stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الأقباط الكاثوليك

عظة بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر في قداس مشاركة الكنيسة القبطية الكاثوليكية في عام يوبيل الرجاء 2025

18views

١٢ مايو ٢٠٢٥

كنيسة مريم الكبرى – روما

ألقى غبطة أبينا البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، عظته في قداس عام يوبيل الرجاء، الذي ترأسه بكنيسة مريم الكبرى، بروما، بمشاركة آباء السينودس البطريركي المقدس. وجاء بها:

“إعلان الإيمان في زمن التحديات”

“روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة” (لو 4: 18-19).

إخواتي الأحباء،

نحتفل معًا اليوم، في اتّحاد روحي عميق مع أبناء كنيستنا القبطيّة الكاثوليكيّة في مصر وبلاد المهجر، ومع الكنيسة الكاثوليكية في العالم أجمع، ونحن نجتمع في بازيليكا القديسة مريم الكبرى بروما. أتحدث إليكم، باسم كنيسة الشرق التي ولدت في حضن الإسكندرية، ورافقت بشهدائها وقديسيها ونسّاكها مسيرة الرجاء مدة ألفي عام.

أبدأ كلمتي معكم، بالشكر لله على عطية الحبر الأعظم البابا فرنسيس، راعي الرجاء، الذي عبر إلى قلوب الجرحى في الكنيسة والإنسانية من مواطن الهشاشة. فبفضل حبريته، تنفّس الكثيرون هواء الإنجيل من جديد. نُحيّيه اليوم ونصلي من أجل راحته الأبدية.

وها نحن اليوم، في يوبيل الرجاء، نرفع صلاتنا شكرا للرب من أجل قداسة البابا لاون الرابع عشر، خليفة بطرس الرسول، الذي تسلّم الدفة. نهنّئه ونصلّي لكي يقوده الروح القدس كما قاد بطرس الرسول في الكنيسة الأولى.

انطلاقا من النص الإنجيلي أتأمل معكم حول ثلاثة نقاط:

أولًا: المصالحة مع بيتنا المشترك:

هذه فكرة يوبيلية (مستمدة من سفر اللاويين)، تنطلق من مبدأ الراحة للأرض. فقد أمر الله شعبه في العهد القديم أن يعملوا أعمالهم لست سنوات متتالية، ثم يرتاحوا في السنة السابعة، ويستمرّوا على تكرار هذا الأمر سبع مرات، ثم يحتفلون في السنة التالية باليوبيل وهي السنة الخمسون، فيرجع كلٌّ إلى ملكه وأرضه ليعيش منها، ولا يظلم أحد أخاه.

هنا أهم رجاء ينبغي على البشرية أن تفكّر فيه، هو المصالحة مع بيتنا المشترك، أيّ الكون الذي نعيش فيه. الأمر الذي خصّص له قداسة البابا فرنسيس أول كتاباته ” كن مسبّحا ” “laudato si”. فقد عرف قداسته مسبقاً، الأخطار التي تهدّد الكوكب الذى نعيش فيه، والذي بات يتحوّل اليوم من حالة الإحتباس الحراري ، إلى ما وصف بعالم “الغليان”، كما عبّر عن ذلك الأمين العام للأمم المتّحدة.

هذا العالم لا يحتاج إلى وهم، بل إلى رجاء حقيقي رجاء لا يُخدّر، بل يُحرّر. فهذا الرجاء لا بد أن يقودنا إلى ردة فعل تتجاوز الأطماع الرأسمالية في الربح السريع والعولمة المتوحشة.

ثانيًا: الرجاء في سلام عالمي:

نعيش في عالم اختلطت فيه القيم وضاع فيه المعنى. وساد الخوف والعزلة وفقدان الاتجاه والقلق الوجودي، باتت هذه جميعها خبرات يومية حتى داخل قلوب المؤمنين.

في سنة اليوبيل هناك إعلان واضح أن الله هو سيد الأرض، ونحن نزلاء وضيوف، ومتساوون. هذه المساواة في المجتمع الإنساني القديم والحديث، ما زالت تحدياً كبيرا.

الرجاء يعيننا على اكتشاف حضور الله العامل حتى في وسط الآلام والتحديات، محولًا إياها إلى فرص للنمو. الرجاء يدفعنا للمشاركة الفاعلة في تجديد عالمنا، ليس بالاستسلام للظلم والدمار البيئي، بل بالعمل بنعمة الروح القدس لإقامة مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة، تتبنى اقتصاد الحياة لا الموت، وتسعى للمصالحة مع بيتنا المشترك.

هذه هي سنة اليوبيل… سنة الرجاء… سنة الرب المقبولة.

فليكن كلّ يوم في حياتنا سنة يوبيليّة، حتى نحترم قريبنا الذي خلقه الله مثلنا، على صورته ومثاله؛ ونحترم الأرض بيتنا المشترك التي رأى الله في كل ما خلقه عليها أمراً حسناً، أما الإنسان فقد كان ولا يزال في أعين الله حسنا جدا.

ثالثًا: الرجاء في وحدانية القلب:

في يوبيل الرجاء هذا، نحتفل بمرور سبعة عشر قرنًا على انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول عام 325 للميلاد. كان هذا المجمع علامة فارقة في تاريخ الكنيسة، حيث اجتمع آباء الكنيسة من كل بقاع المسكونة لتأكيد الإيمان المستقيم وجوهره.

لقد لعبت كنيسة الإسكندرية دورًا محوريًا في هذا المجمع التاريخي. خاصّة في شخص القديس أثناسيوس الرسولي الذي دافع بشجاعة وثبات عن لاهوت المسيح، مؤكدًا على أنه ابن الله الوحيد، مساوٍ للآب في الجوهر. إن إيمان كنيسة الإسكندرية الراسخ وأمانتها، يدعونا اليوم إلى التمسّك بإيماننا بشجاعة وحكمة، وأن نكون بدورنا شهودًا للمسيح.

وها نحن أبناء الكنيسة الكاثوليكية الشرقية، في وحدتها واتّحادها مع كرسي القديس بطرس، نعيش وحدة الإيمان في تعدد اللغات والتقاليد والطقوس ممّا يظهر عمل الروح القدس في التنوع والثراء.

الخاتمة:

إنّ اليوبيل هو دعوة لنا جميعًا، لكي نكون حجاجًا للرجاء. هلمّ نفتح قلوبنا للروح القدس لكي يجدد حياتنا ونستفيد من هذه الفرصة للنمو الروحي، لنعمل معًا كلّ يوم لبناء عالم أفضل، عالم مليء بمحبة الله وسلامه.

نصلي أن يُلهمنا الروح القدس لنكون صانعي رجاء أينما وجدنا، وأن تستمر كنيسة المسيح، الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، في شهادتها، برئاسة قداسة البابا لاون الرابع عشر على خطى من سبقونا.

ليكن يوبيل الرجاء زمن نعمة وتحرّر من كل أسر يقيّد أرواحنا، حتى ننعم بوحدانية القلب التي للمحبّة. المجد للمسيح القائم، في كنيسته، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدهور، آمين.