stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسة

رسالة راعوية للمطران كريكور أوغسطينوس كوسا بمناسبة عيد الميلاد 2014

1.2kviews

Untit5led

المطران كريكور أوغسطينوس كوسا

بنعمة الله

أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

تجسّــد المسيح عطـيّة الله للبشريّة

إلى إخوتي الكهنة الأحبّاء والراهبات الفاضلات،

وأبناء الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في أبرشية الإسكندرية،

وإلى المؤمنين أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية،

أولاً: “أُبشّركم بفرحٍ عظيم” (لوقا 10:2):

أيها الأحبّاء: عيد الميلاد هو عيد الفرح. إنه أولاً فرح السماء التي تحقّق مشروعها الإلهيّ الخلاصي بتفقد الله الآب الخالق لخليقته، وإعادة وصل العلاقة التي انقطعت بينهما بفعل الأعمال الشرّيرة التي قامت بها هذه الخليقة ونكرانها الجميل لعطاياه تعالى.

وهو أيضاً فرح الأرض لاستقبالها الطفل الإلهيّ الذي أراد الانضمام إلى عائلة بشريّة “تواضع وتجرّد من ذاته متخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان” (فيلبي 6:2-7)، لينسبهم جميعاً إلى عائلة السماء فتتدفّق عليهم خيراته محبّةً وسلاماً.

ثانياً: “وُلِد لكم اليوم مخلّص… وهو المسيح الرّب” (لوقا 11:2):

في قلب الليل وظلامه، منذ 2014 سنة، “أشرق على الرعاة البسطاء، نور مجد الرّب” (لوقا 9:1)، وجاءت الملائكة تعلن لهم الخبر السار، ومن خلالهم للعالم كله، وفي الوقت نفسه ظهر في المشرق، نجم فريد من نوعه قرأ فيه العلماء الوثنيون ميلاد ملك الأزمنة الجديدة “… في أيام الملِك هيرودُس، إذا مجوسٌ قدموا أورشليم من المشرق وقالوا: «أين ملِك اليهود الذي وُلِد؟ فقد رأينا نجمه في المشرق، فجئنا لنسجُد له»” (متّى 1:2-2). كلهم تركوا كل شيء، الرعاة الفقراء من قريب، والمجوس العلماء الأغنياء من بعيد، وأتوا إلى بيت لحم. سجدوا للطفل، وأهدوا إليه ذهباً وبخوراً ومُرّاً (متّى 11:2)، قدّموا إليه هدايا حُبِّهم وإيمانهم ورجائهم، فبادلهم المشاركة في الطبيعة الإلهيّة.

نحن في بلدان هذا المشرق وفي عالم الانتشار، ننحني ونسجُد مثلهم أمام مغارة الميلاد، لنستنير من نور الحقيقة التي أُعلنت للعالم، ونتقدّس بنعمة الحياة الإلهيّة المعطاة لنا “فمِن مِلْئِه نلنا بأجمعنا نعمةً على نعمة” (يوحنا 16:1). وصدى كلمات البابا القدّيس لاوون الكبير يتردد في أعماق قلوبنا: “أيها المسيحي، إعرف كرامتك. وإذا أصبحت شريكاً في الطبيعة الإلهيّة، بواسطة الإله الذي أخذ طبيعتك البشرية، كن يقظاً لئلا تعود فتسقط، بمسلكٍ غير لائق، من هذه العظمة إلى الأسافل الأولى” (عظة أولى في ميلاد الرّب، 3).

ثالثاً: “فوجد الرعاة مريم ويوسف والطفل مضجعاً في المذوّد” (لوقا 16:2):

أحبّائي: الميلاد بركة خاصة لكل عائلة من عائلاتنا البشرية، أباء وأمهات وأبناء. أليس الله من جمعها في البدء وأعلن في الإنجيل المقدّس “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان” (متّى 6:19)؟ لقد خلق الله النظام في الكون منذ إنشاء العالم. وهو الذي يمنح لكلِّ أبٍ صفة الأبوّة التي تتكلّم عن أسرار الآب في أبوّتهِ. ولكلّ أُمّ صفة الأمومة التي مُنحت للكنيسة ولأُمّ الكنيسة العذراء مريم. لقد اختار لابنه الحبيب أن يستقبل على الأرض في أجواء عائلية تُكرّس قدسيّة العائلة وتُظهر عظمتها في تدبير شؤون الخليقة. فكانت لنا أجمل إلتفاتةٍ من السماء بعطيتها مريم العذراء التي اختارها أُمّاً للقدّوس وجعلها الأجمل والأطهر والأقدس بين النساء.

كما اختار للابن المتجسّد أباً ومربياً بشخص يوسف البار (متّى 19:1)، فصار شفيعاً للعائلات بفعل حراسته للعائلة المقدّسة وتكريس ذاته لخدمتها.

فيا أيها الطفل الإلهي المطلُّ علينا عبر عائلةٍ خاصة قدّستها وقدّمتها لعائلتنا قدوةً ومثالاً، بارك عائلاتنا وثبّتها في محبتك فتصمد في وجه الصعوبات والمشاكل بأنواعها، وأرجع قلوب الأباء إلى أبنائهم، وقلوب الأبناء إلى أبائهم فنكتشف في المحيط والوسط العائلي حبّكَ اللامتناهي.

رابعاً: “المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة” (لوقا 14:2):

ويشرق ميلاد السيّد المسيح بأنواره على العالم وشرقنا خاصة. أفلا يحمل طفل المغارة، ملك السلام رسالةً يخصّنا بها نحن أبناء الشرق، وبركةً يُغدُقها علينا بفيض من محبّته؟ هذا الشرق الذي يعطي رسالةً للعالم في العيش المشترك الحر والكريم بين مسيحييه ومُسلميه والاحترام الذي يكنُّه أحدنا للآخر في حياتنا الاجتماعية والانسانية والوطنية يجب أن يبقى قاعدة راسخة من قواعد سلوكنا وعاداتنا وتقاليدنا.

فالمسيح الذي هو الحقّ يبارك مساعينا في وحدتنا وتضامننا، ويقول لنا: أن لا خلاص لنا دون أن نجتمع على الحبّ المتبادل والثقة الراسخة في العقول وفي القلوب. ودون أن يضمنا في النهاية مصير واحد مشترك. فالندرك إدراكاً واعياً أن لا قيمة لأوطاننا وشرقنا ولا لطوائفنا في ميزان الحضارة وفي مصير الأمم ما لم نكُن وطناً واحداً وشعباً مبنياً على المودّة والصفاء والإخلاص.

فليكُن فينا من الحبّ بعضنا مع بعض ما في المسيح صاحب هذا العيد. فالحفاظ على تنوعنا ووحدتنا هو الطريق الذي لا طريق غيره لانقاذ بلادنا وشرقنا والعالم من الحروب والإرهاب.

ولا شك أن طفل المغارة يرنو بعين حبّهِ في هذا اليوم الأغر إلى البلدان العربية التى تعيش اليوم تحولات تاريخية خطيرة. هو الذي أراد أن يولد فقيراً في إسطبلٍ حقير، والذي قبِل فيما بعد أن يحمل صليب الفداء حبّاً بكل إنسان، لا بد أن يقول لنا ولإخوتنا من حولنا، على تنوع أفكارهم ومعتقداتهم ومواقعهم، إتّقوا الله وارفعوا يد الحقد والبغض وكفّوا عن القتل وابتروا الحرب وازرعوا السلام لأنكم أبناء الله.

المسيح المولود في مذوّد هو الرجاء المستعاد للبشرية، وهو الذي يمنحنا قوة العمل في سبيل الخلاص، فلا تضعف في الدرب قِوانا ولا نستسلم لليأس ولا للإحباط. إنه الربيع الحقّ المطلُّ على العالم. ربيع الحبّ والتضامن والحرية والسلام، ولن يكون في الدنيا ربيع إلاّ بروحه ومحبّته.

فاعطينا أيها الرّب يسوع، يا رجاء الأباء وانتظار الشعوب ونور الأمم، يا طفل المغارة ملِك السلام، أن نؤمن بربيع حبّكَ وسلامك ونعمل على نشره في الرّبوع وفي القلوب متذكرين قولك: “طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يدعون” (متّى 9:5).

تمنيــات وتهــاني

من أمام المغارة التي وُلِد فيها السيّد المسيح نحييكم مهنئين بالعيد أنتم الذين بأرض الكنانة التي استقبلت الطفل يسوع وخلّصته من يد السفّاح هيرودُس القاتل. تعالوا نعيش معاً بتنوع جماعاتنا المسيحية والإسلامية، وبتنوع ثقافاتنا وتطلّعاتنا وأرائنا وخياراتنا السياسية والوطنية، جمال وحدتنا وتضامننا وترابطنا، ونبني معاً مصر الحديثة ذات قيمةٍ باستقرارها وإشعاع دورها في محيطها الأفريقي والعربي، وفي الأسرة الدولية.

نحييكم مع أطيب تمنيات الميلاد سلاماً ورجاءً، أنتم الذين في بلاد الشرق الأوسط وتمرّون في محنة الحروب والنزاعات وترسم أمام أعينكم وضمائركم إستفهامات وتساؤلات عديدة حول المستقبل والمصير. عليكم وسط هذه الظلمات يسطع نور الله ومجده كما في ليلة ميلاد الرّب يسوع، فينتصر العدل على الظلم، والهدى على الضلال، والمحبّة والسلام على القوة والقهر، لأننا على يقين بأن قوة السيف لا بد أن تنكسر والغالب اليوم مغلوب غداً، وحضارة المحبّة تعلو على حضارة القتل والموت، وأن طفل المغارة الضعيف والمتواضع هو الأقوى بحبّه للناس وتحريره من كل نزوة تؤدي إلى ابتلاعهم في ظلام الغرق والموت.

إننا نتطلّع معكم، عبر تمنيات الميلاد والسنة الجديدة 2015، وإلى ولادة ربيع عربي حقيقي ربيع سلام ومحبّة واستقرار قائم على تعدّدية الأديان والديمقراطية وقبول الآخر بعيداً عن المصالح والسيطرة والاستغلال.

نحييكم جميعاً ونهنئكم أنتم الذين في بلاد الانتشار، وتحت كل سماء، فليسطع عليكم نور المسيح بكل عطاياه ونعمه وليجمعنا بفرح ميلاده وقد اتحد بتجسّده مع كل إنسان.

نهنئ رئيس الجمهورية وحكومته الرشيدة وكل المسؤولين في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتربوية… طالبين من الله أن ينعم عليهم روح الحكمة والفطنة والغيرة ليقودوا بإخلاص وضمير حيّ دفّة الحكم لما فيه خير وتقدم وازدهار البلاد.

لكم منّا أطيب التمنيات بأن تكون السنة الجديدة مباركة ومليئة بالسلام والأمان والخير والنجاح والتوفيق.

فلنا ولجميع الناس في ظلمات هذا العالم يتجدّد إعلان السلام: “لا تخافوا، وُلِد لكم اليوم مخلّص”، ونهتف هتاف الأمل والرجاء: “وُلِد المسيح فمجّدوه هللويا”.