خَلَقَ اللهُ الإِنسانَ على صُورَتِه
” خَلَقَ اللهُ الإِنسانَ على صُورَتِه على صُورَةِ اللهِ خَلَقَه ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم ” (تكوين ١ : ٢٧ )
الزّواج ، كما يعلّمنا الكتاب المقدَّس ، وقبل أن يصبح سرًّا من أسرار الكنيسة المقدسة ، هو واقع هامّ حدث على الأرض : ” خَلَقَ اللهُ الإِنسانَ على صُورَتِه على صُورَةِ اللهِ خَلَقَه ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم ” … ” فمنذُ بدءِ الخليقة ” جعلهما الله ذكراً وَأُنثَى . ولذلِكَ يَتْرُك الرّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويلزَمُ امرأَتَهُ . ويَصيرُ الاثنان جسَدَاً واحِداً ” . ” فلا يكونانِ اثنين بعدَ ذَلِكَ ، بل جسدٌ وَاحِد . فما جمَعَهُ الله فَلا يُفَرِّنَّهُ الإنسان ” ( مرقس ١٠ : ٦ – ٩ ) .
يجب علينا أن نرجع دائمًا الى هذه الصفحة الأولى من الكتاب المقدّس إذا أردنا أن نفهم ما هو الثنائي الإنساني وكيف يجب أن يكون ، وكيف يجب أن تكون الأسرة .
ثنائية الجنسين أرادها الله كي يكون الرجل مع المرأة صورة عن الله ومِثَالِهِ ، يكونان نبع حياة : ” اِنْموا واَكْثُروا وامْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها وَتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض ” ( تكوين ١ : ٢٨ ) .
عندما نقرأ بانتباه نصوص الأنبياء وأسفار الجامعة والأمثال ونصوص العهد الجديد، نجد أنها جميعها تدلّنا على المعنى العميق لهذا الواقع الأساسي للزواج ، وترشدنا كي لا نحصره فقط بالغريزة الجسدّية الجنسية … بل أن نكتشف التكامل بين قِيَم الرجل وقِيَم المرأة ، ونكتشف أيضًا عظمة وضعف الحبّ الزوجي ، كما الخصوبة والانفتاح على سرّ مشروع حب الله . هذا الإرشاد الواقعي يحتفظ بكامل قيمته في زمننا ويصوننا من تجارب الإثارة الجنسيّة المدمّرة .
إن المؤمن المسيحي يدرك جيداً أن الحبّ البشري هو صالح في الأساس ، وإذا جُرِح وتشوّه بسبب الخطيئة كما يحدث في كل ما في الإنسان ، فهذا الحب يجد في المسيح خلاصهِ وفدائهِ … كثيرون هم الأزواج الذين وجدوا في حياتهم الزوجية طريق القداسة والكمال ، طريق وجدوه في هذا التجمّع الحياتي الذي هو التجمّع الوحيد المبني على سرّ من أسرار الكنيسة .
إنّ التجدّد العميق في سرّ المعموديّة هو عمل الرُّوح القدس ، جاعلًا منّا ” خليقة جديدة ” تنادينا كي نعيش ، نحن أيضًا ” حياة جديدة ” ( غلاطية ٦ : ١٥ و رومة ٦ : ٤ ) .
في هذا المشروع السامي الهادف الى تجدّد جميع الأشياء في الرّب يسوع المسيح ، فإنّ الزواج الذي هو أيضًا مجدَّد ومُبرّر، أصبح واقعًا جديدًا أي سرًّا عظيماً من أسرار العهد الجديد .
وها إن زوجين يطلّان على عتبة العهد الجديد ” يوسف البتول ومريم العذراء ” ، كما أطلّ زوجان على مدخل العهد القديم ” آدم وحواء ” . إذا كان زواج آدم وحوّاء بعد ابتعدهما عن الله مصدر الشر الذي تدفّق على العالم ، فإن زواج يوسف ومريم هو قمّة الحياة التي تدفقت منها القداسة والسعادة على الأرض كُلِّها .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية والاردن للأرمن الكاثوليك