خواطر ونبضات- الأب د./ إبراهيم إسحق
يدعو يسوع المسيح كاهن اليوم : أيها الكاهن أحبب أخاك الكاهن كما أحبّك أنا.
كثيراً ما نلاقي، على طريق حياتنا ، كهنة صالحين ، تأكلهم الغيرة الرسولية على خلاص النفوس ، يتميزون بالبذل والعطاء في سبيل أبناء رعيتهم ، ولا سيما الخطأة والمحتاجين والمتألمين منهم . . . ومع ذلك ، يبدو أنّ همّ نفوس اخوتهم في الكهنوت لم يبلغ تماماً إليهم ولا يكاد يخطر لهم ببال !
لماذا؟ ومن أي منطلق يحدث هذا؟
هل هو إهمال وتقصير وتراخ!
أم هو تواضع مزيّف!
أم لعله مبالغة في الحذر والتحفظ،
أم هو فتور في المحبة؟
قد تكون هذه الأسباب جميعها، أو واحد منها، لكن ما هي نتيجة ذلك؟
النتيجة ، للأسف هي سقوط كثير من نفوس الكهنة ضحايا الانقباض والاحباط، إن لم نقل عدم المبالاة. كم من اخوة يعانون ساعات ألمٍ ووحشة، ويشعرون بالضيق والحاجة، ويقاسون مرارة الوحدة والعزلة…
فلو كانوا أثناء محنتهم قد وجدوا كاهناً أخاً ذا قلب حنون يقظ يعتمدون عليه؛ أو كاهناً صديقاً يزورهم بودٍ وبشاشة، لكان وفّر عليهم الكثير من معاناة النفس وكآبة القلب وانقباض الروح.
لقد منح الرب كلّ إنسان قلباً مخلوقاً على أن يُحِبُّ ويُحَبُّ . وإذا كانت النعمة ترفع الطبيعة البشرية وتكمّلها، فإنها لا تلاشيها ؛ وحياتنا الكهنوتية تقتضي تهذيب مشاعرنا وترقيتها، لكنها لا تستأصلها ولا تقتلعها ؛ ومن هنا ، يبدو لي كأنّ الله وهب الكاهن، من أجل رسالته، قلباً أحنّ وأسخى من قلوب البشر جميعاً… وأي قلب أكثر فهماً لقلب الكاهن من قلب كاهن مثله؟
– من هنا ندرك أهمية المحبة الأخوية الكهنوتية وندرك سبب إلحاح معلمنا الصالح على وصية المحبة : ” أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم ، أنتم تلاميذي حقاً ، إذا كان فيكم حبّ بعضكم لبعض ” (يو12:5).
+ وصدق القائل ” كم من قلوب نبيلة سقطت تحت عبء ثقيل ، أوقعتها تحته الغلاظة ؛ وكم من مشاريع وتصميمات رائعة أُعدت وتهيأت لمجد الله وخير النفوس لم ترَ النور ، لأنها لم تجد لها مشجعاً ولم تلق التفاتة من صديق أو مسؤول ” .
ولن يكون من باب المبالغة القول ” لو شعر الكاهن بمحبة وتشجيع ورعاية واهتمام من إخوته وممن حوله ، لتكللت جهوده بأفضل النتائج ونشاطاته بأغرز الثمار ” .
+ إن مساعدة كاهن واحد هي مساعدة ألوف من نفوس ترتبط حرارتها بحرارته، وينمو إيمانها بإيمانه.
إن مساعدة كاهن واحد هي فرحة لقلب الرب، فكلّ ما نصنع إلى اخوتنا الكهنة يحسبه مصنوعاً له.
لقد اختار المسيح كهنته من بين الناس، وجعلهم حيث هم ، لكي يثمروا وتدوم ثمارهم . والثمرة الحقيقية هي: أن يلدوه روحياً في النفوس وينمّوه .
ونحن على دراية بالشرط الأساسي الذي يقود العالم إلى الإيمان. لقد لخصّه الرب في صلاته بعد العشاء ” ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا حتى يؤمن العالم أنك أرسلتني” (يو 17/21) ولا نزعم أن ذلك بالشيء الهين السهل. ولكن الرب لم يأتِ أرضنا إلا ليضرم فيها نار حبه (لو 12/41). وقد علّمنا أن المحبة ليست فضيلة سهلة وهل هناك من فضيلة سهلة؟
الشيء الأكيد هو أننا في أشدّ الحاجة بعضنا لبعض ، إلى أن يحمل بعضنا أثقال بعض. وأن نقتسم معاً نعمة الرب، وأن نصنع إلى سوانا ما صنع الرب إلينا. فإذا بذلنا جهدنا لنرى اخوتنا بعيني المسيح ، ونحبهم بقلبه ، فنعطي كما يعطي هو ، ونغفر على مثاله ؛ وإذا تجاوزنا الخشونة الملازمة طبيعتنا البشرية ورضينا التفاهم والتحاب ، كان هو بيننا وأخصب كل مساعينا.
فإن ثبتنا في وحدة الأرواح والقلوب هذه، كان روحه فينا وصرنا إشعاعه في العالم. أما إذا وقفنا، بعضنا من بعض، موقف لا مبالاة، وعدم تعاون سببنا له ألماً، وجعلناه مشلولاً في أعضاء جسده السري.
أخي الكاهن
المسيح في حاجة إليك، ليمنح العالم حياة النعمة والمحبة،
وكما أرسله أبوه كذلك يرسلك هو؛
وماذا تعني المحبة إن لم تكن فيّاضة منك إلى الآخرين؟.
فهيّا بنا نسعى في مختلف ظروف حياتنا
لنكون مسالمين، متضامنين،
مشاركين بعضنا بعضاً في الفرح والحزن.
وحذار كلّ الحذر
حذار من البرودة التي لا تدفئ
حذار من الهزء الذي يجرح
حذار من اللامبالاة التي تهدّ العزيمة وتكسّر المجاديف.
تعلمنا اختبارات الحياة أن ساعات الألم جزء لا يتجزأ من كل حياة كهنوتية ، وإذا كان ربنا نفسه ، ساعات الألم ، شعر بالحاجة إلى مؤازرة ، فكم نحن بالأكثر!!!
فلنشجّع بعضنا بعضاً
ولنتقاسم الهمّ والعمل.
لنفرح بفوز ونجاح اخوتنا،
ولنمدّ إليهم يد المساعدة لينموا ويتقدموا.
ليس الكاهن انساناً جعله حبّ المسيح ينسى العالم، بل هو انسان يستمد، من حبه للمسيح، القوّة على بذل حياته في سبيل اخوته الكهنة والنفوس أبنائه. أليس من امتلائه، أخذنا كلنا نعمة مكان نعمة؟
فليكن لنا الحبّ الدائم
من ذاك الامتلاء والعطاء المستمر
فنعطي النفوس
من فيض ما أخذناه
من ينبوع الحياة الأكبر:
قلب يسوع المسيح كلمة الله المتجسد
عيداً سعيداً وعاماً يملأه سلام الرب وحبه وحبنا بعضنا لبعض، …
إليك يا أخي الكاهن في كل مكان !