شهود جمال الله – خمس وعشرون عامًا على صدور الإرشاد الرسولي “الحياة المكرّسة”
نقلا عن الفاتيكان نيوز
25 مارس 2021
كتب : فتحي ميلاد – المكتب الأعلامي الكاثوليكي بمصر .
رسالة عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين على صدور الإرشاد الرسولي “الحياة المكرّسة”
بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين على صدور الإرشاد الرسولي “الحياة المكرّسة” وجّه الكاردينال جواو براز دي آفيتز عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية رسالة إلى جميع المكرّسين والمكرّسات تحمل عنوان “شهود جمال الله” كتب فيها نشكُرُ اللهَ دائمًا في أَمرِكم “على ما أُوتيتُم مِن نِعمَةِ اللهِ في المسيحِ يسوع. فقَد أُغْنيتُم فيه كُلَّ الغِنى ودُعيتم إِلى مُشارَكةِ اَبنِه يسوعَ المسيحِ رَبِّنا” (راجع ١ كور ١، ٤- ٦). في هذه اللحظة المأساوية نشعر بالتضامن مع الجميع “في الشِّدَّةِ والثَّباتِ”، ليس فقط بسبب الوباء، وإنما بسبب عواقبه التي تلمسنا عن كثب في الأحداث اليومية للجماعة المدنيّة والكنسيّة.
تابع عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية يقول في هذه المناسبة نشعر بدعوتنا وشكرنا اللذين تعبّر عنهما كلمات البابا فرنسيس: “يا رب، خلاصي يأتي منك، يداي ليستا فارغتين، بل ممتلئتان بنعمتك. وأن نعرف كيف نرى النعمة هي نقطة البداية”. وبالتالي علينا أن ننظر إلى الوراء، ونعيد قراءة تاريخنا الشخصي وأن نرى فيه عطية الله الأمينة، ليس بنظرتنا فقط، وإنما “بنظرة المؤمنين” أيضًا، مدركين أن سر ملكوت الله يعمل في تاريخنا وينتظر كمال تحقيقه في السماوات.
أضاف الكاردينال جواو براز دي آفيتز يقول لقد نشر الإرشاد الرسولي “الحياة المكرّسة” في زمن من الشك الكبير، في مجتمع سائل، هوياته مشوشة وانتماءاته ضعيفة. وبالتالي يدهشنا اليقين الذي تُوصف به هوية الحياة المكرَّسة، “أيقونة المسيح المتجَّلي” الذي يكشف مجد الآب ووجهه في بهج الروح القدس المنير. ومن هذا الحدس المثمر تنبع عواقب ثمينة.
أولا قوّة العلاقة، تابع عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية يقول تُبنى الحياة المكرّسة بالكامل حول فكرة العلاقة، علاقة تنشأ في سرّ الله، الشركة الثالوثية ومنه. خلاص يمر عبر حياة الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية الآخر. ليس عبر شهادة فرديّة وإنما عبر أخوَّة تعيش ما تعلنه وتتمتع به. قداسة جماعية، لا لأفراد منعزلين كاملين، بل خطأة فقراء يتشاركون ويعطون بعضهم بعضًا الرحمة والتفهم يوميًّا. وتكرُّس لا يتعارض مع قيم العالم والعطش العالمي للسعادة، بل على العكس يخبر الجميع بواقع أن يكون المرء فقيرًا، عفيفًا، مطيعًا يمنحه قوة مؤنسنة عظيمة، ويشكل إيكولوجيا حقيقية للإنسان، ويعطي المعنى والتوازن في الحياة والانسجام والحرية في العلاقة مع الأشياء، وينقذ من أي إساءة واستغلال، ويخلق الأخوّة ويعطي الجمال …
أضاف الكاردينال جواو براز دي آفيتز يقول مشاعر الابن؛ يبدو أن جانبًا معينًا من البعد العلائقي يبلغ إلى أعلى نقطة له عندما تتناول الوثيقة موضوع التنشئة. ليس مجرّد أي علاقة، بل تلك التي تؤدي إلى أن يحمل المرء في نفسه مشاعر الابن المطيع، والعبد المتألم، والحمل البريء. إنها علاقة تصل إلى اتصال عميق يكتشف فيه المرء مجدّدًا حساسيّة الابن التي هي بدورها صورة وتجسد لحساسية الآب. نحن المسيحيين نؤمن بإله حساس: يسمع أنين المظلومين ويصغي إلى توسل الأرملة. يتألم مع الإنسان ومن أجل الإنسان. ونحن نريد أن نؤمن أن الحياة المكرسة، بمواهبها العديدة، هي بالضبط التعبير عن هذه الحساسية. إنه مشروع مثير يجمع بشكل مثير للإعجاب الأبعاد الروحية والأنتروبولوجية. مشروع يمكنه أن يحوّل فكرة التنشئة من حيث المحتوى والأساليب والتوقيت. ستكون أخيرًا تنشئة متكاملة، مبنيّة على صخرة الحب الأبدي الذي يجعلنا أحرارًا، ويكوّن أشخاصًا مستقيمين تعلموا أن يبشّروا حساسيتهم، لكي يحبوا الله بقلب بشري، ويحبوا الإنسان بقلب إلهي!
تابع عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية يقول سحر الجمال. إن كان الله جميلاً وكان الرب يسوع “الأجمل بين بني البشر”، فالتكرس له جميل. والمكرّس مدعوّ ليكون شاهداً للجمال. في عالم يخاطر بالوقوع في أعمال وحشية مزعجة، يبدو أن “درب الجمال” (via pulchritudinis) هو الدرب الوحيد لبلوغ الحقيقة، أو لجعلها ذات مصداقية وجذابة. وبالتالي على المكرّسين والمكرّسات أن يوقظوا في أنفسهم، ولا سيما بشكل خاص في رجال ونساء عصرنا، الجاذبية لما هو جميل وحقيقي. جميلة إذن، وليس فقط شجاعة وصادقة، يجب أن تكون الشهادة والكلمة اللتين نقدمهما، لأن الوجه الذي نعلنه هو جميل. جميل يجب أن يكون ما نقوم به وكيف نقوم به. جميلة الأخوة والجو الذي نتنفّسه فيها. جميل الهيكل والليتورجيا التي يُدعى الجميع إليها لأنّه من الجميل أن نصلّي ونرفع أناشيد التسبيح للعلي ونسمح لكلمته بأن تدخلنا. جميل كوننا أعفاء لكي نحب بقلبه، وكوننا فقراء لنقول إنه كنزنا الوحيد، وطاعتنا لإرادته في الخلاص ولبعضنا البعض أيضًا لكي نبحث عنه وحده. جميل أن يكون لدينا قلب حر يقبل ألم المتألمين ليُظهر لهم شفقة الله الأزلي…
أضاف الكاردينال جواو براز دي آفيتز يقول إنَّ الإرشاد الرسولي “الحياة المكرّسة” قد طبع بالتأكيد خبرة الأشخاص المكرّسين وتأملاتهم خلال هذه السنوات الأخيرة. ونحن مقتنعون بأنه يجب أن يبقى نقطة مرجعية أيضًا في السنوات القادمة، مع تعاليم الباباوات ووثائق مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية التي عمقت مواضيعهه الأساسية. في الواقع، نحن مقتنعون بأن الإرشاد الرسولي “الحياة المكرّسة” يمكنه أن يغذي الأمانة الخلاقة للأشخاص المكرسين، أساس الحياة المكرسة في الألفية الثالثة. يحثنا البابا فرنسيس قائلاً: ” لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي في حنين إلى الماضي أو أن نحُدَّ أنفسنا في تكرار الأشياء عينها على الدوام. نحن بحاجة إلى الصبر الشجاع لكي نسير ونكتشف طرقًا جديدة، ونبحث عما يقترحه الروح القدس علينا”.
وختم عميد مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية رسالته بالقول نوجه صلاتنا بثقة إلى العذراء مريم لكي يتمكن المكرّسون والمكرّسات من أن يشهدوا لحياة متجلّية ويسيروا بفرح، مع جميع الإخوة والأخوات، نحو الوطن السماوي والنور الذي لا يعرف الغروب.