عقيدة المطهر- الجزء 1 / ناجي كامل
عقيدة المطهر “
مقدمة:
ماذا تعنى كلمة عقيدة؟
تعنى صفة محددة وواضحة لايمان معين ،اى تحديد كنسى و بشرى لوحى او إعلان إلهى . فعقيدة الخلاص على سبيل المثال تعنى التعريف الكنسى لمعنى الخلاص على ضوء كلمة الله اى كيف يمكننا ان نفهم هذه الحقيقة ونعبر عنها بكلماتنا البشرية .عندما تذهب لزيارة صديق ، وعند وصولك على باب الشقة، تجد على عتبة الباب دواسة، وبالتالي يجب عليك تنظيف حذائك من القذارة أو التراب قبل دخول الشقة، وبعد أن تدخل الشقة تقوم بخلع معطفك و رجه لئلا يكون هناك غباراً أو أمطاراً عالقة بالمعطف وتعليقها على شماعات موجودة على مدخل الباب. وهكذا يجب عليك الحرص والانتباه بان لا نترك أية شوائب أو أية آثار لها على أرضية الشقة . فتأمل فيما قمت به وقل في نفسك هكذا كان حرص صديقي وحرصي يان نكون على المستوى اللائق بنظافة شقة صديقى، فكم يكون الأمر بالنسبة للدخول في الحضرة الإلهية، والمستوى اللائق الذي يجب أن نكون عليه في ملاقاته.
وهكذا عندما يموت الإنسان يكون أمامه ثلاثة حالات، وهو يحتاج لواحدة منهم: الذهاب للسماء مباشرة، الذهاب إلى الجهنم، والذهاب إلى المطهر.
اولا:” نص العقيدة ”
«في مجمع ليون الثاني ( 1274) حيث أعلنت شهادة إيمان ميخائيل باليولوغس، إمبراطور القسطنطينية: إن مات المؤمنون التائبون حقا في المحبة، قبل أن يكفرِّوا بثمار لائقة بالتوبة، عما ارتكبوه أو أهملوه، فستطهَّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهِّرة. هذا وإن تشفاعات المؤمنين الأحياء ستفيدهم للتخفيف عن هذه العقوبات، وهي ذبيحة القداس والصلوات والصدقات وسائر أعمال التقوى التي اعتاد المؤمنين أن يقوموا بها من اجل سائر المؤمنين، بحسب ما أنشأته الكنيسة».
” وجاء في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الآتي 1030 :«الّذين يموتون في نعمة الله وصداقته، ولم يتطهروا بعد تطهيراً كاملاً، وإن كانوا على ثقةٍ من خلاصهم الأبدي، يخضعون من بعد موتهم لتطهير، يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول فرح السماء» . 1031: «تدعو الكنيسة مطهرا هذا التطهير النهائى للمختارين المتميز كليا عن قصاص الهالكين »1032: « يرتكز هذا التعليم على ممارسة الصلاة لاجل الراقدين … »
نستخلص من النصين السابقين أن المطهر هو “حالة” تكفير، هذا التكفير يؤدى إلى تطهير النفس تطهيرًا كاملاً، ينقلها إلى القداسة والحياة مع الله إلى الأبد، ويشترك المؤمنون في مساعدة الإنسان الذي بدأ حالة التطهير، بتقديم الصلوات والصدقات لله، حتى يشترك في السعادة الأبدية، ومن هنا نفهم أهمية الصلاة من أجل المنتقل، سواء في الجنازات أو القداسات، وما يصنعه أهل المنتقل من صدقات. هذا التكفير، الذي قد يبدأ على الأرض، يكتمل بعد الانتقال من هذا العالم، أن الصلاة عن الراقدين هي لطلب الرحمة لهم، عن خطاياهم غير المميتة وهي السهوات والهفوات، والخطايا غير الإرادية والتي لم يقدموا عنها توبة في حياتهم، فقد قال الكتاب المقدس صراحة:
“إذا رأي أحد أخاه يرتكب خطيئة لا تؤدي إلى الموت، فليطلب فيمنح الله أخاه الحياة التي يمنحها للذين يرتكبون الخطايا التي لا تؤدي إلى الموت. فمن الخطايا ما يؤدي إلى الموت، ولست أطلب الصلاة من أجلها” (1يو 16:5)”
أن المطهر هو تجسيم حي وفعال لرحمة الله المقدمة للإنسان إلى أبعد حد حتى بعد الموت من ناحية وقوة مفعول الصليب والدم المسفوك من ناحية أخرى.
ومن هنا يأتي السؤال المهم : من هو المستحق المرور بالمطهر؟
والإجابة لا تتوقف على مجرد خطيئة عرضية وهفوات أو عقوبات زمنية لكنها أعمق من ذلك بكثير : فالمطهر هو أساس للذين اشتياقهم لله ليس اشتياقاً كاملاً من ناحية وللذين لم يشتركوا في الخلاص بمعنى تحمل مسئولية الخلاص بدور إيجابي وفعال على مثال القديس بولس الذي قال : “أتمم في جسدي ما ينقص من آلام جسد المسيح الذي هو الكنيسة” هنا تظهر قيمة الخلاص الحقيقية، تتجلى لنا قيمة قبول الخلاص، إذ يجعل الإنسان المخلص إنساناً إيجابياً وفعالاً لا إنساناً كسولاً أو سلبياً . فهنا نسأل بولس هل المسيح كانت تنقصه آلام؟ فما معنى هذا السؤال ؟ حاشى لم تكن تنقص المسيح آلام . ولكن يعني لجسده هنا هو الكنيسة فبولس يشترك مع المسيح في الآلام لأجل خلاص الكنيسة . لأن الخلاص لا يقف عند حد القبول ولكن الاشتراك فيه أيضاً “وإن كنا نتألم معه فلكي نتمجد معه أيضاً
” هذا هو الإنسان الذي يدخل المطهر الذي اشتياقه ليس اشتياقاً كاملاً لله. والذي اشتراكه في الخلاص لم يكن كما يجب على الإنسان المخلص والمفدي والمستفيد بالدم” .
ثانيا: ” حقيقة وجود المطهر؟”
إن مصير كل إنسان يتقرر بعد الموت مباشرة وهنا توجد ثلاث حالات:-الأولى:- ملكوت السموات للرسل والشهداء والقديسين.الثانية:- نار جهنم المعدّة لإبليس وجنوده والذين تبعوه( خطايا مميته).
* وجاء في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الآتي : 1034 :« يسوع يتكلم مراراعن جهنم النار التى لا تطفا المعدة للذين يرفضون حتى نهاية حياتهم ان يؤمنوا و يرتدوا وحيث يمكن ان يهلك النفس و الجسد معا(متى 13/41-42 ) » .
الثالثة:- من عليهم خطايا غير مميتة وهفوات. وهنا علينا أن نفرق بين الخطيئة المميتة والعرضية، المميتة: هي بمعرفة كاملة وإرادة حرة وبفرح ومسرة وتخطيط سابق. أما غير ذلك من النسيان والشهوة وخطايا الإهمال والهفوات ….فهي تسمى خطايا غير مميتة ومن عليهم مثل هذه الخطايا لهم مكان ثالث أو حالة ثالثة: يتطهرون فيها بألم نار المحبة ألم داخلي تبكيت يغسل الداخل ندم حقيقي بذلك يتطهرون ويستطعون الدخول في ملكوت الله مع الشهداء والقديسين. ونشير أن في الأبدية لا يوجد زمن لأننا خارج الزمن، ولا يوجد مكان بالمعنى المادي لاننا سنكون خارج المكان والزمان.
ثالثا : المبادئ التى يقوم تعليم المطهر
ان أردنا ان نتحد بالله في وحدة حياتية، وجب علينا ان نكون كلًنا محبة، كما انه هو كلًه محبة. لا تدخل في الله ذرَّة من الانانية، لأن الانانية هي نقيض الله، فهي تعارض الله. المحبة وحدها تمثَّل بالمحبة. فمن الذي يجرؤ على الاعتقاد في ساعة موته بأنه قائم في حالة المحبة الكاملة وانه تخلًص من كل ذرَّة من الانانية؟ هذا امر مستحيل، باستثناء مريم العذراء” والايجابية هو النمو في الاشتياق للمسيح والحب والحياة.” فليس المطهر ألماً يُفرض ويحاول الإنسان ان يقاومه عبثاً، بل يجب ان نفهم أنه ألم يقاسيه الانسان طوعاً، حين يمثل أمام قداسة الله الساطعة فيخاف من حالته. وهذا الخوف من النفس أمام المحبة “هو الندامة”. وهذه الندامة هي شدّة محبة تريد التعويض عن حقارة الماضي.
ولا عجب أن تتفتح عفوياً في الانسان، بقدر ما يغمره النور الالهي فيضعه أمام حالته. فكأنها موازنة حيَّة لكلّ حياته ولكل سيرته…حين يرى الانسان نفسه أمام المحبة، لا يسعه إلاَّ ان يرغب فيها. وليس أَلمه إلاَّ الشعور بأنه غير قادر على ذلك تماماً…فالمطهر (او الدينونة الخاصة) هو حضور تام للنفس ومعرفة تامّة للنفس ورؤية تامّة للنفس… أنا كما هو، وهذا أمر لايتمّ إلا إن استنرت بالنور الالهي. وكل ذلك يُلقينا في الله للأبد” “عندما يخلع الأبرار أجسادهم بالموت تزداد حساسية أرواحهم، وتقوى الذاكرة عندهم، فتنكشف أمامهم الخطايا التي فعلوها بمعرفة أو بغير معرفة، وبشعرون بتفصيراتهم مهما كانت درجة الكمال النسبي التي بلغوها وهم على الأرض. فيكونون في مسيس الحاجة إلى تعاطف أعضاء الكنيسة معهم في التوسل إلى المسيح رأس الكنيسة أن يهبهم الرحمة ويؤكد لهم الغفران، وبمسح كل دمعة من عيونهم، فينعمون بالتعزية والراحة. لأن راحة الفردوس وسعادته نسبية فقط ، وهي مجرد عربون لا يكتمل إلا بظهور المسيح ثانية للخلاص للذين ينتظرونه(عبرانيين 27:9-28). وطالما أن الراقدين لم ينالوا بعد كمال الراحة والسعادة، فالصلوات من أجلهم تستجاب بإعطائهم مزيداً من الراحة والاطمئنان والسعادة .
رابعا :العقيدة في الكتاب المقدس
– الكتاب المقدس مملوء بالشواهد والآيات التي تتحدث عن المطهر سواء مباشرة أو بالاستنتاج ونحن نختار من هذه الآيات حتى لا يظن الآخرين بأن عقيدة المطهر نابعة وناتجة من التفكير البشري المحض وإنما لها شواهد كتابية .
*الشاهد الأول : 2 مكا /12: 38 -46 “وجمع يهوذا جيشه وسار به إلى مدينة عدلاَّم، وفي اليوم السَّابع تطهروا على ما جرت العادة وقضوا السبت هناك. وفي اليوم التالي أقبل يهوذا ومن معه ليحملوا، كما هو مفروض، جثث القتلى ويدفنوهم مع أقربائهم في مقابر آبائهم. فوجدوا تحت ثياب كلَّ جثة تماثيل صغيرةً من أصنام آلهة يمنياً مما تُحرمه الشريعة على اليهود. فتبين للجميع أن ذلك كان سبب سقوطهم قتلى. فرفعوا كُلُّهم آيات الحمد إلى الرب الديَّان العادل الذي يكشف الخفايا. وأخذوا يصلون ويبتهلون إليه أن يمحوا تلك الخطيئة، وبعد ذلك بدأ يهوذا النبيل يعظ الحاضرين أن يبتعدوا عن الخطايا لأنهم رأوا بعيونهم نتيجتها على الذين قتلوا ثم جمع من كل واحدٍ تبرعاًـ فبلغ مجموع التبرعات ألفي درهم من الفضة، فأرسلها إلى أُورشليم ليقدم بها ذبيحة عن الخطيئة، وكان ذلك خير عملٍ وأتقاه لإيمانه بقيامة الموتى . فلولا رَجاؤُهُ بقيامة الذين قتلوا لكانت صلاتُهُ من أجلهم باطلة. ولو لم يعتبر أنَّ الذين ماتوا أتقياء ينالون جزاءً حسناً، وهو رأي مُقدسٌ وتقيُ، لهذا قدَّم الكفارة عن الموتى ليغفر الرب لهم خطاياهم”
(قصة هذا الشاهد تحكي عن القتلى من المعركة بين يهوذا المكابي وبين عدوه الجبار جورجياس. وكان هؤلاء القتلى يحملون معهم تمائمً من أصنام والتي تحرمها الشريعة .وهنا نجد التساؤل ما مصير هؤلاء القتلى؟ هل نعتقد أن هؤلاء سيهلكون أم سيخلصون . فهم لديهم غيرة على الشريعة وعلى الأمة اليهودية والدليل قتالهم مع العدو لأجل ديانتهم ووطنهم، وفي الآن ذاته هناك سلبية وهي حمل الأنواط الوثنية والتي كان الطمع وراء اقتنائها كأشياء ثمينة وفنية وحملهم أياها كان نتيجة الجهل ليس إلا. ويهوذا المكابى وكل المكابيين صلوا لأجل الجنود القتلى الذين وجدوا معهم أنواطاً من أصنام يمنياً طالبين لهم المغفرة، ثم أرسلوا إلى أورشليم ألفي درهم من الفضة ليقدم بها ذبيحة تكفيرية عنهم . لقد كانوا إذاً على يقين من أن هم يستطيعون محو خطاياهم بواسطة الصلاة والذبائح. وينهي كاتب الخبر مادحاً هذا الصنيع .
* كان الاعتقاد السائد قبل ذلك :
– لم تكن قد وضحت قبل ذلك فكرة الثواب والعقاب، لأن الفكرة السائدة كانت فكرة الجحيم. وفي هذا المكان كان يوجد الأبرار والأشرار معاً ولكن عند موت هؤلاء ظهر السؤال أن هؤلاء ماتوا شهداء فما مصيرهم؟ والأباء قبل ذلك ؟ وهنا رأي يقول عن هذه الآية ويبدأ بالسؤال : ما هي الخطيئة التي تقدمت عنها الذبيحة : أكانت مميتة أم عرضية؟ لابد أنها خطيئة عرضية لأن الخطيئة المميتة لا يمكن حلها بعد الموت بالإجماع، فكانت إذاً خطيئة يمكن حلها بعد الموت وهذه نسميها عرضية. ثم من تعرقل بهذه الخطيئة أين يكونوا أفي السماء أبرار لا يحتاجون إلى حل لأن خطاياهم قد تطهروا منها قبل دخولهم إلى السماء أفي جهنم ولكن الهالكون الذين انتقلوا وهم في الأثام فهم يتعذبون بنار أبدية لا تطفأ فهو إذاً في مكان غير السماء وغير جهنم . حيث يمكن الوفاء عن الخطية وهذا المكان إنما نسميه مطهراً.
هذه القصة تدل على الإيمان بقيامة الأموات، وفائدة الصلاة من أجل الراقدين، ووجوب تقديم الذبائح عنهم. كذلك فإنها تدل على أن فى القرن الثاني قبل الميلاد كأن بنى إسرائيل والملوك والانبياء اعتادوا أن يصوموا ويصلوا من أجل الراقدين وكان لهذه العبادة اعتبار خاص ، صام داود ورجاله: ( 2صم/ 21:1 ) لما مات شاول و يوناثان ابنه ، أبتير رئيس جيش إسرائيل( 2صم /35:3 ) ان شعب الله في ايام يهوذا المكابي قدموا قرابين وصنعوا احسانات من أجل نفوس الراقدين 2مكا 43:12-46 وقد مدح الرجل على ذلك وحسب عمله مقدساً وتقوياً.
* الشاهد الثاني : 1 كورنثوس 10:3-15 “أنا بقدر ما وهبنى الله من النعمة كبان ماهر وضعت الأساس وآخر يبني عليه فلينظر كل أحد كيف يبني عليه ، فنا من احد يقدر أن يضع أساساً غيرالاساس الذى وضعه الله اى يسوع المسيح . فإن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهباًَ أو فضة أو حجارة كريمة أوخشبا او قشاً أو تبناً. فسيظهر عمله ً لأن يوم الرب سيظهره إذ يعلن بالنار وستمتحن النار قيمة عمل كل واحد . فمن بقى عمله الذي بناه على الأساس فسينال أجره. ومن احترق عمله فسيخسراجره اما هو فسيخلص ولكن كما ينجو من يمر في النار”
يقول القديس بولس بأن عمل الذي يبشر بالإيمان بانياً على الأساس الذي وصفه والذي هو المسيح، سوف يمتحن بالنار في يوم الدين فإذا أثبت العمل لامتحان النار فسينال العامل مكافأة وإلا فسيخسر أي أنه لا ينال مكافأة. لكن الذي” لا يثبت عمله لامتحان النار” أي يكون قد أساء عمله فسيخسر إلا أنه سيخلص، ولكن كما يخلص من يمر في النار . أي أنه سيبلغ الحياة الأبدية إذا ما أظهر امتحانه بالنار أنه أهل للحياة الأبدية. وأغلب المفسرين الكاثوليك يرون في امتحان النار هذا تطهيراً عابراً يقوم على الراجح بمحن شاقة ستحل يوم الدين بالذي أساء البناء، ويستنتجون من ذلك أن الذي يموت وعليه خطايا عرضية، أو في ذمته عقابات زمنية، عليه أن يتحمل بعد الموت عقاباً وقتياً مطهراً. فما الفرق بين نار المطهر ونار جهنم إذاً؟ «لا فرق بين النار التي تُهلك في جهنم، والنار التي تُطهر في المطهر، والنار التي تُسعد في السماء. نحن الذين نختلف أمام المحبة الثابتة اللامتناهية: فإن كنا مخالفين تماما للمحبة عذبتنا نار الله، وإن كنا قادرين على التطهر، طهرتنا هذه النار، وإن كنا متحدين بالله، أسعدتنا هذه النار» . إذاً النار هي نار المحبة الإلهية التي تطهر،
فالمطهر هو محبة مُطَهِرة لابد للإنسان أن يجتازها ليدخل ويشارك الله محبته الكاملة، كالذهب الذي لابد أن يجوز في النار كي يتنقىّ.
“لايوجد سوى نار واحدة، هي نار حب الله – نار واحدة هي سعادة للبعض، وللبعض الآخر رعب – نفس النار – ليس ثمة اثنتان
*الشاهد الثالث متى 31:12-32 “من أجل هذا أقول لكم إن كل خطيئة وتجديف يغفر للناس وأما التجديف على الروح القدس فلا يغفر. ومن قال كلمة على بني البشر يغفر له وأما من قال على الروح القدس فلا يغفر له لا في هذا الدهر ولا في الأتي”.
في هذه الآية السابقة نستشف منها إمكانية غفران خطايا أخرى لا في هذا الدهر فقط بل في العالم الآخر أيضاً، والحال أن الخطايا المميتة لا يمكن أن تغفر ، فالعرضية هي إذاً التي تغفر.
ويعلق القديس غريغوريوس الكبير على هذه الآية فيقول :
“أنه يحمل على الاعتقاد بأن هناك خطايا تغفر في هذه الدنيا وخطايا تغفر في العالم الآخر ” ، المهم أن بعض المفسرين هنالك بعض الخطايا – وبخاصة خطايا الجهل والسهو – يمكن أن تغفر في الدهر الأتي. وهي التي أشار إليها الرسول يوحنا على أنها “خطية ليست للموت” (يوحنا الأولى 16:5). وجدير بنا أن نُدخل في اعتبارنا أن المسيح كان يكلم اليهود الذين يقسمون الوصايا إلى صغرى وكبرى (قارن متى 19:5، 36:22-39)، . والخطايا في مفهومهم تنقسم إلى خطايا كبرى لا يرجى غفرانها كالتجديف على الله والارتداد إلى الوثنية، وخطايا صغرى يرجى غفرانها. لكن حتى الخطايا الخفية التي يفعلها الإنسان بسهو في واحدة من مناهى الرب كانت – وفقاً للشريعة – تحتسب إثماً، ومتى عرف الإنسان بها كان عليه أن يقرّب عنها ذبيحة لإثمه (لاويين 2:4، 14،13، 23،22، 28،27، 2:5-6، 14-19)”
* الشاهد الرابع مت 25:5-26 و لو 58:12-59 “بادر إلى موافقة خصمك ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الشرطي فتلقى في السجن. الحق أقول لك أنك لا تخرج من هناك حتى توفي آخر فلس” ونص// “إذا ذهبت مع خصمك إلى الحاكم فاجتهد وأنت في الطريق أن تتخلص منه لئلا يجرك إلى القاضي فيسلمك القاضي إلى الشرطى والمستخرج يلقيك في السجن .أقول لك أنك لا تخرج من هناك حتى توفي آخر فلس”
ففي هاتين الآيتين نجد فيهما : وعد بالعقاب العادل من الديان الإلهي للذين لا يتمون الوصية وصية المحبة الأخوية.
وبعض المفسرين فهموا هذا على أساس أن يوفي الإنسان الدين الذي عليه ليس فقط في الحياة الأرضية ولكن في الدهر الآتي .
تفسير الآيتين كالآتي : إن الطريق هو هذه الحياة الدنيا. والخصم الواجب ترضيته هو العدالة الإلهية، التي تطالب بحقها كاملاً غير منقوص، إن لم يكن في هذه الحياة ، ففي الأخرة . أما القاضي فهو الديان العادل. والشرطي المنفذ للحكم هم الملائكة، والسجن هو المطهر.هذا إذا كان الدين طفيفاً. وأما إذا كان الدين أو الجرم خطيئة جسيمةً، فالشرطي هو الشيطان، والسجن هو جهنم. وعلى ضوء التفسير السابق للمثل نجد المعنى الآتي : يذكر سجن في العالم الآتي لا يخرج منه المديون حتى يوفي ما عليه من الدين إلى أخر فلس. وهذا السجن لا يفهم عن جهنم الأبدية إذ لا وفاء لدين فيها ولا خروج منها أبداً. فلابد إذاً من وجود سجن آخر خلافه، يفي فيه الإنسان للعدل الإلهي ما عليه من ديون الخطايا وبقاياها ، وهذا السجن تسميه الكنيسة المقدسة المطهر.
*الشاهد الخامس :- فيلبي 10:2 “لكن تجثوا باسم يسوع كل ركبة ما في السموات وعلى الأرض وتحت الأرض” .
من الواضح بأن الذين يجثو في السماء باسم يسوع هم الملائكة والقديسون. كما أنه من الواضح بأن الذين يجثون باسمه على الأرض هم كل من آمنوا بيسوع المسيح رباًُ ومخلصاً، أي المسيحيون جميعاً.
ولكن يأتي سؤالاً مهم جداً وهو : من هم الذين يجثون باسمه تحت الأرض؟
ترى هل هم الهالكون الذين في جهنم؟ بالطبع لا لأنهم بكبرياء رفضوا أن يسجدوا وبكبرياء أيضاً لن يسجد أحد يكون لله سلطان عليهم وعلى الجميع ولكن ليس معنى هذا أن الهالكون سيسجدون له وإلا لم تعد هناك مشكلة .
ولكن الذين هم تحت الأرض، هم النفوس المنتقلة إلى حين، في ذلك المكان الواقع في باطن الأرض، والذي أعده الله لتطهير المنتقلون من عالمنا إلى العالم الآخر ، ولا تخلوا نفوسهم من بعض الشوائب والعيوب، التي تحرمها مؤقتاً من دخول السماء