stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الموارنة الكاثوليك

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي – الأحد الخامس من زمن القيامة – بكركي

767views

نقلا عن موقع البطريركية المارونية – بكركي 
الاحد 10 مايو – أيار 2020

“يَا سِمعَانُ بِنْ يُونَا أَتُحِبُّنِي؟ إِرْعَ خِرَافِي! إِتْبَعْنِي!” (يو21: 15 و 21)

1. ثلاث كَلِمات قالهَا الرَّبُّ يسوع، وواحدة سمعانُ-بطرس. الكلمات الثَّلاث: “أتحبُّني؟ إرعَ خرافي! إتبعني!” حدَّدَت مفهوم السُّلطة ليس فقط في الكنيسة بل وفي المجتمع والدَّولة أيضًا. فالسُّلطة ترتكز عند صاحِبِها على محبَّته لله: مَن يُحِبُّ الله جدير بالسُّلطة وبممارستها. ما يعني أنَّه مدعوٌّ ليحملَ محبَّة الله تجاه مَن هُم في عهدته وإطار سلطته، ويُجسِّدُها في الأفعال، سائرًا بذلك على خُطى المسيح الرَّبّ “الرَّاعي الصَّالح” (يو11:10). أمَّا كلمةُ سمعان بطرس: “نعم، أنتَ تعرِفُ أنِّي أحبُّكَ”، فكانت تأكيدًا مِن القلب لمحبَّته، ولالتزامه بممارسة قيادة الكنيسة ورعاية المؤمنين باذلا نفسَه مِن أجْلِهم على مثال الرَّبِّ يسوع.

2. نُحيي اليوم الذِّكرى السَّنويَّة الأولى لوفاة المثلَّث الرَّحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير، الذي عادَ إلى بيت الآب في 12 أيَّار من العام الماضي. ونقدِّمُ هذه الذَّبيحة الإلهيَّة لراحة نفسه في السَّماء بين الأحبار، رعاة الكنيسة القدِّيسين المحيطين “براعي الرُّعاة” سيِّدنا يسوع المسيح (1بط 4:5). إنَّ ذكراه، في ضوء إنجيل اليوم، تُظهِر لنا وجهه كراعٍ صالحٍ قادَ كنيستَنا المارونيَّة مدَّة خمسٍ وعشرين سنةً بكلِّ حكمةٍ ومحبَّةٍ وتفانٍ، مُخلِصًا للمسيح الرَّبِّ وللكنيسة ولأبنائه وبناته الموارنة حيثما وُجدوا. وفيما نُصلِّي مِن أجله قائلين: “الرَّاحة الدَّائمة أعطِهِ يا ربّ، ونورُك الأزليُّ فليُضِئ له”، نرجو أن يَشفَع لكنيستنا بصلاته لدى العرش الإلهيّ.

3. ونُصلِّي أيضًا على نيَّة كلِّ مسؤولٍ في الكنيسة والمجتمع والدَّولة، كي يُدرِكَ قُدسيَّة سُلطته، من حيث أنَّ الله الخالق وضعَ في سرِّ تدبيره نظامًا للعالم ليعيش النَّاسُ والشُّعوبُ في سلامٍ، ويتفاهمُوا ويرعَوا شؤون مدينة الأرض، ويَنعَمُوا بالخير والعدل. فكانت السُّلطةُ الدينيَّةُ، وكانت السُّلطة السِّياسيَّة المدعوَّةُ دائمًا لاستلهام مشيئةِ الله، وتصميمِه الخلاصيّ. فيكون على صاحب كلِّ سُلطةٍ أن “يقضي بالبرِّ للشَّعب، وبالانصاف للضُعفاء” (مز 2:72)، ما جعَلَ بولس الرَّسول يقول: “لا سُلطان إلاَّ من الله” (روم 1:13). كثيرون مِمَّن وُلُّوا السُّلطة السِّياسيَّة كما الدِّينيَّة، تقدَّسوا بممارستهم لها بالمحبَّة والتَّفاني والأخلاقيَّة، ورُفعُوا على المذابح قدِّيسين وطُوباويِّين (راجع بعض الأسماء في “شرعة العمل السِّياسيّ، الحاشية 27)، ونذكر هُنا القدِّيس الشَّهيد Thomas More، رجل الدَّولة البريطانيّ (1478-1534)، الذي أعلَنَه القدِّيس البابا يوحنَّا بولس الثَّاني مثالاً أعلَى للمسؤولين عن الحكومات وأهل السِّياسة، بسبب حياته المسيحيَّة المخلصة وممارسته السِّياسة المثاليَّة، وبخاصَّةٍ حماية حقوق الضَّمير الأدبيّ، والانسجام الكامل بين الإيمان والأعمال.

4. يُسعِدُني وإخواني السَّادة المطارنة والأُسرَة البطريركيَّة في بكركي، أن نحتفل بهذه اللِّيتورجيَّا الإلهيَّة، وأن نُحيِّي كلَّ الذين يُشاركوننا روحيًّا عبر وسائل الاتِّصال الاجتماعيّ مشكورة. إنَّنا نُواصِل معكم صلاتَنا مِن أجل شفاء المصابين بوباء كورونا، ملتمسين مِن الله أن يحدَّ مِن انتشار هذا الوباء ويبيده، فيُقيمَ الكرة الأرضيَّة مِن شللها الذي يَتسبَّب بنتائجَ وخيمةٍ وخسائرَ كبيرةٍ لا تُحصَى يقعُ ضحيَّتَها الجميع في مختلف أوضاعهم، ولاسيَّما المرضى والفقراء. ونصلِّي بنوعٍ خاصٍّ من أجل ارتداد الخطأة إلى التَّوبة، منظِّفين قلوبهم من الأميال الشِّرِّيرة، ومن الحقد والضَّغينة والكيديَّة والبُغض والأفكار الهدَّامة. بهذه التَّوبة الشَّخصيَّة والجماعيَّة نستحقُّ رحمةَ الله وتحنُّنَه علينا وعلى البشريَّة البائسة، من جرَّاء فيروس كورونا على الأخصّ.

5. ترانا كلَّنا أمام واجب التَّمييز بين ما هو إيجابيٌّ الذي يوجب على الجميع التَّعاون على تعزيزه، وما هو سلبيٌّ مِن أجل التَّعاون على تصحيحه. هذا ما كنَّا نتوقَّعه من اجتماع الأربعاء الماضي التَّشاوريّ في القصر الجمهوريّ، لتدارس مشروع الخُطَّة الاقتصاديَّة الانقاذية الإصلاحيَّة، تمهيدًا لطرحه على المجلس النِّيابيّ بشكله الكامل. فلا بدَّ من التَّرحيب بإقدام الحكومة على وضع هذه الخُطَّة. أمَّا وقد أُعطيَ ما أُعطي من ملاحظاتٍ حولها، فإنَّ الحكومة ستعمل على تصحيح ما يلزم، وهي أمام واجبَين: داخليٍّ وخارجيٍّ. فداخليًّا، مِن واجبها النَّظر في شؤون المواطنين الملحَّة واتِّخاذ الاجراءات السَّريعة لحلِّ مشاكلهم الماليَّة والصحِّيَّة والغذائيَّة والبيئية والحياتيَّة، ومشاكل البطالة والجوع والفقر. وخارجيًّا، ترى الحكومة نفسَها أمام واجب الإسراع في إنهاء الخطَّة الإصلاحيَّة، وإقرارها مِن المجلس النِّيابيّ مع ما يَلزَم من قوانين، لكي تتمكَّنَ من إجراء المفاوضات البنَّاءة مع الخارج، ولاسيَّما مع صندوق النَّقد الدَّوليّ.

6. مطلوبٌ مِنَّا جميعًا، وبخاصَّةٍ مِن القوى السِّياسيَّة، العمل على تشجيع الحكومة ومساندتِهَا في تحقيق الاصلاحات المطلوبة داخليًّا ودوليًّا، مِن مِثل قطاع الطَّاقة والكهرباء، الأملاك البحريَّة، التَّحديد الصَّريح للمديونيَّة وتوزُّعها، الحلُّ لتخمة الموظَّفين القُدَامى والجُدُد في الوِزارات والإدارات العامَّة، ضبط الحدود ومكافحة التَّهريب، توضيح النَّظرة حول الخصخصة بين القطاعين العامّ والخاصّ، تحرير قرار الدَّولة مِن نفوذ قوى الأمر الواقع وتدخُّلاتهم، تمتين علاقات لبنان مع محيطة والأُسرة الدَّوليَّة. كلُّ هذه الامور تُقدِّمُ تحفيزاتٍ إلى المنتشرين والمستثمرين اللُّبنانيِّين والعَرَب والأجانب. زمنُنا زمنُ التَّعاون لمعالجة أوضاعنا في لبنان، وخدمة شعبنا، وتلبية انتظارات شبابنا.

7.”أتُحِبُّني؟ إرعَ خرافي! إتبعني!”. هذه الكلمات تتوجَّه مِن فمِ المسيح الرَّبِّ إلى كُلِّ شخصٍ يتولَّى سلطةً في الكنيسة والمجتمع والدَّولة. أنتَ صاحبُ سلطةٍ؟ يُفترض منك أن تحبَّ الله، حُبًّا دائمًا، لكي تحمِلَ محبَّته عبر شخصيَّتك بفرادتها، إلى كلِّ الذين تشمَلُهُم سلطتُك. هذا يعني أنَّك تكون على مثاله راعيًا صالحًا في رعاية خرافه بالبذل والعطاء والاعتناء؛ وتسيرُ على خطاه في “الحبّ حتَّى النِّهاية” (يو 1:13). هذا يقتضي منك الولوج في عمق سرّ الله بالصَّلاة والممارسة الدينيَّة والتأمُّل في الكلام الإلهيّ.

7. نسأل الله أن يسكب الحبَّ في قلب كلِّ مسؤولٍ، فيُدرك أنَّ جمال الحبّ واختباره يُعطيان السلطة مفهومَها وسعادتها، ودفعًا متجدِّدًا إلى المزيد من العطاء بهدف إسعاد الجميع. وإنَّا نرفع معًا نشيد المجد والتَّسبيح والشُّكر للثَّالوث القدُّوس، الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين