stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

“في كنيسة المسيح” و”تألُّق الحقيقة” رسالتان عامتان حول الحوار والحقيقة

488views

نقلا عن الفاتيكان نيوز

7 أغسطس 2021

كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .

كلاهما يحمل تاريخ السادس من آب أغسطس، عيد التجلي: هما الرسالتان العامتان للبابا بولس السادس (١٩٦٤) والبابا يوحنا بولس الثاني (١٩٩٣)، وتتناولان موضوع علاقة الكنيسة بالثقافة المعاصرة

كانت أول رسالة عامة للبابا بولس السادس (٦ آب أغسطس ١٩٦٤)، كُتبت خلال المجمع الفاتيكاني الثاني: “Ecclesiam suam” “في كنيسة المسيح” هو النص البرنامج لحبرية البابا مونتيني، الذي يرغب في كنيسة منفتحة على الحوار مع العالم انطلاقًا من هويتها المسيحية. إنها رسالة عامة للحوار القائم على الحقيقة. أما “تألُّق الحقيقة” فهي الرسالة العامة العاشرة للبابا يوحنا بولس الثاني وتهدف إلى إعادة التأكيد على النقاط الراسخة للعقيدة الكاثوليكية في مرحلة نسبية متزايدة في المجال الأخلاقي. إنها رسالة عامة حول الحق المؤسس على الحوار: ذلك بين يسوع والشاب الغني. ويبدأ نص الرسالة من هذا المقطع الإنجيلي بالتحديد (متى ١٩، ١٦- ٢١). رسالتان عامتان في عيد التجلّي: النور الحقيقي هو يسوع، الحقيقة المتجسدة التي تحاور موسى وإيليا. يسوع هو الذي يتمم الشريعة والأنبياء.

يؤكد بولس السادس على الضرورة الملحة لحمل الإنجيل إلى العالم. وهذا هو الحوار: “إننا لا نخلص العالم من الخارج. فينبغي، كما فعل كلمة الله المتأنِّس أن نستسيغ، إلى حد ما، صيغ حياة من نريد أن نحمل إليهم رسالة المسيح، وبدون أن نطالب بالامتيازات التي تباعد وبدون أن نتمسك بحدود لغة غير مفهومة، يجب أن نتقاسم العادات العامة شريطة أن تكون إنسانية وشريفة وبخاصة عادات الوضعاء، إذا شئنا أن يُصغى إلينا ونُفهم. ينبغي حتى قبل أن نتكلم، أن نصغي إلى صوت الإنسان، وبزيادة، إلى قلبه. ينبغي أن نفهمه، وعلى قدر ما نستطيع، أن نحترمه ونسير، إذا كان مستحقاً، معه في وجهته. ينبغي أن نجعل من أنفسنا إخوة للبشر من حيث نريد أن نكون رعاتهم وأباءهم ومعلميهم. إن مناخ الحوار هو المحبة، أو بالأحرى، هي الخدمة” (في كنيسة المسيح، عدد ٩٠).

إنَّ الحوار لا يخفف الحقيقة ولكنّه “يتحلّى بأدب وكياسة واحترام ومودة وجودة؛ وإنه ينبذ كل حكم مسبق، وكل جدل مهين ومحوّل إلى عادة وكل محادثات باطلة لا طائل من ورائها” (في كنيسة المسيح، عدد ٨١). ميزة أخرى للحوار هي الوداعة: “فلن يكون الحوار متكبراً ولا لاذعاً ولا مهيناً. تأثيره ينبع من الداخل، من الحقيقة التي يعرضها ويشرحها، من المحبة التي ينشدها، من القدوة التي يتخذها، ولن يكون وصية ولا يصدر بلهجة آمرة؛ إنه سلمي ويتحاشى الطرق العنيفة؛ إنه صبور جلود؛ إنه سخي جواد؛ والثقة في قوة كلمته الخاصة كالثقة في أهلية المحاور لاقتباله؛ وهذه الثقة تحرك إلى المسارة والصداقة وتتحد العقول بعضها ببعض في سعي متبادل وراء خير ينفي كل غاية شخصية ومأرب أناني” (في كنيسة المسيح، عدد ٨٣). “وفي حوار هذه صفاته يتحقق الجمع بين الحقيقة والمحبة والفهم والمحبة” (في كنيسة المسيح، عدد ٨٥).” ففي الحوار – يكتب البابا بولس السادس – نكتشف كم تختلف الطرق التي تقود إلى نور الإيمان وكيف نتمكن من أن نوجهها وجهة واحدة إلى هذه الغاية؛ حتى ولو كانت تلك الطرق مختلفة الاتجاه، يمكن أن تصير مكملة بعضها بعضاً إذا سقنا حديثنا خارج الدروب المطروقة وإذا فرضنا عليه أن يعمق أبحاثه ويجدد تعابيره. فالتمرس في هذا الجدل الفكري والصبور يعيننا على اكتشاف عناصر الحقيقة حتى في آراء الآخرين ونظرياتهم ويلزمنا بأن نعبر بصدق عظيم عن تعليمنا، ويثبتنا عن التعب الذي نكون تكبَّدناه من عرض اعتراضات الآخرين وبطئ استساغتهم لأقوالنا. إن التمرن في هذا الجدل المحكيّ عنه يجعل منا حكماء ويصيرنا معلمين” (في كنيسة المسيح، عدد ٨٦). ويسميه البابا مونتيني “حوار الخلاص. وهو يخضع للمقتضيات التي يلقاها ويختار الوسائط الموآتية ولا يتقيد بالأحكام السابقة الباطلة ولا يلزم تعابير لا تتغير عندما تكون هذه قد بطلت أن تكون محكية ومؤثرة في الناس” (في كنيسة المسيح، عدد ٨٨). إنه حوار تريد الكنيسة أن تنسجه مع الجميع: “ليس أحد غريباً عن قلب الكنيسة؛ وجميع الناس، بالنظر إلى مهمتها، سواء؛ فمن جهتها لا تحسب أحداً عدواً لها، ما لم يرد هو أن يكونه. وليس عن عبث أسمت نفسها كاثوليكية؛ وليس عن عبث أيضاً أن تكون مكلفة بأن تعمل في العالم للوحدة والمحبة والسلام”(في كنيسة المسيح، عدد ٩٨).

حوار إنجيلي يطبع رسالة يوحنا بولس الثاني العامة “تألُّق الحقيقة” بأكملها. وجّه الشاب الغني هذا السؤال ليسوع: “أيها المعلم الصالح ماذا أعمل من الصلاح لتكون لي الحياة الأبدية؟” لا يتعلّق الأمر بسؤال “فخ” كأسئلة الفريسيين وإنما بسؤال “بحثٍ عن المعنى الكامل لحياته” (تألُّق الحقيقة، عدد ٧). لقد كان ذلك الرجل يحترم الشريعة ولكنّه ذهب حزينًا بعد لقائه بيسوع، “الشريعة الحيّة” التي تشير إلى درب جذري للحب يذهب أبعد “إلى كمال يتجاوز الشرح المعوّل عليه للوصايا”(تألُّق الحقيقة، عدد ١٦). هذا الشاب يبحث عن يسوع ويحاوره، ولكن يبدو له عظيمًا جدًّا ما يُطلب منه: الكمال في المحبة. ويشرح البابا فويتيوا “لا يستطيع إنسان بجهده الخاص، حتى في سعيه للحفاظ التام على الوصايا، أن “يتمِّم” الشريعة، أي أن يعترف بالرب إلها ويُؤدي العبادة التي تجب له وحده. “تتميم” الشريعة لا يمكن أن يكون إلا عطية إلهية”(تألُّق الحقيقة، عدد ١١). ولكن يؤكّد البابا يوحنا بولس الثاني “لا “يثبت” في الحب إلاّ من يحفظ الوصايا”(تألُّق الحقيقة، عدد ٢٤).

في هذا الصدد، وإزاء ضغط النسبية، يؤكد يوحنا بولس الثاني على الحاجة للدفاع عن الحقائق المسيحية في المجال الأخلاقي ويتحدث عن “المعايير الأخلاقية الشاملة وغير القابلة للتغيير”، والتي تتطلب أحيانًا بذل جهد وتضحية كبيرين. في هذا السياق – يلاحظ – ينفتح فضاء مزدوج: الرجاء بمساعدة النعمة الإلهية ورحمة الله إزاء الضعف البشري. يسوع “ما جاء ليدين الناس بل ليغفر الخطايا مستخدماً الرحمة… وليس لخطيئة بشر أن تخمد رحمة الله وتمنعه من أن يمدَّنا بكل قدرته الظافرة إن سألناه”(تألُّق الحقيقة، عدد ١١٨). ويؤكد أن الأخلاق المسيحية “تقوم من حيث البساطة الإنجيلية، على اتباع يسوع المسيح والاستسلام له، وفي السماح لنعمته بأن تغيّرنل تغيّرنا ولرحمته أن تجدّدنا” (تألُّق الحقيقة، عدد ١١٩).

هناك معايير ثابتة، لكن الحقيقة ديناميكية. وكما يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية إن الإيمان المسيحي ليس “دين الكتاب” بل هو دين “كلمة” الله: كلمة ليست “مكتوبة وصامتة، ولكنها الكلمة المتجسّدة والحيّة”. ولكونها كلمة حية، تستمرُّ في التحدث إلينا. وهكذا، يذكر يوحنا بولس الثاني أن ما يجب الدفاع عنه هو “التقليد الحي”، الذي “يجد أصوله في الرسل” و”يتقدم في الكنيسة بمساعدة الروح القدس”: وبفضل عمل الروح القدس يتطوّر “التفسير الأصيل لشريعة الرب”، الموكلة إلى “السلطة التعليمية الحيّة للكنيسة”. “فالروح عينه الذي يوحي بوصايا يسوع وتعاليمه، هو الكفيل أن تُحفظ بكل ورع، وتُفسر بأمانة، وتُراعى في تطبيقها تطبيقاً صحيحاً تقلبات الأوضاع والأزمنة. إنّ “التطبيق” على هذا النحو لوصايا الله هو علامة التعمق في البحث في الوحي وثمرته، وفهم المستجدات التاريخية والثقافية على ضوء الإيمان” (تألُّق الحقيقة، عدد ٢٧). في الواقع، ومع مرور الوقت ينمو ذكاء الإيمان.

يذكرنا الحوار بين يسوع والشاب الغني أن المسيح وحده، الحقيقة المتجسِّدة، هو مصدر الفرح الحقيقي، “الجواب الوحيد الذي يملأ رغبات قلب الإنسان” (تألُّق الحقيقة، عدد ٧). يدعو يوحنا بولس الثاني الكنيسة إلى إظهار جمال الإيمان أولاً و”روعة تلك الحقيقة الرائعة التي هي يسوع المسيح نفسه”(تألُّق الحقيقة، عدد ٨٣). ويؤكّد البابا يوحنا بولس الثاني “فلا بدّ إذن من العودة إلى الإيمان وإبراز وجهه المسيحي الحق، إنه ليس مجرد مجموعة قضايا على العقل أن يسلّم بها ويصدّقها، بل هو معرفة المسيح معرفة اختيارية، أن نذكر وصاياه ذكراُ حياً، إنه حقيقة تعاش. هذا، والكلمة لا تكون قُبِلت حقاً ما لم تتحوّل إلى أعمال، ما لم تمارَس. الإيمان قرار يُلزم كيان الإنسان كله. إنه للمؤمن لقاء وحوار واتحاد الحب والحياة مع يسوع المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة. إنه يستوجب فعل ثقة وتسليم الذات للمسيح، يؤهلنا لأن نعيش كما عاش هو، أي في محبة الله والأخوّة كلَّ المحبة”(تألُّق الحقيقة، عدد ٨٨).