stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسة

زيارة البابا فرنسيس إلى تركيا: خطاب البابا إلى السلطات المدنية في أنقرة

1.1kviews

REUTERS590013_Articolo

بدأ البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة زيارته الرسولية السادسة خارج الأراضي الإيطالية، والتي قادته إلى تركيا إذ وصل إلى أنقرة عند الساعة الواحدة بعد الظهر بالتوقيت المحلّي وكان في استقباله وفد رسمي رفيع المستوى على أرض مطار ايزيمبوغا الدولي. وبعد أن زار البابا ضريح أتاتورك، توجّه إلى القصر الجمهوري في أنقرة حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمي بحضور ممثلين عن السلطات المدنية يتقدّمهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. وقد وجّه البابا للحاضرين خطابا قال فيه:

السيد الرئيس،

السيد رئيس الوزراء،

أيتها السلطات الموقرة،

أيها السيدات والسادة،

يسرني أن أزور بلدكم، الغني بالجمال الطبيعي والتاريخ، والمفعم بآثار الحضارات القديمة والجسر الطبيعي بين قارتين ومختلف التعابير الثقافية. إن هذه الأرض عزيزة على قلب كل مسيحي لأن فيها ولد القديس بولس وقد أسس هنا جماعات مسيحية مختلفة؛ وفيها عُقدت المجامع الأولى للكنيسة بالإضافة إلى وجود، بالقرب من أفسس، ما يعتبره التقليد الموقّر “بيت مريم”، وهو المكان الذي عاشت فيه مريم أم يسوع لبضع سنوات، ويشكل مقصدا للعديد من الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم، لا المسيحيين وحسب إنما المسلمين أيضا.

لكن الأسباب الكامنة وراء الاعتبار والتقدير اللذين تتمتع بهما تركيا لا توجد في ماضيها وحسب، أو في آثارها إنما أيضا في حيوية حاضرها وفي عمل وسخاء شعبها، وفي دورها وسط مجموعة الأمم.

إنها مدعاة فرح لي أن تتاح فرصة متابعة حوار صداقة معكم، حوار تقدير واحترام، سائرا على خطى أسلافي: الطوباوي بولس السادس، القديس يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر، حوار أعده وسهّله القاصد الرسولي آنذاك المطران أنجيلو جوزيبيه رونكالي، الذي صار لاحقا القديس يوحنا الثالث والعشرين، بالإضافة إلى المجمع الفاتيكاني الثاني.

إننا نحتاج إلى حوار يعمّق المعرفة ويثمّن كل القواسم المشتركة فيما بيننا، ويسمح لنا في الوقت نفسه بالنظر إلى الاختلافات بنفس حكيمة ومطمئنة، كي نستخلص منها هي أيضا العبر. ينبغي أن نواصل بصبر الالتزام في بناء سلام صلب يرتكز إلى احترام الحقوق الأساسية والواجبات المرتبطة بكرامة الإنسان. ومن خلال هذه الدرب يمكن تخطي الأحكام المسبقة والمخاوف الزائفة وتُترك فسحة للتقدير والتلاقي وتنمية أفضل الطاقات بشكل يعود بالنفع على الجميع.

ولهذه الغاية، من الأهمية بمكان أن يتمتع المواطنون المسلمون واليهود والمسيحيون ـ من خلال القوانين المرعية الإجراء وتطبيقها فعليا ـ بالحقوق نفسها وأن يحترموا الواجبات نفسها. وبهذه الطريقة يرى هؤلاء في بعضهم البعض أخوة ورفاق درب، ويبعدون أكثر فأكثر الفهم الخاطئ ويعززون التعاون والتفاهم. إن الحرية الدينية وحرية التعبير، عندما يتم ضمانهما بالنسبة للجميع، تحفزان تفتح براعم الصداقة وتصيران علامة بليغة للسلام.

هذا ما ينتظره الشرق الأوسط وأوروبا والعالم. إن الشرق الأوسط بنوع خاص، يشكل منذ سنوات طويلة مسرح حروب بين الأخوة، ويبدو أنها تولّد بعضها، كما لو كان الرد الوحيد الممكن على الحرب والعنف يتمثل بحرب جديدة وعنف آخر. كم من الوقت يتعين على الشرق الأوسط أن يتألم جراء فقدان السلام؟ لا يسعنا الاستسلام أمام استمرار الصراعات كما لو أن تحسن الوضع بات مستحيلا! بعون الله يمكننا، لا بل علينا، أن نجدد دائما شجاعة السلام! وهذا الموقف يحملنا على استخدام جميع وسائل التفاوض بأمانة وصبر وعزم، بغية التوصل إلى أهداف ملموسة للسلام والتنمية المستدامة.

سيدي الرئيس، بغية التوصل إلى هذا الهدف السامي والطارئ، يمكن أن يقدم الحوار بين الأديان والثقافات إسهاما هاما، من أجل التصدي لأي شكل من أشكال الأصولية والإرهاب، الذي يذل بشدة كرامة جميع البشر ويستغل الدين كأداة.

ينبغي أن يواجَه التعصب والأصولية والخوف غير العقلاني الذي يشجع سوء التفاهم والتمييز من خلال تضامن جميع المؤمنين والذي يرتكز إلى احترام الحياة البشرية والحرية الدينية التي هي حرية العبادة وحرية العيش وفقا للخلقية الدينية، وإلى جهد ضمان كل ما يلزم لحياة كريمة للجميع، بالإضافة إلى الاعتناء بالبيئة الطبيعية. هذا ما تحتاج إليه شعوب ودول الشرق الأوسط بشكل طارئ، كي نتمكن أخيرا من “قلب هذا الميل” ونقوم بدفع عملية إحلال السلام، من خلال نبذ الحرب والعنف والسير في درب الحوار والقانون والعدالة.

ما نزال نشهد لغاية اليوم، وللأسف، صراعات خطيرة. في سورية وفي العراق، بنوع خاص، يبدو أن العنف الإرهابي لا ينذر بالتوقف. يتم انتهاك أبسط القوانين الإنسانية حيال الأسرى ومجموعات عرقية برمتها؛ وقد مورست ـ وما تزال تمارس ـ اضطهادات خطيرة ضد الأقليات، لاسيما المسيحيين واليزيديين، وغيرهم: مئات آلاف الأشخاص أرغموا على ترك بيوتهم وأوطانهم كي ينجوا بأرواحهم، ويبقوا أمناء لمعتقداتهم الخاصة.

إن تركيا، التي تستضيف بسخاء أعدادا كبيرة من اللاجئين، معنية مباشرة بنتائج هذا الوضع المأساوي القائم على حدودها، والجماعة الدولية ملزمة خلقيا بمساعدتها على الاعتناء باللاجئين. بالإضافة إلى تقديم المساعدة الإنسانية الضرورية، لا يسعنا أن نقف غير مبالين إزاء ما سبب هذه المآسي. ومن خلال التأكيد على شرعية وقف المعتدي الظالم، لكن دائما في إطار احترام الشرعية الدولية، أود أن أذكر بأنه لا يمكننا الاتكال على حل المشكلة بواسطة الرد العسكري وحسب.

من الضروري أن يُتخذ التزام مشترك قوي، يرتكز إلى الثقة المتبادلة، ويجعل من الممكن التوصل إلى سلام دائم ويسمح بتخصيص الموارد لا للتسلح بل للنضال من أجل القضايا التي تليق بالإنسان: النضال ضد الجوع والأمراض، من أجل التنمية المستدامة وحماية الخلق، ولمساعدة الفقراء والمهمشين، على أنواعهم، والذين لا يخلو منهم عالمنا المعاصر.

إن تركيا، ونظرا لتاريخها وموقعها الجغرافي والأهمية التي تتمتع بها في المنطقة تضطلع بمسؤولية كبيرة: إن خيارتها ومثالها تكتسب قيمة خاصة ويمكن أن تساعد في تسهيل التلاقي بين الحضارات وفي تحديد السبل الممكنة لتحقيق السلام والنمو الأصيل. أسأل الله العلي أن يبارك ويحمي تركيا ويساعدها على أن تكون أداة قيّمة وراسخة لصنع السلام!

الفاتيكان