ضد الاغتياب
يوحنا لستفيتشنيك – نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد
وكان قوم من الكنيسة جالسين هناك يفكرون في قلوبهم. ما بال هذا يتكلم هكذا؟ إنه يجدف! من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟ فللوقت أدرك يسوع أنهم يفكرون هكذا، فقال لهم: “لماذا تفكرون في قلوبكم ” (مرقس 6:2-8).
إن الاغتياب وليد البغضاء، ومرض خفي عضال. إنه علقة تمتص بشراهة دماء المحبة. إنه الرياء في المحبة. إن المغتاب، لكي يبرر نفسه، يدّعي عادة بأنه لا يذمّ أحداً إلا ليصلحه… ولكن ” المغتاب لقريبه بالخفاء استأصله ” (مزمور 5:100) فلا تختلق أشياء لا صحة لها ولا تنتقدها. إن كنت تحب قريبك صلِّ سراً من أجله ولا تغتبْ أخاك، فإنك بهذا ترضي الله. اصغَ إلى ما أظهره لك فإنك إن فكرت فيه جيداً تترك الغيبة!
كان يهوذا رسولاً في مصف الرسل وصار لصاً في زمرة القتلة، فيا له من تحوّل فظيع في مدة قصيرة. عرفت رجلاً أخطأ علناً ثم تاب، فانتُقِد كضالٍّ، بينما كان باراً أمام الله. إذن لا تنتقد الآخرين فإنك، وإن علمت بخطيئتهم، لا تعرف ما تكون توبتهم. إن من ينتقد الناس يشبه رب بيت أهمل بيته وغفل عن ترتيبه وتنظيفه، بينما أخذ ينتقد الداخلين إليه حسبك أن تقول للمغتابين: إنكم غير كاملين. فلا تنتقد أحداً منهم.
إن المنفعة من هذا التصرف مزدوجة لأنك بعلاج واحد تشفي نفسك والقريب معاً. أن المسامحة وعدم الانتقاد هي أقرب الطرق إلى غفران الخطايا. كما أن النار والماء معاً لا يجتمعان كذلك لا يصح الثلب والإغتياب لمن يؤدّي فرض التوبة، فإذا شاهدتَ خاطئاً لا تُدِنْه ولو في ساعة احتضاره، لأن حكم الله غامض عن البشر. وقد تكون الخطايا ظاهرة والأعمال الصالحة مستترة، لذلك عاد المستهزئون بالخزي لأنهم شاهدوا الدخان بدلاً من الشمس.
استمعوا أيها الحمقاء الناقدون الآخرين: ” فإنكم بالدينونة التي تدينون بها تُدانون ” (متى7: 2). إنكم ستقعون في الخطأ نفسه الذي تنتقدون. كل من يتسرّع ويتشدّد في إدانة القريب يخطئ، لأنه لا يراجع زلاته التي فعلها مدة حياته. إن من فكّر بسيئاته ولم يسترها بكبريائه لا يفكّر بخطايا غيره، لأن حياته على الأرض لا تكفيه ليبكي جرائمه، ولو عاش إلى الأبد وأجرى الدموع كالأردن.
إن الاستسلام لروح البغضاء مدعاة للحقد والحسد، وإن المستسلمين ينتقدون أعمال القريب ومآثره بكل ارتياح. كثيرون يرتكبون الآثام في السر، وينتقدون غيرهم، ولو كانت آثامهم طفيفة.
إن دنتَ قريبك تختلسْ حق الله وتهلك نفسك. إن الأنانية وحدها تهلك الإنسان، وأما دينونة القريب فتعود علينا بالتهلكة كما يقول الإنجيل الشريف عن الفريسي.
إن الشيطان يدخل في المغتاب وفي من يسمع الإغتياب: يكون على لسان الأول وفي أذني الثاني. أما من يهرب من الغيبة فيخلّص نفسه من الإثم، فلا تدن حتى ولو رأيت المجرم بأم العين لأن النظر كثيراً ما يخدع.
في المثل الآتي يتضح لنا أن عدم إدانة القريب تنجّي الإنسان. كان أحد المتوحدين الرهبان متهاملاً في الطريق المؤدي إلى الخلاص أي: الصوم والصلاة . فلما حان وقت ارتحاله عن هذه الحياة تعجب أخوته المجتمعون حوله ساعة الاحتضار، إذ شاهدوه يشكر الله مبتسماً مطمئناً،
فسألوه عن سبب ذلك فقال : أيها الآباء والأخوة كنت متهاملاً في حياتي، وأذكر الآن أعمالي وأفكاري كلها التي أحصتها علي الملائكة، واعترفت بها بانسكاب، وانتظرت دينونة السيد الهائلة. فقالت لي الملائكة: إنك تهاملت في حياتك ولكنك لم تغتب ولم تحقد، لذلك مُزق صك آثامك. فهذا هو مورد سروري واطمئناني. ولما فاه بهذا أسلم روحه إلى السيد.
” لا تدينوا كي لا تدانوا! لا تقضوا على أحد كي لا يقضى عليكم. هكذا علّم الرب يسوع المسيح الذين كانوا يتبعونه ” (لوقا6: 37).
لنهرب من الاغتياب أيها الأخوة لنهرب من هذا الداء الوبيل المتفشي بيننا لا نكونن كالذباب الممقوت المتساقط على جراح الآخرين. بل لنكن كالنحلة العاقلة المجتهدة تحط على الزهور دائماً لامتصاص العسل منها.
أي لنرَ الصالحات في أقربائنا بالتفتيش عنها والاجتهاد في مباراتها، آمين