رسالة البطريرك الكلداني الكاردينال ساكو لعيد الميلاد 2019
رسالة عيد الميلاد لعام 2019
نقلا عن موقع بطريركية بابل للكلدان
من المؤسف جداًّ أن يُوافيَنا عيدُ الميلاد هذا العام أيضاً، في ظروف ٍصعبة ومقلقة. فلا تَزالُ جراحُ تنظيمِ الدولة الاسلاميَّة (داعش) مفتوحةً، والقهرُ والفقرُ والبطالةُ وسوءُ الخدمات سائداً، مما دفع ألآفَ الأشخاصِ، وبخاصةٍ الشباب للخروج في تظاهراتٍ سلميّةٍ كبيرةٍ، تُطالب بالحرية وحق العيش الكريم، وبوطنٍ مستقلٍ، آمنٍ وقوي، لكن هذا الحلم منذ 2003 حتى الآن، لم يتحقق بالرغم من عدد القتلى الكبير والآف الجرحى، وبقي الحزن والقلق في القلوب. من المؤسف أن العراقيين، عجزوا عن إيجاد سبيل فعّال لوضع البلاد على المسار السليم، والقضاء على الطائفية والفساد، والإثراء غير المشروع، والاستحواذ على الأملاك العامة والخاصة، رغمَ النداءات العديدة من الخارج والداخل.
رسالةُ الميلاد كانت ولا تزال رسالة المسيح الثائر، في كلِّ مراحلِها من أجل الحياة والسلام والعدالة والكرامة والاخوّة والمحبّة: “المَجدُ لله في العُلى، وفي الأرضِ السَّلامُ لِلحائزينَ رِضاهُ“ (لوقا 2: 14). المسيح ولد حتى نولد فيه ومعه لحياة جديدة، ولادةٌ جديدةٌ للناس اجمعين، من خلال المفاهيم الروحية والاخلاقية التي حملتها. يولد المسيح فينا عندما تعتمر المحبةُ والرحمةُ قلوبَنا، ونختارُ الخير والاُخوّة والاُلفة، ونتخطى الشرَّ والعداء، فننال فرحَ السلام. يقول الرسول بولس: “ظَهَرَت نِعمَةُ الله، يَنبوعِ الخَلاصِ لِجَميعِ النَّاس، وهي تُعَلِّمُنا أن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدلٍ وتَقْوى” (تيطس 2: 11-12).
أخواتي، إخوتي،
لنتأمل مليئاً برسالةِ المسيح، ولنجسّدها في هذا المشرق المتألم، كما جسّدها هو. فميلادُه إعلانٌ مبهجٌ لمسيرة حياةٍ متناغمةٍ وسعيدةٍ على دربه، درب المحبة والاُخوّة، والسلام والوئام والفرح، دربٌ يجعل الإنسان أكثرَ إنسانيةً وكرامةً.
نعيش اليوم الحزن، ونبحث عن رجاءٍ يُعزّينا أمام ما يحدث في بغداد والمحافظات الاُخرى من تصاعدٍ في وتيرةِ العنفِ، وتزايدٍ مخيفٍ في عددِ القتلى والجرحى. ولا أحد يعرف الى أين تتجه بلادنا المنكوبة. لذا ادعو جميع المسؤولين السياسيين والأمنيين، الى الأخذ بنظرِ الإعتبار خطورةَ الأوضاع والإصغاء لصوت أولادهم في هذه الأرض المباركة، أرض إبراهيم الخليل، صوتِ من قضَى منهم، ومن لا يزالون معرَّضين للظلم والبؤس والإهانة. واناشدهم تفادي الحلّ العسكري غير الحضاري والذي سيخلِّف مزيداً من القتلى والجرحى، وبدل ذلك ادعوهم للبحث عن مُبادَرةِ إنقاذ فاعلة برؤية جديدة، تأتي بحجم الأزمة، من خلال حوار الشجعان مع المتظاهرين، لتحقيق مشروعٍ وطنيٍ شامل، يكون بمثابةِ خشبةِ الخلاص، يُرضي الله، ويُنقذ البلاد، ويُسعد العراقيين.
وأتوجه بهذه المناسبة الى أساقفتنا وكهنتِنا، وبخاصةٍ الذين يخدمونَ في العراق، ليعبِّروا عن قرب الكنيسة من العراقيين، مسيحيين ومسلمين وآخرين، في هذه الظروف الحسّاسة والمؤلمة. أدعوهم الى مرافقتهم إنسانيّاً وروحيّاً، والإنتباه الى حاجاتهم بعناية متميزة على مثال المسيح. تكريسُنا هو نهجُ حياة نشارك المسيح أسلوبَه بحماسة. يقينا ان الله سوف يُحاسبنا على محبتنا للآخرين وطيبتنا وخدمتنا لهم، هذا ما يتطابق مع ما ننشده في قداس ليلة الميلاد: عندما نسقي عطشاناً كأس ماء * عندما نكسي عرياناً ثوب حب * عندما نجفف الدموع من العيون * عندما نملأ القلوب بالرجاء * نكون في الميلاد. عندما اُقَبِّل رفيقي دونَ غش * عندما تموت فيَّ روح الانتقام * عندما يزول من قلبي الجفاء * عندما تذوب نفسي في كيان الله * أكون في الميلاد (الترتيلة مستلهمة من انجيل متى 25: 35-36).
في الختام، اُعرِب عن قربي من العراقيين جميعاً، واُعبّرعن تعازي ومشاعرالتضامن، مع عائلات الضحايا والجرحى والمعاقين من المتظاهرين وقوات الأمن، متمنياً الشفاء العاجل للجرحى.
أسأل الله تعالى أن يمنحَنا جميعاً سلام الميلاد وفرحه. كلَّ عام وأنتم والعراق بخير.