رسالة البابا لاون الرابع عشر لمناسبة اليوم العالمي التاسع للفقراء

نقلا عن الفاتيكان نيوز
13 يونيو 2025
كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
صدرت هذا الجمعة رسالة البابا لاون الرابع عشر لمناسبة اليوم العالمي التاسع للفقراء الذي سيُحتفل به في السادس عشر من تشرين الثاني نوفمبر المقبل تحت عنوان “أنت رجائي”.
كتب الحبر الأعظم في الرسالة: في وسط محن الحياة، يبقى الرجاء منتعشا بيقين محبة الله الراسخ والمشجع، الذي يفيضه الروح القدس في القلوب. لذلك، فإن “الرّجاء لا يُخَيِّبُ”، والله الحي هو في الواقع “إله الرجاء”، الذي أصبح في المسيح، بموته وقيامته، “رجاءنا”. لا يمكن أن ننسى أنّنا خُلِّصْنا بهذا الرّجاء، الذي يجب أن نبقى فيه راسخين.
تابع البابا: يمكن للفقراء أن يصيروا شهودا لرجاء قوي وموثوق، لأنهم فقراء ويعيشون في ظروف معيشية هشة، قوامها الحرمان والهشاشة والتهميش. إذا أدركنا أن الله هو رجاؤنا الأول والوحيد، ننتقل نحن أيضا من الآمال الزائلة إلى الرجاء الباقي. فعندما نرغب في أن يكون الله رفيق دربنا، نعيد الحجم الصحيح لثرواتنا، لأننا نكتشف إذاك الكنز الحقيقي الذي نحتاج إليه حقا.
هذا ثم كتب لاون الرابع عشر أن أعظم فقر هو عدم معرفة الله. في هذا يكمن وعي أساسي وأصيل يبين لنا كيف نجد كنزنا في الله. وأكد أن كل خيرات هذه الأرض، وكل الماديات، وملذات الدنيا، والرخاء الاقتصادي، مهما كانت أهميتها، لا تكفي لإسعاد القلب. الثروات تخدعنا مرارا وتؤدي بنا إلى حالات فقر مريعة، وأولها الاعتقاد بأننا لسنا بحاجة إلى الله وأننا نقدر أن نعيش حياتنا من دون الله.
مضى البابا إلى القول: إن الرجاء المسيحي، الذي تشير إليه كلمة الله، هو يقين في أثناء رحلة الحياة، لأنه لا يعتمد على القوة البشرية، بل على وعد الله الأمين دائما. ولذلك، سعى المسيحيون، منذ البداية، إلى ربط الرجاء برمز المرساة، الذي يوفر الاستقرار والأمان. فالرجاء المسيحي أشبه بمرساة تثبت قلوبنا في وعد الرب يسوع، الذي خلصنا بموته وقيامته، والذي سيعود إلينا. ويستمر هذا الرجاء في الإشارة إلى “السماوات الجديدة” و”الأرض الجديدة” كأفق حقيقي للحياة، حيث تجد جميع المخلوقات معناها الحقيقي، لأن وطننا الحقيقي هو في السماء.
هذا ثم أكد البابا أن مدينة الله تلزمنا بمدن البشر. وعليها أن تتشبه بها منذ الآن. فالرجاء، مدعوما بمحبة الله المُفاضة في قلوبنا بالروح القدس يحول قلب الإنسان إلى تربة خصبة، حيث تنبت المحبة من أجل حياة العالم. ولفت لاون الرابع عشر إلى أن دعوة الكتاب المقدس إلى الأمل تحمل معها واجب تحمل مسؤوليات متماسكة في التاريخ، دون تأخير. فالمحبة، في الواقع، هي أعظم الوصايا الاجتماعيّة. كما للفقر أسباب هيكلية يجب معالجتها والقضاء عليها. وإلى أن يحدث هذا، إننا جميعا مدعوون إلى خلق بوادر أمل جديدة تشهد على المحبة المسيحية، كما فعل العديد من القديسين في كل عصر.
مضى الحبر الأعظم إلى القول إن الفقراء ليسوا للكنيسة مجرد وسيلة للفت النظر، بل هم أعز الإخوة والأخوات، لأن كل واحد منهم، بوجوده وبما يحمله من كلمات وحكمة، يحثنا على أن نلمس لمس اليد حقيقة الإنجيل. لذلك، يهدف اليوم العالمي للفقراء إلى تذكير جماعاتنا بأن الفقراء هم محور كل عمل رعوي، ليس فقط لأنه عمل محبة، بل هو ما تحتفل به وتبشر به الكنيسة. الله اتخذ على نفسه فقرهم ليُغنينا بأصواتهم وقصصهم ووجوههم. جميع أشكال الفقر، دون استثناء، هي دعوة إلى أن نعيش الإنجيل بصورة عملية ونعطي بوادر أمل فعالة.
وأكد البابا أن هذه هي الرسالة التي تأتينا من الاحتفال باليوبيل. وأمام موجات الفقر المتتالية، يبقى خطر التعود والاستسلام يهددنا. وعندما نعمل من أجل الخير العام، فإن مسؤوليتنا الاجتماعية تستمد أساسها من عمل الله الخالق، الذي يعطي خيرات الأرض للجميع. ومثل هذه الخيرات، كذلك يجب أن تكون ثمار عمل الإنسان أيضا في متناول الجميع بصورة متساوية. في الواقع، مساعدة الفقير هي أولا مسألة عدل قبل أن تكون مسألة محبة.
في ختام رسالته لمناسبة اليوم العالمي التاسع للفقراء كتب البابا لاون الرابع عشر: آمل أن تشجع سنة اليوبيل هذه على وضع سياسات لمكافحة أشكال الفقر القديمة والجديدة، وعلى اتخاذ مبادرات جديدة لدعم ومساعدة أفقر الفقراء. العمل والتعليم والسكن والصحة هي شروط الأمن الذي لن يتحقق أبدا بقوة السلاح. أهنئكم على المبادرات القائمة والالتزام الذي يقدمه يوميا على المستوى الدولي عدد كبير من الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة. فلنضع ثقتنا في مريم الكاملة القداسة، ومعزية الحزانى، ولنرفع معها نشيد الأمل، مع كلمات النشيد: “اللّهُمَّ نَمْدَحُكْ”: “توكَّلْتُ عليكَ، يا رَبّ، فلا أَخزَى إلى الأَبد”.