stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الأرمن الكاثوليك

رسالة الميلاد للمطران كريكور أوغسطينوس: الميلاد عهدٌ جديد

930views

القاهرة – أبونا
2019/12/24

نقلا عن موقع أبونا

■ ولِدَ لكم اليوم مخلص (لوقا 11:2)

الخبرُ المُفرح العظيم هو بدايةُ عهدٍ جديد في حياة الإنسان والعالم، خبر يقود إلى مغارة بيت لحم، إلى يسوع المسيح، طفل المغارة، فادي الإنسان ومخلّصِ الجنس البشري. إنّه عهدُ انتصارٍ على الظلمة، عهدُ السلامِ والرجاء في الأرض ومجدُ الله في السماء “المجدُ لله في العُلى! وعلى الأَرْضِ السلام وللناس المسرّة” (لوقا 14:2).

نحتفلَ اليوم بعيدِ ميلادِ الربِّ يسوع المسيح، راجين أن يولدَ في قلوبنا لكي نلتزمَ ببناءِ عهدٍ جديد في عائلاتنا ومجتمعاتنا ووطننا. ونسألُهُ أن يفيضَ علينا نعمه وسلامه، فنخرج للقاء طفلِ المغارة بفرحِ رعاةِ بيتَ لحم، مسبّحين اللهَ على كلِّ شيء بأعمالِنا ومبادراتنا الجديدة التي تدلُّ على التزامِنا في بناء عهدٍ جديد.

■ الميلاد فرح عظيم يعم الشعب بأجمعه (لوقا 10:2)

ليست البُشرى “بفرح عظيم” خبرًا من الماضي يقفُ عند زمانه. بل هي خبرٌ متجدِّدٌ في كلّ يومٍ ومكانٍ وزمان، وخبرٌ الملائكة لنا اليوم، هو نفسُه الخبرُ والفرح العظيم الذي أُعلن يوم ولِدَ يسوع. إنّه كلمةُ الله، كلمةُ الحياة والنور، الذي صار بشراً “والكلمة صار بَشَراً فسكن بيننا” (يوحنا 14:1)، والذي يريدُ أن يكونَ “هذا البشر الجديد” في قلبِ وحياةِ كلّ إنسان.

احتفالُنا بذكرى ميلادِ المسيح الفادي والمخلّص هو بالحقيقة احتفالٌ بميلادنا معه لولادة جديدة بكلمة الإنجيل ونعمة الأسرار الكنسية المقدسة. نحن نتمثِّل ميلاده وثماره في المغارة والشجرة، لكي يولد المسيحُ في قلوبنا وضمائرنا، ويجعلَ منّا جسدَه الحيّ، وأن تتلألأ فينا الفضائل الإلهية والإنسانية، والقيَم الاجتماعية والوطنيّة.

■ الميلاد حياة جديدة

بالميلاد بدأت حياة جديدة، ونحن اليوم مدعوّون لنعيشَها عهداً جديداً في كل مكانٍ وجدنا فيه. لا يمكن البقاء في ماضي الأمس المظلم، ماضي الرؤية الضيّقة والموقف المتحجّر، ماضي الرأي الجامد والنظرة القصيرة، ماضي الحقد والبغض والكراهية، ماضي المصالح الشخصية المُقفلة على المصالح العامة. فالبقاءُ في ماضي الأمس القديم الحالك موتٌ في الحاضر والمستقبل. إنّ سيّدَ التاريخ هو الله، أمّا الإنسان، كلُّ إنسان، فهو معاونُ الله في صنع التاريخ. إنّها مسؤوليةٌ تأتي كلّ واحد وواحدة منّا في موقعه وعمره وحالته ومكانته ومسؤوليته.

في هذا العهدِ الجديد أتانا خبزٌ من السماء، خُبز الحياة (يوحنا 48:6)، هو خبزُ ودم كلمة الله التي هي الكلمة المتجسّدة، يسوع المسيح، هذا الخبز وُلد في مدينة الخبز “بيت لحم” وبيت لحم تعني: “بيت الخبز”. وهذا الخُبز يُدخلُنا في عهدٍ جديد مع الله والناس. إنّه خبزُ الحقيقة المطلقة التي تنير وتحرّر وتوحّد جميعَ الناس. وهو خبزُ المحبّة والعطاء الذي يجعل من المسؤولية والسلطة خدمةً تتفانى حتى بذل الذات. وهو خبزُ السلام المزروع من الله في قلب الإنسان، لكي نصنعه:

سلاماً اجتماعيّاً مبنيّاً على العدالةِ بكلّ وجوهها. سلاماً اقتصاديّاً مبنيّاً على شروطِ الحياة الكريمة، وعلى إنماءِ الشخص البشري والمجتمع. سلاماً وطنيّاً مبنيّاً على احترامِ حقوق المواطنين بوجود دولةٍ تؤمّنُ لهم، من خلال مؤسَّساتها الدستورية والعامّة، الخيرَ العام الذي يشمل كلَّ شروط الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية. دولةٍ يكون الولاء لها أوّلاً وآخراً، ويُحترَمُ فيها الدستور والميثاق الوطني وصيغة العيش المشترك بين الشعوب بالمساواة والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة.

■ الميلاد مصدر قيمتُنا وكرامتُنا

بميلاد السيد المسيح، نحنُ مدعوّون لنحقّقَ هذا العهدَ الجديد في حياتنا. فلنُسرعْ إلى هذا الالتزام، كما أسرعَ رعاةُ بيتَ لحم إلى المغارة (لوقا 16:2)، ورجعوا حاملين الرجاءَ والفرح. وكما سارَ المجوسُ من المشرق البعيد وبحثوا عن الطفل، الملكِ الجديد المولود (لوقا 1:2)، لنبحث نحن أيضاً عن هذا الطفل العجيب (أشعيا 5:9).

نتمنّى أن يكونَ مجيئُنا إلى أمام مغارة الميلاد دخولاً في حياةٍ جديدة، ومنطقٍ ومقصدٍ جديد، وانقلاباً على ماضٍ عقيم غيرِ مجدٍ. فالمسيحُ يسوع، الذي نُحيي ذكرى ميلاده “كان النور الحقّ الذي يُنيرُ كُلَّ إنسان” (يوحنا 9:1). نورٌ سطعَ في ظلمات الليل، لكي يسطعَ كلَّ يوم في ظلمات حياة كلِّ إنسانٍ وجماعة وشعب، نعني بها:

ظلمات روحية وفكرية وثقافية. ظلمات الخطيئة والشّر. ظلمات الكذب عبر وسائل الإعلام والتقنيّات الجديدة التي تأسر عقل صاحبها، وتكذّب الحقيقة الواضحة. ظلماتِ الحقد والبغض والعداوة.

■ طفل المغارة رئيس السلام

في هذا اليوم المملوء نورًا، يرن صدى بشارة أشعيا النبوية: “لأنَّه قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا آبنٌ، فصارَتِ الرِّئاسةُ على كَتِفِه، ودُعِيَ أسمُه عَجيباً مُشيراً إِلهاً جَبَّاراً، أَبا الأَبَد، رَئيسَ السَّلام” (أشعيا 5:9).

إن سلطة هذا الطفل العجيب، ابن الله ومريم البتول، ليست من سلطة هذا العالم التي ترتكز على القوة والمجد والغنى، إنما هي سلطة المحبّة والسلام. إنها السلطة التي خَلقتْ السماء والأرض، والتي تَهِب الحياة لكل خليقة.

تجول اليوم بشارة السلام الأرضَ بأسرها وتريد أن تبلغ إلى جميع الشعوب:

سلام لبلاد الشرق الأوسط المعذبة، لقد حان الوقت لتصمت الأسلحة ويعمل المجتمع الدولي لاحترام حياة وحقوق الإنسان وكتابة صفحة جديدة من التاريخ لبناء مستقبلَ تفاهم وانسجام متبادل. ولتعود الوحدة والتوافق إلى كل البلاد حيث يعاني السكان من الحرب ومن الأعمال الإرهابية الوحشية.

سلام للأطفال، في هذا اليوم الأغر الذي صار فيه الله طفلاً، ولا سيما لأولئك الأطفال المحرومين من مباهج الطفولة وفرح العيد بسبب الجوع والعطش، والحرب وأنانية الكبار.

سلام على الأرض لجميع ذوي الإرادة الصالحة، الذين يعملون بصمتٍ وصبر، في العائلة وفي المجتمع من أجل بناء عالم أكثر إنسانية وعدالةً، تساندهم قناعتهم بأنه وحده عبر السلام هناك مستقبل أكثر ازدهاراً للجميع.

أيها الأخوة والأخوات الأحبّاء:

نحن نؤمن أنَّ النورَ الإلهي يبدّدُ ظلامَ البشر، مثلما يبدّدُ النورُ المادّي ظلامَ الأرض. النورُ الإلهي يفعل ذلك بواسطة أناس مسؤولين استناروا بهذا النور، وأصبحوا معاوني الله في تبديد ظلمات الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية.

صلاتُنا وتمنياتنا امام طفل المغارة، أن يستنيرَ كلُّ واحد منّا بنور المسيح، ويصبحَ نوراً في عائلته ومجتمعه.

صلاتنا أن يُشعّ نور السلام في كلّ بلدان الشرق الأوسط وفِي العالم. بهذا الرجاء وتعبيراً عن أخلص تهانينا وتمنّياتنا، لنستقبل طفل المغارة بإيمانٍ وفرح ولنحمله بين ذراعينا ونقدمه لجميع الشعوب قائلين: “ولِد لنا ولِدَ، أعطي لنا ابن هو: رئيس السلام” ونهتفُ: “وُلد المسيح فمجدوه! هللويا!”.