إلى‏ ‏العمل‏ ‏ ‏كما‏ ‏أشار‏ ‏إليه‏ ‏البابا‏ ‏بولس‏ ‏السادس ‏: ‏” تبدل‏ ‏الإطار‏ ‏واختفى ‏الجو‏ ‏الديني التقوي “‏ .‏

‏٢ – ‏حياة‏ ‏العائلة ‏:‏وكان‏ ‏الإطار‏ ‏العائلي‏ ‏يساعد‏ ‏العائلة‏ ‏على‏ ‏البقاء‏ ‏متماسكة‏ ‏مع بعضها‏ . ‏فيعيش‏ ‏الأولاد‏ ‏في‏ ‏كنف‏ ‏والديهم‏ ‏وهؤلاء‏ ‏يشددون‏ ‏الرقابة‏ ‏عليهم ويتمون بتربيتهم وتنشئتهم الروحية ‏. ‏وكان‏ ‏الجو‏ ‏أنيساً جميلاً‏ ‏تسوده‏ ‏روح المحبة والثقة‏ المتبادلة‏ ، ‏فلا‏ ‏يتخذ‏ ‏تدبير‏ ‏إلا‏ ‏بإذن‏ ‏رب‏ ‏البيت‏ ، ‏ومعرفته‏ ‏وموافقته‏ ، ‏وحتى‏ ‏الزواج‏ ‏كان‏ ‏الرأي‏ ‏فيه‏ ‏للوالدين‏ ‏قبل‏ ‏الأبناء‏ ، ‏وإن‏ ‏عدّ‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏باب‏ ‏التجاوز‏ ‏على‏ ‏الحريات‏ ، ‏ولكنه‏ ‏أمر‏ ‏يظهر‏ محبة الأهل واحترامهم وطاعتهم و ‏تماسك‏ ‏أفراد‏ ‏العائلة وتعاطفها مع بعضها ‏.‏ أما‏ ‏العائلة‏ ‏اليوم‏ ‏فمشتتة‏ : ‏فالوالدان‏ ‏يعملان‏ ‏كل‏ ‏في‏ ‏قطاعه‏ ، ‏والأولاد‏ ‏موزعون‏ ‏في‏ ‏مدرسة‏ ‏أو‏ ‏مكتب‏ ‏أو‏ ‏معمل ‏. ‏وغالباً‏ ‏ما‏ ‏يعودون‏ ‏في‏ ‏المساء‏ ‏وقد‏ ‏أنهكهم‏ ‏التعب ‏. ‏فهذا‏ ‏يتصفح‏ ‏جريدته‏ ‏وذاك‏ ‏يسمر‏ ‏عينيه‏ ‏على ‏ ‏شاشة‏ ‏التليفزيون لحضور مسلسل ترفيهي او برنامج علمي ، وآخر يتفقد المحمول الخاص به او الحاسوب الالكتروني‏ ، ‏فيستحيل‏ ‏الحديث الودي الأخوي ‏ ‏بين‏ ‏أفراد‏ ‏العائلة ‏. ‏هذا‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يذهب‏ ‏كل‏ ‏منهم‏ ‏ليقضي‏ ‏السهرة‏ مع اصدقائه او ‏حيث‏ ‏يريد ‏. ‏وما‏ ‏القول‏ ‏في‏ ‏الوالدين‏ ‏يتركون‏ ‏أمر‏ ‏تربية‏ ‏أبنائهم‏ ‏للخدم‏ ‏فينشأؤن‏ ‏وقد‏ ‏فقدوا‏ ‏تقليد‏ ‏العائلة‏ ‏وما‏ ‏تركه‏ ‏الأجداد‏ ‏من‏ ‏تراث‏ ‏أخلاقي ومحبة وحنان وعطف والديّ ؟‏ ‏وليس‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الجوّ‏ ‏من‏ ‏أثر‏ ‏للدين وتعاليمه في العائلة الواحدة وفي المجتمع .‏ ‏٣ – ‏حياة‏ ‏المجتمع‏ :كان‏ ‏الناس‏ ‏في‏ ‏القرية‏ ‏يوثّقون‏ ‏فيما‏ ‏بينهم‏ ‏رابطة‏ ‏التعارف‏ والمودّة ، ‏فيتعاونون‏ ‏ويتساندون‏ ‏وكانت‏ ‏الثقة‏ ‏متبادلة‏ ، ‏يقرض‏ ‏الجار‏ ‏جاره‏ ‏مبلغاً‏ ‏من‏ ‏المال‏ ‏سراً‏ ، ‏وبدون ‏ ‏سند‏ ‏ولا‏ ‏رهن‏ ولا شهود . ‏وغالباً‏ ‏‏ ‏كانوا‏ ‏يجتمعون‏, ‏يوم‏ ‏الأحد‏ ، ‏بعد‏ ‏‏ ‏القداس‏ ، ‏ليعقدوا‏ ‏اجتماعاتهم العائلية ‏تحت‏ ‏السنديانة‏ ‏التاريخية‏ ‏القائمة‏ ‏في‏ ‏ساحة‏ ‏الكنيسة ، او في بيت كبير العائلة ‏. ‏وإذا‏ ‏نشب‏ ‏خلاف‏ او زعل او سوء تفاهم ، ‏حاولوا‏ ‏تسويته‏ ‏فيما‏ ‏بينهم ‏. ‏فكانت‏ ‏الأعياد‏ مناسبةً‏زاهية‏ لحضور الإحتفالات الدينية وقبول الاسرار المقدّسة ‏فتترك‏ ‏بهجة‏ وسعادةً ‏في‏ ‏النفوس‏ والقلوب ، و ‏فرصة للزيارات‏ والتقارب ، ‏وغسل‏ ‏الحقد‏ والكراهية ‏.‏ أما‏ ‏الإطار‏ ‏الاجتماعي‏ ‏اليوم‏ ‏فقد‏ ‏تبدّل‏ ، ‏وأصبح‏ ‏الإنسان‏ ‏في‏ ‏سباق‏ ‏سريع ودائم‏ ‏مع‏ ‏الوقت‏ ، ‏ليحصّل‏ ‏قوته‏ ‏وقوت‏ ‏عياله‏. ‏وانقطعت‏ ‏العلاقة‏ ‏الأخوية‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ عائلته و‏جيرانه واصدقائه ‏. ‏فأصبح‏ ‏يعيش‏ ‏مجهولا ً‏ ‏وسط‏ ‏قوم‏ ‏مجهولين‏ ‏في‏ ‏المدينة‏ ‏الصاخبة بالضجيج . ‏فهو‏ ‏يعيش‏ ‏في‏ ‏جو‏ ‏قلّ‏ ‏فيه‏ ‏ذكر‏ تعاليم ‏الدين‏ ووصايا الله والمسيح ، ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏فيه‏ ‏ما‏ ‏يحارب الدين‏ ‏كالاذاعات والتلفزيونات والمجلات‏ والصحف والتمثيليات ‏الخلاعية‏ ‏، ‏والانتقادات‏ ‏الهدامة ‏. ‏فكيف‏ ‏الثبات‏ ‏في‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏على‏ ‏الإيمان‏ ، ‏ولا‏ ‏إطار‏ ‏تقليدي‏ ‏يساعد‏ ‏المؤمن‏ ‏ولا‏ ‏جو‏ ‏ديني‏ ‏يسعفه‏ ‏على‏ ‏المحافظة‏ ‏على ‏ما‏ ‏ورث‏ ‏عن‏ اسلافه ‏من‏ ‏شعائر‏ ‏دينية ومحبة واحترام للكبار و للقريب ‏. ‏نعم‏ ، ‏لقد‏ ‏بلغنا‏ ‏طور‏ ‏الرجولة‏ ‏ ‏كما‏ ‏يقول‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ : ‏” فكل‏ ‏من‏ ‏كان‏ ‏طعامه‏ اللّبن ‏الحليب‏ ‏لا‏ ‏تكون‏ ‏له‏ ‏خبره‏ ‏بكلام‏ ‏البر‏ ‏لأنه‏ ‏طفل‏ ، في حين أن الطعام‏ ‏القويّ هو ‏ ‏للراشدين‏ ، ‏لأولئك‏ ‏الذين‏ ‏بالتدّرب روّضت‏ ‏بصائرهم‏ ‏‏على‏ ‏التمييز‏ ‏بين‏ ‏الخير‏ ‏والشر‏ ” (‏ عبر‏انيين ٥ : ١٣ ) .‏ 

ولهذا‏ ‏أصبح‏ ‏على‏ ‏المؤمن‏ ‏أن‏ ‏يبذل‏ ‏الجهد‏ ‏ليتعمق‏ ‏في‏ ‏أصول‏ ‏دينه وتعاليمه‏ ، ‏ويتكل‏ ‏على‏ ‏نعمة‏ ‏ربه‏ ‏لا‏ ‏على‏ ‏‏ ‏التقاليد والعادات الشعبية‏ ، ‏للمحافظة‏ ‏على‏ ‏إيمانه‏ ، ‏و ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يتأمل‏ ‏مليّاً‏ ‏وعلى ‏ ‏ضوء‏ ‏جديد‏ ‏ما‏ ‏أمر‏ ‏به‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏القائل ‏: ” ‏آمنوا‏ ‏بالله ‏وآمنوا‏ ‏بي‏ ” ‏ليسلم‏ ‏له‏ ‏إيمانه‏.‏

الإسكندرية (زينيتالأنبا كريكور أوغسطينوس كوسا