stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

صوت صارخ في البرية – الأب وليم سيدهم

471views

في البرية يصبح الصراخ وهو في أوج قوته، خافتًا، لأن الفضاء لا يحيز الصوت بل يطلق عنانه، على عكس الصراخ في الهيكل لأو المعبد، خاصة وإذا استخدمت الميكروفونات الحديثة التي تضخم الصوت.

لقد كان يوحنا المعمدان، كما يصفه الكتاب المقدس، يعيش في البرية، ويلبس ثوبًا زاهدًا ويأكل العسل. إن الصراخ في الكتاب المقدس يعبر عن الألم والحزن والضيق والإحساس بالظلم. فتحدثنا المزامير عن صُراخ المسكين والضعيف نحو الله، آملًا أن يُسمع صوته من رب الرحمة والحنان.

وها هنا يوحنا يصرخ يوحنا في البرية ان: ” أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً».” (مر 1: 3) مثل الحاجب الذي كان يعلن عن مقدم سيده حتى يتوقف الهرج والمَرج، ويركز العبيد في الإصغاء لأوامر سيدهم هكذا كان يوحنا المعمدان، لقد أخذ يوحنا المعمدان على عاتقه ما جاء في اشعياء النبي “رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.” (إش 61: 1)

إن الاهانات الموجهة لإله المحبة وخالق الكون لم ولن تكف يصرخ المرنم قائلًا “صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزًا نَهَارًا وَلَيْلًا إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلهُكَ؟».” (مز 42: 3) ، فمنذ عصر الأنوار طرد الله من المدينة ولم يبقى إلا العقل البشري حكمًا وقاضيًا لقضاء المدينة، وسواء في عصر المعمدان منذ أكثر من الفين عامًا أو في عصرنا الراهن، يود المؤمن أن يصرخ في أمراء الحرب في هذا العالم، أن إعدوا طريق الرب، واجعلوا سبله قويمة، ولكن هيهات أن ينصت الفُجار لهذه الأصوات في المدينة.

فإله المدينة منذ فترة طويلة أصبح المال والذهب، أما الله فقد طُرد، بعد أن شوه وجهه بسبب نوعية المؤمنين به، الذين لم يعودوا صالحين، مثلهم مثل الملح الفاسد “«أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ (مت 5: 13)

لقد كانت فلسفة الأنوار في القرن الثامن عشر تهدف إلى التخلص من نير الكنيسة التي لم يبق للمسيح فيها شيئًا، بل تمددت كمؤسسة وغرقت في أوحال المجد الباطل والسلطة والفساد الأخلاقي، فكان طبيعيًا أن توصم بالطرد من المدينة، لأن الكنيسة عوضًا أن تعكس وجه الله الرحوم، الحنون، المُحب، عكست صورتها هي للمؤمنين الذين كانوا من السذاجة لدرجة تصديقهم الأعمى لكل ما تقوله الكنيسة، بعد أن أطفأت فيهم روح الحق والتمييز.

إن صرختنا اليوم يجب أن تخرج من قلب طاهر وفي تطهر من أدران السلطة الغاشمة، والنجاسة، والجهل. هُنا سيصدقها العالم، وحينئذ تثمر ثمرًا وفيرًا للملكوت.

لو أنأبناء النور كانوا أحكم من أبناء الظلمة لعرفوا أن صراخهم وعويلهم أكبر دليل على حُبهم لإلههم. ملك السلام ورب القوة، والمُحب الأعظم لنا جميعًا.

“وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ” (لو 3: 9)