كتاب تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية – القسم التاسع الفن القبطى
كتاب تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية
القسم التاسع
الفن القبطى
اعداد
الاب أنطونيوس سماحة
راعى كنيسة عزبة النخل – القاهرة
مقدمة
إن الفن القبطى منذ القدم ليس هو فن مقترن بالحياة الروحية والدينية فحسب، إنما هو الفن الذى يعّبر عن حياة سكان مصر، هو متأثر بمجموعة كبيرة من الفنون والحضارات الفرعونية والنوبية والعّبر عن حياة سكان مصر، هو متأثر بمجموعة كبيرة من الفنون والحضارات الفرعونية والنوبية والإغريقية والرومانية وخاصة الفن البيزنطى شمالاً والسورى جنوباً فى منطقة الصعيد.
وكان للعوامل السياسية والدينية تأثير كبير على الفن القبطى، فكان فى الشمال بالإسكندرية وما حولها على أنواع فنون متأثرة بفنون البحر المتوسط والدولة البيزنطية لأنها كانت قد إعتنقت الخلقدونية.
أما الجنوب الذى كان يتميز أكثر بالمحلية، فكان قد إعتنق اللاخلقدونية.
وكى نتكلم عن الفن القبطى، يجب أن نتكلم أولاً عن الفن المسيحى عامة، وعن أصوله ومتابعة، بداية نشأته، أفكاره وسماته، من أين إستلهم الفنانون المسيحيون موضوعاتهم؟ من أين نبع هذا الفن؟ هل كان كله وليد الصدفة؟ أم مرّ بمراحل عدةّ وبدلائل تشير إلى أن هناك فن وليد وُجد معبراً عن ديانة جديدة…. أسمى ديانة تُعتنق!..
العمارة القبطية
إن الإيمان المسيحى منذ القرون الأولى كانت له معوقات ظلت تطارده، وذلك حتى القرن الرابع الميلادى حين صدر المرسوم الإمبراطورى سنة 380 ميلادية، الذى بموجبه مُنح المسيحيين كافة الحقوق مساواة بما للديانات الاخرى، فبدأت الكنائس والأديرة فى الظهور.
أما عن العمارة القبطية، فهى عمارة الفقراء، التطور الطبيعة لعمارة الفلاح المصرى، التى أبدعت الكثير من الفنون المعمارية بأقل وأرخص الخامات المتاحة تحت أرجلهم. حيث أنها ليست مثل العمارة الرومانية إلا فى قليل من فترات التاريخ، لذلك لا نجد فى عمارة الأقباط البازيليكات الكبيرة، سوى المُقام منها بمعرفة الرومان فى دير مارمينا بكنج مريوط، والبازيليكات المُكتشفة حديثاً فى شمال سيناء.
فالعمارة القبطية لم تُولد من عدم، فهى عمارة فرعونية تطورت لتلائم خدمات الديانة الجديدة، فنجد أن عمارة المنازل ظلت على ما هى عليه من مبانٍ من الطوب اللبن مغطاة بأفلاك النخيل والبوص أو بالقباب والأقبية لكثرة النمل الأبيض بصعيد مصر.
أما التطور الذى حدث إنما هو زيادة قدرة المعمارى على إستعمال خامة الطين فى عمل الأقبية المختلفة الشكل عنها فى الأقبية الفرعونية، مع عمل الأقبية المتقاطعة ((Cross Volts .
كما بقيت التصميمات على مستوى المسقط ثابتة تقريباً، حيث أن الحاجات المستعملة بالمنزل لم تتغير. فإننا لنستطيع أن نُجرم لأنه ليس لنا أمثلة باقية من تلك العمارة إلا بعض المساكن المنقادة بأسيوط، البعض الآخر بالواحات.
عمارة الكنائس القبطية
بدأ الأقباط الأوائل فى بدأ الأقباط الأوائل فى إستخدام المعابد الفرعونية كمكان عبادة لإحتفالاتهم الدينية، بإضافة نتوء لأحد الفراغات بالمعبد جهة الشرق كالكنيسة المقام فى معبد هابو.
إنه لمن الملاحظ فى تصميم الكنائس التركيز على العناصر الآتية:
1. وجود المسقط الأفقى للكنيسة فى الشكل المستطيل مثل المعبد الفرعونى.
2. عدم بروز الشرقيات (Apseos) عن جسم الكنيسة كما هو الحال فى الكنائس الرومانية.
3. تعلو المذبح أو الهيكل قبب ثلاث، الوسطى منها تكون عادة أعلى من الأخريين، وتحت كل قبة مذبح مكعب مملوء.
4. وجود صحن أوسط (Nave)، وممرات على جانبيه (Aisles).
5. وجود ما يُسمى بالممر الغربى (Retermed Aisle) أما يُطلق عليه (Narthex).
6. توجيه الكنيسة بإتجاه شرق – غرب كمحور رئيسى للكنيسة.
7. وجود حجاب للهيكل، وإن كانت التسمية الصحيحة له حامل الأيقونات (Ikonostasis)، الذى يفصل بين صحن الكنيسة والهيكل – مكان إقامة صلاة الكاهن.
8. وجود الخورس – خورس باللغة القبطية معناها المكان المنحصريين الصحن والهيكل – يجلس فى الخورس المرتلون. والخورس منفصل عن الصحن بحوائط، على عكس ما يُطلق عليه (Bema) فى كنائس الرومان، وهى مكان مرتفع درجتان عن منسوب صحن الكنيسة.
9. إقامة مداخل منكسرة جانبية أو فى الجهة الغربية، مثال أديرة وادى النطرون بالكنيسة المعلقة.
تلك هى الصفات المميزة للكنائس التى بُنيت بمعرفة الأقباط عن مثيلاتها التى بنيت بمعرفة الرومان. مثل كنيسة دير مارمينا بكنج مريوط المسماة بكاتدرائية أركاديوس والكنائس المكتشفة حديثاً بجوار ترعة السلام الجارى إنشاؤها حيث لا يوجد ممر خلفى مؤكد.
وعند مدخل الحصن من الناحية الغربية يوجد هناك اللقان، وهو عبارة عن إناء من الحجر او الرخام مملؤاً من الماء، ويُستخدم فى أعياد الغطاس وخميس العهد، والرسل، تذكاراً لعماد المسيح وغسل أرجل التلاميذ.
الإنبل أو المنبر (Lamboni) كلمة يونانية كانت توجد فى الكنيسة قديماً، وهو المكان الذى يقف فيه الكاهن أو الواعظ ليعظ. وكان يوجد فى الكنيسة فى الجهة الشمالية الشرقية يُصنع من الرخام، يصعد إليه بدرج، ليكون أعلى من مستوى الشعب حتى يتمكن للجميع رؤية المتكلم، ولهذا يُقام أعلى أعمدة رخامية قد يصل عددها إلى إثنى عشر رمزاً للإثنى عشر تلميذاً.
وأحياناً يُصنع من الخشب ويكون مرتفعاً مُثبتاً على أحد الأعمدة الأمامية من الجهة الشمالية الشرقية. وهناك أمثلة كثيرة فى الكنائس الشرقية وخاصة منطقة مصر القديمة.
عمارة الأديرة
أما عن الاديرة كبرت أو صغرت، فهى مجتمع أو قرية صغيرة يسكنها هؤلاء الرهبان المتصوفون، وبالتالى فالإحتياجات للإعاشة كما هو الحال فى قرى مصر النائبة عن العمران منذ قديم الأزل. ومبنية متباينة. منها الكنيسة، وهى أهم العناصر الفنية المعمارية فى الدير.
أما عن العناصر الأخرى، فتشمل قلالى، الصحن، المائدة، الطاحونة، المعصرة وأخيراً الطافوس.
الدير محاط بأسوار عالية أُضيفت إلى معظم الأديرة فى القرن التاسع بعد هجوم البربر على الأديرة، وخاصة المقامة فى مناطق نائبة.
الإقنوغرافيّة
أما عن الإقنوغرافيّة فى معناها السرى، فهى رسالة تقوم بدور تعليمى له فاعليتة فى الحياة الكنسية التعبدية والتقوية.
فمن خلال لغة الألوان البسيطة، تُعلن الأيقونة الإنجيل المقدس، وتوضح تعاليم الكنيسة، وتنطلق بمشاعر المؤمنين إلى الحياة العتيدة. فهى كتاب مقدس مفتوح دائماً، أما عن الأيقونة القبطية، فقد أجمع كثير من العلماء على أن تاريخ صناعة الايقونات يرجع إلى عهد قديم، إلى القرون الثلاثة الأولى.
فقد تحكمت بها طريقة تصميم الكنائس، على خلاف الكنائس البيزنطية، حدّث من أماكن الرسوم الزيتية.
وبوجه عام، فقد رُسم المسيح له المجد، محاطاً غالباً بالملائكة، كما نجد رسوماً تعبّر عن مشاهد من حياة السيد المسيح مثل الميلاد، زيارة المجوس، العماد، العجائب والصعود.
أما بالنسبة لأيقونات السيدة العذراء مريم فنجدها دائماً ممجّدة، تحيط بها الملائكة، وسط الرسل عند حلول الروح القدس فى العنصرة، وقد برزت هذه الرسوم بوجه خاص إبان الحكم العربى.
ففى الفن الدينى الصورة الإنسان وثيقة تاريخية، ولكن لا يمكن أن تحل محل الأيقونة، وليس فقط أولئك الناس والاحداث المقدسة التى تمثلها الايقونات تشارك فى انوار الأجيال ولكن كل الخليقة “لأن الخليقة نفسها أيضاً ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله” (رومية 8 : 21 ).
تنقل لغة الأيقونات بواسطة الرموز والأشكال أسرار تقديس الكنيسة. وفكرة محتويات الايقونة تساعد على فهم موضوع وكلمات هذه اللغة، حيث تصبح طريقة وقاعدة الإبداع الفنى هى الرمزية.
وتُستخدم لغة المضارع المستمر فى الأيقونات. وكل الازمنة التاريخية يعبر عنها بلغة العصر الحاضر بإعتبار تجربة السيد المسيح الخالدة. ولا تزال مثل تلك الأوقات باقية، وتعتبر الأشخاص والأحداث المقدسة خالدة، لا يحدّها وقت. وهى معاصرة لكل عصر ولكل إنسان، والاحداث الفردية فى الإنجيل والتواريخ الدينية ترى كأنها تحدث فى الزمن الحاضر فكل الماضى والمستقبل أصبح يمثل الحاضر.
ولا تسجل الأيقونة حدثاً أو شخصاً فقط، لكنها تساعدنا أن نحيا ونشارك فى الحياة مع السيد المسيح ومع القديسين، ولذلك فإن ميلاد السيد المسيح وآلامه وقيامته من الأموات نراه فى لغة الأيقونات كأحداث تحدث الآن كما أتى إلينا تاريخنا منذ حوالى ألفين عام مضت.
فالأيقونة تساعدنا على عبور الزمان والمكان، حتى ندخل إلى الحياة الأبدية. والغرض الرئيسى هو خدمة الكنيسة وخلاص النفوس تماماً مثل الفن المصرى القديم الذى كان يهدف فقط لخدمة الديانة، ليس للفن فى حد ذات، ولكن الكنيسة وعقيدتها وتعاليمها. وتقوم الأيقونة بالكثير فى حياة الكنيسة، فى الكرازة والصلاة والعباد وتزيين مبنى الكنيسة، وفى نقل الحقائق اللاهوتية إلى الرجل البسيط.
وتقوم الأيقونة بإرشاد المؤمنين “إنه ليس كل شخص مثقفاً، ولديه الوقت للقراءة. وقد إتفق الآباء على أن أشياء كثيرة يسهل التعبير عنها من خلال الأيقونة” (القديس يوحنا الدمشقى).
مراحل تطور الايقونة
أجمع علماء الآثار بأن تاريخ صناعة الأيقونة يرجع إلى القرون الثلاثة الأولى.
وقد وُجدت الأيقونات الأولى فيى مقابر الرومان القديمة، فلا شك قدم وجودها، ولم تُعرف متى بالتحديد تسرب الأيقونات إلى البّيع والكنائس والأديرة. يقول البعض أن الأيقونة إنتقلت من البيوت إلى دار العبادة فى أواخر القرن الثالث الميلادى، وإنتشرت وعمّت فى القرنين الرابع والخامس.
صارت الايقونات تُستخدم لمساعدة الكنيسة ضد البدع المُضلة، فقد كان للعقائد المسيحية الأثر الأكبر على فن الأيقونات والفن بصفة عامة.
فمثلاً بعد بدعة أريوس الذى أنكر لاهوت المسيح والرد عليها فى مجتمع نيقية فى سنة 325 م ظهر حرف ( a w) اليونانيان (وقابلها فى اللغة العربية: أ وى) فى أيقونة السيد المسيح مؤكدة ألوهيته.
كما تم نفس الشئ بعد مجمع أفسس فى سنة 431 م، وإدانة بدعة نسطور، فظهرت أيقونة السيدة العذراء والدة الإله (Theo Tokoo) وهى تحمل السيد المسيح إلى يسارها، مؤكدة أن السيدة العذراء فى مجدها حاملة السيد المسيح الإله المتجسد.
هناك بعض المواضيع التى تُعاد كثيراً، حيث أنها مواضيع لها أهمية رعوية، مثلاً أيقونة البشارة والميلاد والعماد ودخول يسوع المسيح أورشليم والعشاء السرى والعنصرة ونزول السيد المسيح منتصراً إلى الجحيم، وإقامة أبينا آدم وأمنا حواء من القبور ونياحة السيدة العذراء.