رسالة البابا فرنسيس إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الفصح 2015
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
يسوع المسيح قد قام! الحب غلب الحقد، الحياة غلبت الموت، النور طرد الظلمة!
محبّةً بنا، تجرّد يسوع المسيح من مجده الإلهيّ؛ أخلى ذاته، وأخذ صورة العبد وواضع نفسه حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله وجعله رب الكون. يسوع هو رب!
بموته وقيامته يرشدنا يسوع إلى درب الحياة والسعادة: هذه الدرب هي التواضع الذي يتضمّن الذل أيضًا. إنها الدرب التي تقود إلى المجد. وحده الذي يتواضع بإمكانه أن يسعى إلى “الأُمورِ الَّتي في العُلى”، نحو الله (راجع كولوسي 3، 1). المُتباهي ينظر “من فوق إلى أسفل” أما المتواضع فينظر “من الأسفل إلى العلى”.
في صباح الفصح، وبعد أن أعلمتهما النساء، أسرع بطرس ويوحنا إلى القبر ووجداه مفتوحًا وفارغًا. فاقتربا و”انحنيا” ليدخلا إلى القبر. لندخل في السرّ ينبغي علينا أن “ننحني” ونتواضع. وحده الذي يتواضع يفهم مجد يسوع ويمكنه أن يتبعه في دربه.
يقدم لنا العالم فرض الذات مهما كلّف الأمر، المنافسة واثبات الذات… لكن المسيحيين، بفضل نعمة المسيح المائت والقائم من الموت، هم براعم بشريّة جديدة حيث نحاول أن نعيش في خدمة بعضنا البعض وألا نكون متكبّرين بل متّسمين بالجهوزيّة والاحترام.
وهذا ليس ضعفًا بل قوة حقيقيّة! من يحمل في داخله قوة الله، محبته وعدالته، لا يحتاج أبدًا أن يلجأ إلى العنف، بل يتكلّم ويتصرّف بقوّة الحقيقة والجمال والحب.
نسأل من الرب القائم من الموت نعمة ألا نستسلم للكبرياء الذي يُغذّي العنف والحروب، وإنما أن نتحلّى بالشجاعة المتواضعة للمغفرة والسلام. نطلب من يسوع المنتصر أن يخفف آلام العديد من إخوتنا المُضطهدين بسبب اسمه، وجميع الذين يعانون بظلم من تبعات النزاعات والعنف القائم.
نسأل السلام أولاً من أجل سوريا والعراق، لكي يتوقّف دوي الأسلحة ويستقرّ التعايش الجيّد مجددًا بين مختلف المجموعات التي تكوِّن هذين البلدين الحبيبين. ولكي لا تبقى الجماعة الدوليّة مكتوفة اليدين إزاء المأساة البشرية الكبيرة في هذين البلدين وإزاء مأساة اللاجئين الكثيرين.
نسأل السلام من أجل جميع سكان الأرض المقدّسة. لكي تنموَ بين الإسرائيليين والفلسطينيين ثقافة اللقاء وتُستأنف عمليّة السلام فيوضعَ هكذا حدٌّ لسنوات ألم وانقسامات.
نسأل السلام من أجل ليبيا، لكي يتوقف سفك الدماء المفرط وكل عنف همجيّ، وليجتهد الحريصون على مصير البلاد في تعزيز المصالحة وبناء مجمع أخوي يحترم الكرامة البشريّة. نتمنى أيضًا أن تسود في اليمن الرغبة المشتركة لإحلال السلام من أجل خير جميع السكان.
في الوقت نفسه، نوكل برجاء إلى الرب الرحوم الإتفاق الذي تمّ التوصُّل إليه في هذه الأيام في لوزان، كي يشكل خطوة نهائيّة باتجاه عالم أكثر أمنًا وأخوّة.
من الرب القائم نطلب عطيّة السلام لنيجيريا ولجنوب السودان ومختلف مناطق السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطيّة. ولترتفع صلاة لا تنقطع من الناس ذوي الإرادة الصالحة من أجل الذين فقدوا أرواحهم – أفكر بنوع خاص بالشباب الذين قُتلوا يوم الخميس الماضي في جامعة “غاريسا” بكينيا – والذين اختُطفوا والذي اضطر أن يترك بيته وأحبّاءه.
لتحمل قيامة الرب نورًا لأوكرانيا الحبيبة، لاسيما للذين تكبّدوا عنف نزاع الأشهر الأخيرة. لتتمكن البلاد من إيجاد السلام والرجاء بفضل التزام جميع الجهات المعنيّة.
نسأل السلام والحريّة من أجل العديد من الرجال والنساء ضحايا أشكال جديدة وقديمة من العبوديّة من قبل أشخاص ومنظمات إجراميّة. سلام وحريّة لضحايا تجار المخدرات الذين غالبًا ما يتحالفون مع السلطات التي ينبغي عليها الدفاع عن السلام والتناغم في العائلة البشريّة. ونسأل السلام من أجل هذا العالم الخاضع لتجّار الأسلحة.
للمهمشين والمسجونين، للفقراء والمهاجرين الذين غالبًا ما يُرفضون، يُساء إليهم ويُقصون؛ للمرضى والمتألمين؛ للأطفال خصوصًا الذين يتعرضون للعنف؛ للمحزونين؛ لجميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة ليصل صوت الرب يسوع المعزي: “السلام معكم” (لوقا 24، 36) “لا تخافوا، قمتُ من بين الأموات، وها أنا معكم!” (راجع كتاب القداس، آية الدخول في عيد الفصح).
الفاتيكان