stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين ٢٠٢٠

565views

نقلا عن الفاتيكان نيوز

15 مايو 2020

“إنّ النازحين يقدّمون لنا فرصةَ اللقاء بالربّ يسوع، حتى لو وجَدَت أعيننا صعوبة في التعرّف عليه” هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين ٢٠٢٠

تحت عنوان “مِثلُ يسوع المسيح، مُجبَرون على الهروب. استقبال النازحين وحمايتهم ودعمهم ودمجهم” صدرت ظهر اليوم الجمعة رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين ٢٠٢٠ والذي سيحتفل به هذا العام في السابع والعشرين من أيلول سبتمبر المقبل.

كتب البابا فرنسيس ذكرت في مطلع هذا العام، في الكلمة التي وجّهتها إلى أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، مأساةَ النازحين ضمن تحدّيات العالم المعاصر: “إنَّ النزاعات وحالات الطوارئ الإنسانية التي تفاقمت بسبب الاضّطرابات المناخية تزيد من عدد المشرّدين وتنعكس على الأشخاص الذين يعيشون في فقر فادح. والعديد من البلدان المتضرّرة من هذه الحالات تفتقر إلى الهيكليّات المناسبة التي تسمح بتلبية احتياجات النازحين”. وفي هذا السياق نشر قسم المهاجرين واللاجئين التابع لدائرة التنمية البشرية المتكاملة “المبادئ التوجيهية الراعوية بشأن النازحين الداخليين”، وهي وثيقة تهدف إلى إلهام وإحياء الأعمال الراعوية في الكنيسة في هذا المجال بالذات.

تابع الحبر الأعظم يقول لهذه الأسباب، قرّرت أن أكرّس هذه الرسالة لمأساة النازحين الداخليين، وهي مأساة غالبًا ما تكون خفيّة، وقد تفاقمت أكثر بفعل الأزمة العالمية التي تسبّبها جائحة فيروس الكورونا. في الواقع، هي الأزمة التي بفعل شدّتها وخطورتها ومداها الجغرافي، قد قلّصت العديدَ من حالات الطوارئ الإنسانية الأخرى التي أصابت ملايين الناس، مما أدّى إلى وضع المبادرات والمساعدات الدولية، الضرورية والعاجلة لإنقاذ الأرواح، في آخر البرامج السياسية الوطنية. لكن ليس الوقت وقت النسيان. إنّ الأزمة التي نواجهها الآن، لا يجب أن تُنسينا العديد من حالات الطوارئ الأخرى التي تحمل معها معاناة الكثير من الناس.

أضاف البابا فرنسيس يقول في ضوء الأحداث المأساوية التي ميّزت العام ٢٠٢٠، أوجّه هذه الرسالة، المخصّصة للنازحين، أيضًا إلى جميع الذين عاشوا وما زالوا يعيشون خبرة عدم الاستقرار والتخلّي والتهميش والرفض بسبب فيروس الكورونا. أودّ أن أبدأ من الأيقونة التي ألهمت البابا بيوس الثاني عشر في صياغة الدستور الرسولي عائلة الناصرة في المنفى. أثناء هروبهم إلى مصر، اختبر الطفل يسوع، مع والديه، حالة النازحين واللاجئين المأساوية التي اتّسمت بالخوف وعدم اليقين والمصاعب. للأسف إنّ ملايين العائلات، في أيامنا هذه، يمكنها أن ترى نفسها في هذا الواقع المحزن. ينقل التلفاز والصحف، كلّ يوم تقريبًا، أخبارًا عن اللاجئين الذين يهربون من الجوع والحرب ومن أخطار أخرى بحثًا عن الأمن والحياة الكريمة لأنفسهم ولأسرهم. إنّ يسوع حاضر في كلّ واحد منهم، ومُجبرٌ، كما في زمن هيرودس، على الفرار كي ينقذ حياته. ونحن مدعوّون للتعرّف، في وجوههم، على وجه المسيح الجائع، والعطشان، والعريان، والمريض، والغريب، والسجين، الذي يسائلنا. وإن تعرّفنا عليه، فسوف نشكره لأننا استطعنا أن نقابله، ونحبّه ونخدمه.

تابع الأب الاقدس يقول إنّ النازحين يقدّمون لنا فرصةَ اللقاء بالربّ يسوع، حتى لو وجَدَت أعيننا صعوبة في التعرّف عليه: بملابسه الممزّقة، وأقدامه المتّسخة، ووجهه المشوّه، وجسده المجروح، وغير قادر على التحدّث بلغتنا. إنه تحدٍّ راعوي نحن مدعوّون للإجابة عليه بالأفعال الأربعة التي أشرت إليها في الرسالة بمناسبة هذا اليوم نفسه لعام ٢٠١٨: استقبال، وحماية، ودعم، ودمج. وأودّ الآن أن أضيف عليها ستة أزواج من الأفعال التي هي أفعال ملموسة للغاية، مرتبطة ببعضها البعض في علاقة سببيّة. علينا أن نعرف الآخر كي نفهمه. معرفة الآخر هي خطوة ضرورية لفهمه. هذا ما قام به يسوع نفسه في رواية تلميذي عمواس: “وبَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخذَ يَسيرُ معَهما، على أَنَّ أَعيُنَهُما حُجِبَت عن مَعرِفَتِه”. عندما نتحدّث عن المهاجرين والنازحين، غالبًا ما نتوقّف عند الأرقام. لكن الأمر لا يتعلّق بالأرقام، بل بالأشخاص! إذا التقينا بهم فسوف نتوصّل لمعرفتهم. وإذا عرفنا قصصهم فسوف نتمكّن من فهمهم. وسنفهم، على سبيل المثال، أنَّ عدم اليقين الذي عانينا منه بسبب الجائحة هو عنصر ثابت في حياة النازحين.

أضاف الحبر الأعظم يقول من الضروري أن نتقرّب من الآخرين كي نخدمهم. يبدو الأمر وكأنه من المسلَّمات، ولكنه غالبًا ما يكون غير ذلك. “وَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتًا وخَمرًا، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه”. إن المخاوف والأحكام المسبقة -العديد من الأحكام المسبقة- تبقينا بعيدين عن الآخرين وغالبًا ما تمنعنا من أن “نقترب” منهم ونخدمهم بمحبّة. إن الاقتراب من الآخرين غالبًا ما يعني أن نكون مُستعدّين للمخاطرة، كما علّمنا العديد من الأطبّاء والممرّضين في الأشهر الأخيرة. وهذا الاقتراب بهدف الخدمة، يتجاوز مجرّد الشعور بالواجب؛ ويسوع قد ترك لنا أعظم مثال عندما غسل أقدام تلاميذه: خلع ملابسه وركع و”وسّخ” يديه.

تابع البابا فرنسيس يقول كي نتصالح علينا أن نصغي. هذا ما يعلّمنا إياه الله نفسه الذي أراد، من خلال إرسال ابنه إلى العالم، أن يصغي إلى أنين البشرية بأذني الإنسان: “إِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم”. إنّ الحبّ، الذي يصالِح ويخلِّص، يبدأ بالإصغاء. لقد تكاثرت الرسائل في عالم اليوم، لكننا نفقد القدرة على الإصغاء. ولكننا لا نستطيع أن نتصالح حقًّا إلّا من خلال الإصغاء المتواضع واليقظ. خلال عام ٢٠٢٠، ساد الصمتُ في شوارعنا مدّة أسابيع. صمتٌ مأساوي ومثير للقلق، لكنه قد أتاح لنا الفرصة للإصغاء إلى صرخة الضعفاء والنازحين وكوكبنا السقيم للغاية. ومن خلال الإصغاء، لدينا الفرصة لنتصالح مع القريب، ومع العديد من الأشخاص المستبعدين، ومع أنفسنا ومع الله، الذي لا يتعب أبدًا من منحنا رحمته.

أضاف الأب الأقدس يقول كي ننمو من الضروري أن نشارِك. إن أحد العناصر التأسيسيّة للجماعة المسيحيّة الأولى كان المشاركة: “كانَ جَماعَةُ الَّذينَ آمَنوا قَلبًا واحِدًا ونَفْسًا واحِدة، لا يَقولُ أَحدٌ مِنهم إِنَّه يَملِكُ شَيئًا مِن أَموالِه، بل كانَ كُلُّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم”. لم يُرد الله أن تفيد مواردُ كوكبنا البعضَ فقط. لا، لم يرد الربّ هذا! يجب أن نتعلّم المشاركة لكي ننمو معًا، دون أن نترك أحدًا خارجًا. لقد ذكّرتنا الجائحة كيف أننا جميعًا على نفس القارب. وقد أظهَرَت لنا مجددًا الهمومُ والمخاوفُ المشتركة أنه ما من أحد ينقذ نفسه بنفسه. كي ننمو حقًا، يجب أن ننمو معًا، ونتشارك ما لدينا، مثل ذلك الصبي الذي قدّم إلى يسوع خمسة أرغفة من شعير وسمكتين… فأشبع خمسة آلاف شخص!

تابع الحبر الأعظم يقول يجب أن نُشرِك الآخرين كي نساعدهم. هكذا فعل يسوع في الواقع مع المرأة السامرية. اقترب الربّ يسوع منها، واستمع إليها، وحدّث قلبَها، كي يقودها من ثمّ إلى الحقيقة ويحوّلها إلى مبشّرة بالخبر السارّ: “هَلُمُّوا فَانْظُروا رَجُلاً قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ. أَتُراهُ المَسيح؟”. إنّ اندفاعنا لخدمة الآخرين يمنعنا أحيانًا من رؤية غناهم. إذا أردنا أن نعزّز حقًّا الأشخاص الذين نقدّم لهم المساعدة، فيجب علينا أن نجعلهم يشاركون ويلعبون دورًا أساسيًّا في خلاصهم. لقد ذكّرتنا الجائحة بمدى أهمّية المسؤولية المشتركة، وأنه فقط من خلال مساهمة الجميع -حتى من الفئات التي غالبًا ما نقلّل من شأنها- يمكننا مواجهة الأزمة: يجب أن نتحلّى بالشجاعة من أجل إيجاد مساحات يستطيع الجميع فيها أن يشعر أنه مدعوّ، ومن أجل خلق أشكال جديدة من الضيافة والأخوّة والتضامن.

أضاف الأب الأقدس يقول من الضروري أن نتعاون كي نبني. هذا ما يوصي به بولس الرسول جماعة قورنتس: “أُناشِدُكُم، أَيُّها الإِخوُة، باِسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَن تقولوا جَميعا قَولاً واحِدًا وأَلاَّ يَكونَ بَينَكُمُ خِلاقات، بل كُونوا على وِئامٍ تامّ في رُوحٍ واحِدٍ وفِكرٍ واحِد”. إنّ بناء ملكوت الله هو عمل مشترك لجميع المسيحيين، ولهذا فمن الضروريّ أن نتعلّم كيف نتعاون، دون أن نسمح للغيرة والخلافات والانقسامات بأن تجرّبنا. وفي السياق الحالي، يجب إعادة التأكيد على أنه ليس الوقت وقت الأنانية، لأن التحدّي الذي نواجهه يُوحِدنا جميعًا ولا يفرّق بين الناس. وكي نحافظ على بيتنا المشترك ونجعله يشبه أكثر فأكثر تدبير الله الأصلي، يجب أن نعمل على ضمان التعاون الدولي والتضامن العالمي والالتزام المحلّي، دون استبعاد أيّ شخص.

وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين ٢٠٢٠ بالقول أودّ أن أختتم بصلاة مستوحاة من مثال القدّيس يوسف، خاصّة عندما اضطرُّ للهروب إلى مصر كي ينقذ الطفل.

أيها الآب، لقد عهدت إلى القديس يوسف بأثمن ما كان لديك، بـ”الطفل وأمه”، لحمايتهما من الأخطار وتهديدات الأشرار. امنحنا نحن أيضًا أن نحظى بحمايته وعونه. هو الذي اختبر معاناة الذين يهربون بسبب كراهية الطغاة، أعطه أن يعين ويحمي جميع الإخوة والأخوات الذين يُضطرّون، بسبب الحروب والفقر والعوز، إلى ترك منازلهم وأوطانهم والرحيل كلاجئين إلى أراضٍ أكثر أمانًا. ساعدهم، بشفاعته، لكي يجدوا القوّة على المضيّ قدمًا، والعزاء في الحزن، والشجاعة في المحنة. امنح الذين يستقبلونهم حنان هذا الأب البار والحكيم الذي أحبَّ يسوع كما لو كان ابنه، وعضد مريم على خلال المسيرة. ليؤمِّن – هو الذي كان يأكل خبزه بعمل يديه –لجميع الذين سلبتهم الحياة كل شيء، الكرامة والعمل وسكينة البيت. نسألك هذا بشفاعة يسوع المسيح ابنك الذي أنقذه القدّيس يوسف بهروبه إلى مصر، وبشفاعة العذراء مريم التي أحبّها كزوج أمين بحسب مشيئتك. آمين!