عائلة يسوع الحقيقية .. للعلامة الخورى بولس الفغالى
من يعمل بمشيئة الله هو أخي وأختي وأمي.
يبدو مرقس قاسياً على عائلة يسوع. ولكن عائلة يسوع قاسية على من ينحرف عن خطّها.
يسوع هو في بيت، الذي هو مكان رمزي لجماعة الكنيسة، لعائلة من نوع آخر. وازدحم المكان. إنزعج “ابناء القبيلة” من هذا النجاح الشعبي، ومن الإتهامات الخطيرة التي يُتّهم بها يسوع. فأرادوا أن يجبروه على العودة إلى القرية. قالوا: فقدَ صوابه. لم يعد يملك نفسه. مجنون يشفي مجانين! أمر لا يحُتمل! ولكن العائلة لا تريد مشاكل. فالناس يتحدّثون عنه في أورشليم. والوجهاء والكتبة وأصحاب السلطة نزلوا من العاصمة ليقوموا بالتحقيقات ويتّخذوا الإجراءات اللازمة. واستعملوا البرهان الأقوى: إنه ممسوس، فيه شيطان.
هو يحتاج إلى تعزيم وتقسيم، إلى صلاة تُخرج منه الشيطان. يبدو البرهان الديني أسوأ من البرهان العائلي. فكل البراهين صالحة للذين يعتبرون الحق بجانبهم. قالوا: أقام فيه بصورة مباشرة رئيس الشياطين، بعل زبول، أي بعل الأمير.
ولكن هل يقضي الشيطان وقته في محاربة جيشه؟ هناك أناس ينكرون كل حقيقة. هذا ما يسمّى التجديف على الروح القدس. هذه الخطيئة الشهيرة ما زالت تشغل المفسّرين. هل من خطيئة لا تغفر؟ فالله يغفر دائماً. ولكن حين نرفض غفرانه ماذا يحدث؟ هذه حالة لم نفكر بها. هل نفهم هذا النصّ بحرفيّته أم نرى فيه عبارة تلفت انتباهنا؟ كما نقول: هذه غلطة لا تغفر!
إن حملت السعادة إلى الناس تكون على خطأ إن مسست بأفكار يؤلّهونها. أمّا يسوع فيعتبر أننا نستطيع أن نعمل كل شيء ما عدا الجدال في ما لا يُجادَل فيه. لا نستطيع أن نرفض وجود الروح في بعض الأعمال. غير أننا نحب أن نجادل شأننا شأن الأولاد. متّى ينتهي مثل هذا الجدال!
بالنسبة إلى يسوع، إنتهى الجدال. إنه الرجل القول الذي يجب أن نقيّده قبل أن نأخذ له ما له. وها هي عائلته تعود. توصّل أقرباؤه في هذه المرة إلى ما أرادوا فجاؤوا بأمه معهم. أتكون قلقت على ابنها من الناس وربما من أقربائه؟” نلاحظ أنهم خارجاً… ما زالوا خارج الكنيسة، ويسوع هو في الداخل…
رفض يسوع الضغط العائلي الذي يذهب به إلى مستشفى الأمراض العقلية ويعتبره شاذاً. لقد رفضت العائلة أن تدخل إلى “حلقة” التلاميذ. هناك “حلقات” حول يسوع، وهي تبدو قريبة أو بعيدة حسب درجة انتمائها إلى العائلة الروحية الجديدة. ونظر يسوع حوله وهو السيد، تطلّع إلى هذه الحلقات.
نظرة مليئة بالعاطفة والحنان. هناك تمزّق سري في قلب ابن يقف أمام أمّ كلها انتباه وسماع. ولكنه لا يتراخى ولا يتراجع. هو آدم الجديد الذي يرفض التجربة. إرادته هي إرادة إخوته، وهي موافقة لله الذي يهتم بصورة خاصة بالعائشين على هامش التاريخ والمجتمع.
كلّم مسؤول أحد الكهنة: لا أنكر سخاءك، أيها الأب، ولكنني أطلب منك بعضا الخفر والهدوء في مواقفك… بدأ المسؤولون هنا يغتاظون منك. جاءتني بعض التنبيهات. أنت تضر الكنيسة وعلاقاتنا مع وجهاء المنطقة.
هذا ما حدث في إحدى رعايا أميركا الجنوبية. كاهن بحسب الإنجيل، جعلوه يسارياً وربطوه بالشيوعية ليكمّوا فمه. دافع عن الذين رذلهم المجتمع، ساند الفقراء في حربهم من أجل العدالة فكانت تلك خطيئته.
فحياة يسوع وأعماله وأقواله تعيد على بساط البحث عاداتنا وتصرّفاتنا الإجتماعية ونظراتنا الدينيّة. وأفضل طريقة بها نتخلّص من هذا المعلّم الشاب هي أن نربطه بالشيطان.
أسلوب لا يخطئ. وهكذا لا يعود الناس يثقون به. قد مسّه الشيطان. تلاعب به الشرير، تلاعبت به السياسة…
يستطيع الإنسان أن ينكر كل يقين، أن يفسّر بنيّة سيّئة أعمالاً إيجابية أو التزامات شجاعة، لكي يبرّر إمتيازاته، لكي لا يغيرّ عاداته الإجتماعية أو الدينية، لكي لا يطرحها على بساط البحث.
خطيئة خطيرة ضد الروح القدس. يستطيع الله أن يغفر كل ضعف وكل خلل عند البشر. ولكنه لا يستطيع شيئاً ضد الذين يجعلون النور ظلمة والظلمة نوراً. في الإنسان روح شيطانية قد تغلقه على نفسه وتمنع عنه نور الروح القدس.
أمك وإخوتك يطلبونك. هناك طرق عديدة نطلب بها يسوع، نفتّش عنه. هناك الذين يحسبون نفوسهم من عائلة يسوع ويحاولون أن يعيدوه إلى صوابه، “إلى البيت” ليسندوا أفكارهم ونظرتهم إلى العالم. هناك الذين يحسبون نفوسهم إخوته فيجعلون من المسيح رجلاً حيادياً “لا طعم له ولا رائحة ولا لون”، رجلاً لا يزعج أحداً. هؤلاء ظلّوا خارجاً. لم يدخلوا إلى منطق الإنجيل الذي هو منطق حب وعطاء حتى النهاية.
لقد حطّم يسوع حدود كنيسته. إخوته وأخواته وعائلته الحقيقية هم الذين يعملون إرادة الله كما كشف يسوع عنها. وحده الإيمان المحبّ والفاعل ينقل الإنسان من خارج البيت إلى داخله، من جماعة المنتقدين إلى الجماعة المسيحية.
هل نقبل أن تحرك الجرأة كنيستنا، جرأة هي أشبه بجنون يسوع؟ حين نريد أن نكون “عاقلين”، نتهرّب من دينامية الحب الذي لا نعرف إلى أين يقودنا. كم أسكتنا من أنبياء بأسم العقل والتعقّل؟ هل نقبل أن يسير المسيحيون عكس التيار الجاري أن يسيروا باسم الإنجيل؟ أم نحاول أن ندخلهم في منطقنا الأناني الضيّق؟!
الإنجيل مهمة وصراع لكي يستطيع الله أن يفعل في هذا العالم. هذا ما حدث ليسوع الذي وجب عليه أن يردّ على الذين ينتقدونه ويتّهمونه، وأن ينفصل عن الرباطات العائلية قبل أن يدل على تلاميذه الحقيقيين. ونحن، نركّز حياتنا على يسوع، وعلى يسوع وحده، حينئذ يأتي روحه ويحيينا