فعل الخير: بادرةٌ ملموسة تنبع من القلب
يُتيح لنا الصيام فرصة التفكير بفعل الخير الموجود في صلب الحياة المسيحيّة
– فلنفكر في زمن الصوم هذا بفعل الخير وما الذّي يعنيه على أرض الواقع. إليكم ما جرى مع دومينيك لابيار مؤلف كتاب “مدينة الفرح” الذّي التقى يومًا طفلاً فقيرًا فأعطاه الشيء الوحيد الذّي كان بحوذته أي قطعة بسكويت. أخذها الطفل بكل سرورٍ ومشى قبل أن يُصادف على طريقه كلبًا جائعًا فتوقف وشطر قطعة البسكويت ليُعطي الكلب جزءًا منها. وتُذكرني هذه الحادثة بجملةٍ شهيرة للكاتب الأمريكي جاك لوندن : “إن إلقاء عظمةٍ لكلب ليست بعمل خير إذ ان عمل الخير هو اقتسام العظمة مع الكلب عندما نكون جائعين بقدر ما هو جائع” ففعل الخير لا يقتصر فقط على الجانب المادي إذ هو أيضًا بادرةٌ تنبع من القلب.
وتعود كلمة كاريتاس إلى اللاتينيّة “غراتيس” أي كلّ ما هو مجاني أو “لا يبحث عن مصلحته الشخصية” على حدّ قول القديس بولس. إلاّ أنّ هناك شعورٌ آخر مجرد أيضًا من المصلحة بطبيعته وهو الحبّ. يُطلق عليه اليونانيون إسم “أغابي” أي اعطاء الذات الى من هو بحاجة والاستماع الى معاناة الآخرين والاهتمام بهم. إن فعل الخير لا يقتصر إذًا على الصدقة ولا على تصرفاتنا إزاء الضعيف والفقير والوحيد.
إن فعل الخير لا يقتصر على تقديم قطعة البسكويت بل أبعد من ذلك بكثير إذ هو فعل محبة بكلّ ما للكلمة من معنى. ويُشير البابا الفخري بندكتس السادس عشر في الرسالة البابويّة “اللّه محبة” إن “فعل الخير ليس بالنسبة للكنيسة نوعًا من المساعدة الاجتماعيّة” حتّى ولو انطوى في الواقع على فعل العطاء “تجاه من يطلبون المساعدة الفوريّة إذ من الواجب اطعام الجياع واكساء العراة ومعالجة المرضى.” ففعل الخير “مبادرة قلبيّة” إزاء من هم بحاجة وجوهر الحياة المسيحيّة.