stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الموارنة الكاثوليك

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرّاعي – قدّاس خميس القربان – جونيه

993views

الخميس 20 يونيو – حزيران 2019

“خذوا كلوا، هذا هو جسدي يُبذَل من أجلكم.

خذوا اشربوا كلّكم، هذا هو دمي يُراق من أجلكم” (لو22: 19-20)

1. سرّ القربان، وهو سرّ حضور يسوع الحقيقيّ تحت شكلَي الخبز والخمر المحوَّلَين إلى جسده ودمه، يجمعنا كسرّ إيمان ورباط محبّة ومنبع تقوى. إنّنا نقوم بأكبر فعلَي عبادة: في الأوّل، نحتفل بالذّبيحة الإلهيّة التي قدّم فيها الرّبّ يسوع ذاته ذبيحة رضًى للآب لمصالحة البشريّة جمعاء، وأعطانا جسده ودمه غذاءً روحيًّا. وفي الثّاني نسير بالتّطواف بالقربان الاقدس في شوارع مدينة جونيه وسطًا وشمالاً، تكريسًا لبيوتها وسكّانها، وبه نستكمل التّطواف الذي انطلق من ميناء العقيبه، فميناء طبرجا، فمزار مار جرجس الباطيه، ثمّ من هناك الانطلاق بموكب القربان وصولًا إلى معهد الرّسل هذا.

في هذا الاحتفال المهيب، وهو في آن تذكار لتأسيس سرّ القربان في ذاك خميس الأسرار، ليلة آلام يسوع وموته، وتحقيق للسّرّ نفسه. فيسوع بصوتنا نحن الاساقفة والكهنة يقول الآن وهنا: “خذوا كلوا، هذا هو جسدي الذي يُبذَل من أجلكم! خذوا اشربوا كلّكم، هذا هو دمي الذي يُراق من أجلكم” (لو22: 19-20).

2. يُسعدنا ان نحتفل معًا بعيد خميس القربان ككلّ سنة، راجين أن يكون لنا ولعائلاتنا ولوطننا مناسبةً يفيض فيها الرّبّ يسوع نعمه الغزيرة، ووقتَ تأمّل في سرّ محبّته، وثقافةً قربانيّة تلهم أعمالنا ومبادراتنا. فإنّنا نحيّي ونشكر تجمّع كهنة وأبناء رعايا جونيه والآباء المرسَلين اللّبنانيّين، وراهبات القربان الأقدس المرسَلات، ومجلس بلديّة جونيه، على تنظيم هذا الاحتفال بتوجيهات سيادة أخينا المطرن أنطوان نبيل العنداري، نائبنا البطريركيّ العام في نيابة جونيه.

تأمّل في سرّ محبّة المسيح

3. إنّا نحتفل بسرّ القربان الذي به تحيا الكنيسة، لاأّه حضور الرّبّ يسوع الدّائم فيها، محقّقًا وعده:” وها أنا معكم طول الأيّام الى انقضاء العالم” (متى 20:28 ). من الذّبيحة القربانيّة تنبع الحياة المسيحيّة كلُّها وتبلغ ذروتها، اذ تقبل كنز الكنيسة الرّوحيّ الذي هو يسوع المسيح نفسه، الخبز الحيّ، النّازل من السّماء.

أمام سرّ محبّة المسيح العظمى التي حملته على تقدمة ذاته ذبيحةَ فداء عن جميع البشر، ووليمةً روحيّة لحياتهم، وجعلهما حاضرين أبدًا في ذبيحة القدّاس، فإنّنا نعبد ونسير في التّطواف متأمّلين بسرّ محبّته هذا، ومعلنين إيماننا به، ونحن نختبر محدوديّة عقلنا البشريّ. إنّه لسرٌّ عظيمٌ، سرّ المحبّة والرّحمة! لم يبقَ شيء أكثر ليفعله الرّبّ يسوع من أجلنا، وقد وصل في سرّ القربان “إلى الذّروة” (يو 1:13)، حبًّا بدون قياس. ولذا، نهتف مع الكنيسة: “أَعبُدُكِ بخشوع، أيّتها الألوهة المستترة تحت غشاء الخبز والخمر، في ذبيحةٍ حقيقيّةٍ سرّيّةٍ، يَبذل فيها الإله – الإنسان جسدَه، ويُريق دمه لفدائنا وخلاصنا”.

ثقافة قربانيّة

4. بعد أن غسل الرّبّ يسوع أرجل تلامذه، وجعلهم كهنة العهد الجديد، قال لهم:” لقد تركت لكم قدوة” (يو15:13) في بذل الذّات والتّواضع في الخدمة. فكانت الثّقافة المسيحيّة القربانيّة التي تُلهم الأفكار والأعمال والمبادرات. لقد أعطى بمثله مفهوماً جديدًا للسّلطة، أكانت في الكنيسة، أم في العائلة، أم في المجتمع، أم في الدّولة. وسبق وعلّم في موضعٍ آخر “من أراد أن يكون فيكم الأوّل، فليكن لكم خادمًا ومن أراد ان يكون الأوّل فليكن للجميع عبدًا. فإنّ ابن الانسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم، ويبذل نفسه فدًى عن كثيرين” (مر10 : 44-45).

اذا لم تكن ممارسةُ السّلطة بهذا المفهوم وبهذه الرّوح، أضحت إهمالاً أو إقصاءً أو تسلّطًا أو ظلمًا أو إستغلالًا أو إفراطًا.

5. نسمع في هذه الأيّام صرخة المؤسّسات الاجتماعيّة التي تُعنى بالمُعاق واليتيم ومجهول الوالدَين وذوي الاحتياجات الخاصّة وسواها من الحالات الاجتماعيّة الصّعبة.

هؤلاء هم حصّة الدّولة ويقعون على ضمير المسؤولين فيها، فيما المؤسّسات الخاصّة تساعدهم على القيام بواجبهم، أمّا هم فيبادلونها بالإهمال وحجب المتوجّبات الماليّة عنها. ماذا يعني كلّ ذلك؟ أيريد المسؤولون في الدّولة عندنا قهر هؤلاء الأشخاص الذين لهم كرامتهم، وحاملون صورة الله، وفيهم تتواصل آلام المسيح لفداء خطايا البشر؟ هل يريدون ذلك بإقحام هذه المؤسّسات على إغلاق أبوابها، ورمي هؤلاء على عاتق والديهم أو في الشّارع؟ أيعرف المسؤولون عندنا أنّ ثقافة الدّول تُقاس بمقدار عنايتها بذوي الحالات والاحتياجات الانسانيّة والاجتماعيّة الخاصّة؟

يقولون أنّها “مؤسّسات وهميّة”. أمّا نحن فنقول لهم إبحثوا عن الوهميّة وأعلنوها وأقفلوا أبوابها، وأُلغوا التّقاعد معها. من جهتنا ككنيسة لسنا نغطّي أيّة مؤسّسة تتّصف بالوهميّة.

6. من دون الثّقافة القربانيّة، وهي ثقافة المحبّة التي تبذل وتضحّي وتتفانى، لا يستطيع أحدٌ القيام بسمؤوليّته في أيّ مجتمع كنسيّ أو مدنيّ. نصلّي، ونحن أمام سرّ المحبّة الأعظم، كي يغدق المسيح الرّبّ محبّته في قلب كلّ إنسان فيستعيد صورة الله فيه، ويشهد لمحبّته، وينشر سلامه حيثما يعيش ويعمل.

وإنّا نرفع نشيد المجد والتّسبيح والشكر الى الله-المحبّة، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

نقلا عن موقع البطريركية المارونية بكركي