يجدر بنا أولا وصف الإيقونة التي ليسوع المسيح والقديس كومبوني، واقفين جنبا إلى جنب، تطأ أقدامهما أرض مصر.
ويقف القديس كومبوني وبيده خريطة أفريقيا وحوله ثلاثة أطفال أفارقة. وينحدر في الخلفية نهر النيل من الجنوب إلى الشمال. وتظهر أيضا القديسة سانت كاترين جالسة على أرض سيناء تبارك خطوات كومبوني. إن هذه الإيقونة قد أنهت رحلتها الأولى الهامة في زيارة الكنائس الكاثوليكية لإيبارشية الأقصر.
انطلقت الأيقونة من القاهرة في يوم 20 مارس الماضي 2015 عندما باركها غبطة البطريرك الأنبا إبراهيم اسحق والأنبا عادل زكي في القداس الذي احتفل به في كنيسة الفجالة بمناسبة “سنة الحياة المكرسة”. وبدأت الإيقونة مباشرة رحلتها متجهة نحو أسوان لتكمل زيارة كل صعيد مصر.
يقوم بهذه الرحلة الأب لورنسو باتشين والأب برايتون زيمبا، مرسلان كومبونيان، اللذان اكتشفا أبعاد جديدة من خلال زيارتهما ومشاركتهما الذبيحة الإلهية في رعايا مختلفة في إيبارشة الأقصر، والتقاء العائلات، والتحدث مع الشباب، وإعلان شهادة القديس كومبوني للمؤمنين، ومشاركهتما فرحهما كونهما مرسلين.
ولكن من هو القديس دانيال كومبوني؟
ولد دانيال كومبوني في قرية ليموني، على بحيرة جاردا بشمال إيطاليا في 15 مارس عام 1831، وتوفي في الخرطوم، بالسودان في 10 أكتوبر 1881. وقد أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني طوباويا في عام 1996، ثم قديسا في 5 أكتوبر 2003.
يمكن وصف حياته القصيرة في ثلاثة كلمات: مؤسس، وأب، ورسول
مؤسس
كانت أفريقيا في تلك الأيام مكان البعثات والاستكشافات العظيمة. وكانت هناك أيضا بعثات روحية من ضمنها الرحلة التي نظمها الأب ماتسا(Don Mazza) في عام 1857 وشارك فيها دانيال كمبوني الذي تأثر كثيرا بوضع الأفارقة الذين كانوا يعيشون تحت وطأة العبودية. فأخذ يتأمل حالهم المرير، ومن ثمّ نمى بقلبه حب كبير لأفريقيا والأفارقة ساعيا لتحقيق خلاص أفريقيا بالأفارقة..
وفي عام 1867، أنشأ كومبوني مقرا دائما في القاهرة القديمة ثم أسس ثلاثة معاهد بالقاهرة أيضا لتعليم الأفارقة.
وفي عام 1877، عهد إليه من قبل البابا بإرسالية جديدة لأفريقيا الوسطى. كما وعينه كأول أسقف هناك.
وفي يوم 10 أكتوبر 1881، توفي المطران دانيال كومبوني بالخرطوم.
استمد القديس كومبوني دعوته وحبه لأفريقيا من خلال تأمله في قلب يسوع المجروح الذي حرر الإنسان. وكان هذا دافعا قويا جعله يبذل ذاته ويتحمل المحن والشدائد من أجل رسالة الحرية والخلاص للأفارقة.
أب
في عام 1867، بدأ كومبوني في فيرونا بإيطاليا بتكوين مجموعة من الكهنة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيين من أجل إعدادهم لتحقيق رسالته في أفريقيا. ومن ثمّ، في عام 1872، قام بتأسيس راهبات كومبوني “Pie Madri della Nigrizia”.
قال كومبوني: “إن لديّ حياة واحدة فقط أبذلها من أجل أفريقيا ولو كان لديّ ألف حياة فإنني مستعد لأقدمها أيضا”.
فاليوم، تحققت أمنيته هذه من خلال 4000 مرسل كومبونياني من جنسيات مختلفة، من بينهم مصر والسودان، يعملون في أكثر من 40 دولة على مستوى العالم.
رسول
لقد نظر دانيال كومبوني إلى أفريقيا بحب، وإيمان، واحترام. ورأى أن هناك إمكانية لخلاصهم في وقت رأى فيها آخرون أرضا للاستعمار والاستعباد.
ولذلك كتب كتيبا بعنوان “خطة لإحياء أفريقيا”؛ نواتها هى “خلاص أفريقيا بالأفارقة” لأنه كان يؤمن أن الأفارقة صنّاع مستقبلهم. لذلك قام دانيال كومبوني بإرسال شابين سودانيين إلى روما لدراسة اللاهوت. كما وقام أيضا بشرح المفهوم الشامل لأسس العمل الإرسالي مشجعا الرهبان، والراهبات، والعلمانيين على العمل الرسولي المشترك.
كان نظر كومبوني متجها دائما إلى يسوع الذي بذل ذاته من أجل خلاص الجميع، لذلك أراد تمثلا به أن هو أيضا حياته لأفريقيا.
أكد البابا فرنسيس، مرارا وتكرارا، أن الكنيسة بحاجة إلى تجديد وأن هذا التجديد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الإخلاص لدعوتها التبشيرية التي ليست فقط لبعض مؤمنيها، بل لكل من يدعي أنه مسيحي. لذلك يجب على كل معمّد أن يسأل نفسه كيف يحيا دعوته الرسولية بكل قوة وحماسة على مثال القديس دانيال كومبوني وكثيرين من القديسين المرسلين الآخرين الذين اتسمت بهم حياة الكنيسة منذ نشأتها.
وقد أبرز البابا فرنسيس، في كتابه الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”، ثلاثة صفات أساسية يجب أن يتسم بهم المرسل اليوم:
- أن يحيا بـ “انطلاق”: إن الكنيسة التي لا تنطلق خارج حدودها وتريد أن تبقى منغلقة على ذاتها لا تكون كنيسة مرسلة. إذن فإن المرسل الحقيقي، في كنيسة مرسله ومنفتحة، هو الذي يستطيع بقوة الروح أن يتخلى عن ذاته من أجل مقابلة كل من يريد معرفة يسوع، والفقير، والمهمش، والمحتاج إلى تعزية، والجائع لكلمة صديق. إذن فالمرسل هو من يتسم بروح الاستعداد لهذا الانطلاق.
- أن يكون في حالة استعداد دائم نحو الرسالة: إن الرسالة تعني أن يحيا المرسل حياة مسيحية حقيقية دائما أي أن يجسد الإنجيل في كل وقت، وفي كل ظرف، وفي كل مكان (البيت، الشارع، السوق، المدرسة، العمل…). هكذا يستطيع المرسل دائما أن يكون تلميذا ليسوع فيحمل نوره لكل من يقابله.
- أن يكون مبادرا: يعوقنا الخوف أحيانا وينزع من داخلنا معنى الرسالة. فعلى المرسل أن يكون جسورا في أخذ المبادراة عندما يكون هناك احتياج، وعندما يُطلب منه المساعدة، وعندما توجد فكرة تحتاج إلى يد لتتحقق. فالمرسل هو من لا يبحث عن أعذار، بل من يأخذ دائما المبادرة بشجاعة وبلا تردد.
فهذه هي الرسالة التي تحملها أيقونة القديس دانيال كومبوني للمؤمنين في صعيد مصر. لتُيقظ فيهم روح الإيمان وتجدد في الكنيسة الروح الرسولية.
وستقوم الإيقونة، في رحلتها القادمة، بزيارة كنائس إيبارشية سوهاج.
تمنياتنا برحلة مقدسة مثمرة بشفاعة القديس كومبوني!
الأب لورنسو باتشين
مرسل كومبونياني