stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكتبالمكتبة الكاثوليكية

كتاب كيف تنجح فى تربية الأطفال ‏(15) التفاؤل والمرح‏

874views

كتاب كيف تنجح فى تربية الأطفال
تأليف
الأب / جوستاف كورتوا
ترجمة ‏
القمص / لويس نصرى
مراجعة ‏
الأنبا / أنطونيوس نجيب
الأب / مجدى زكى إسطفانوس

‏(15) التفاؤل والمرح‏

المربّى الذى يُريد أن يتمتّع بتأثيرٍ قوى على الأطفال، يجب أن يَظهر لهم دائماً ممتلئاً بالنشاط ‏والمرح. إنه بذلك سيأخذ منهم أكثر بكثير ممّا لو ظهر بوجهٍ جامد، عابس، أو مشمئز.‏
 إجعل الأطفال يحبّون مُقدَّماً ما ستكلّفهم بعمله، بجملةٍ مناسبة توافق التعليمات. قُل لهم مثلاً: ‏‏”سوف ترون كيف أن هذا سيتمّ على أحسن وجه”. أو: “إن شاء الله، سنقضى يوماً سعيداً، ‏إن قُمنا بعمل كذا أو كذا”، أو : “كم سنكون سعداء وفخورين بأنفسنا، لو حقّقنا هذا الوعد”.‏
 ويلزم أيضاً إقناع الأطفال بكفاءتهم، على أن يؤدّوا بسهولة العمل المطلوب منهم. قُل لهم ‏مثلاً: “سوف ترون سهولة هذا العمل، فهو لا يصعب على أطفال مثلكم، كلّهم ذكاء ‏وسخاء”.‏
 لا تُعلن أبداً عن أمرٍ عارضٍ مُعاكس فى صورة خبر سيئ. فإذا تخلّف الاتوبيس مثلاً عن ‏الحضور، لا تُعلن للأطفال، بوجهٍ حزين: “عندى خبر سيئ لكم، يأولادى. ضاعت الرحلة ‏اليوم. وليس أمامنا إلاَّ أن نقضى النهار فى الملعب”. قُل لهم، بوجهٍ مبتسم: “حظّنا جميل ‏جدّاً، يا أولاد، عندنا فرصة لتنظيم رحلة أجمل من هذه، لأن الأتوبيس لن يحضر اليوم. ‏وسننظّم اليوم مباراة (دورى) لم تكن فى الحُسبان”.
تنبّه إلى هذه القاعدة: المظهر المتفائل والابتسامة يجلبان لك الثقة والودّ. أمّا إذا كنت منقبضاً ‏أمام الحياة والناس، فسيردّان لك ذلك بالمِثل.‏
 فليكن تفاؤلك عاملاً ونشطاً. وهذا يختلف عن سلوك البلادة الخاملة، الذى لا يعمل، بل ‏ينتظر ببلادة أن ينتهى كلّ شئ نهايةً سعيدة، ولا يعرف إلاَّ عبارة: “كلّه تمام”.‏
 أمّا التفاؤل العامل الخلاّق، فيرى النواحى الطيّبة فى كلّ أمر، ويُحاول أن يستخرج منها ‏خيراً. “كلّ شئ لخير الذين يحبّون الله” (روم8: 28). ويضيف القديس أوغسطينوس: ‏‏”حتّى الخطايا، وحتّى خطايا الآخرين”.‏
 بعض الناس لا يرون إلاَّ المصاعب، وغيرهم يتجاهلونها. أمّا الصواب فهو أن ترى ‏الإمكانيّات، وأنت تفكّر فى الصعوبات، وأن تجد فى الأولى القوّة للتغلّب على الثانية.‏
 هناك أسلوبان للحياة والتفكير: الأوّل سلبى، والثانى فاعل خلاّق.
فى الأسلوب السلبى، لا يرى المرء إلاَّ النقائص فى الناس وفى الأنظمة، لا لعلاجها، بل ‏للتشكّى والتشفّى. ويتّجه النظر دائماً إلى الوراء، ويبحث بالأحرى عن كلّ ما يفرّق ويشتّت.
‏ أمّا فى الأسلوب الفاعل الخلاّق، فيواجه المرء بانشراح الحياة وواجباتها. ويبحث فى كلّ ‏كائن ما فيه من خيرٍ ليظهره وينميّه، ولا ييأس أبداً من المستقبل، فهو وليد إرادتك، ويحسّ ‏أمام أخطاء الغير وبؤسه بالاشفاق الشَّهم، الذى يُنتج العمل، ولا يسمح أبداً أن تكون حياتنا ‏عاطلة وباطلة.‏
 علّموا الأطفال:
‏- إن فى الفضيلة سرّ السعادة الحقيقيّة.
‏- إن الدين لا يُصاحب الحزن أبداً، بل يُبارك ويُشجّع كلّ فرح نقىّ.
‏- إن الضحكة الصادقة النقيّة مسيحيّة.
‏- إن الفرح هبة من الله.‏
 ‏”الله يُحبّ مَن يُعطى بسرور” (2كور9: 7)، وكَم بالأكثر مَن يُعطى ذاته.‏
 طالب الأطفال بأن يأخذوا كلّ الأمور من الناحية الطيّبة، وأن يعيشوا بشعار: “الابتسامة ‏دائماً”. فهذا سيكون لهم قوّةٌ كُبرى فى الحياة، وبهذا تؤدّى لهم أكبر خدمة.
يأتى أسلوب “الابتسامة دائماً” بمفعولٍ سحرى فى أغلب الحالات.
فمثلاً، إذا تشاجر طفلان، والتفّ حولهم باقى الأطفال، يهتفون ويكرّرون: “الابتسامة ‏دائماً”، قد يزول الشِجار سحريّاً.
ومتى جاءك طفل شاكياً وباكياً، قُل له أوّلاً: “لن أسمعك إلاَّ إذا ابتسمت أوّلاً ابتسامة حلوة”. ‏من المؤكّد أن شكواه ستكون أقلّ مرارة.‏
 يقول مثلٌ شرقى: “لوكنت كئيباً، فلن تقوى على تخطّى كوم تراب. أمّا إذا جعلت ذاتك ‏مُنشرحاً، فستقوى على هدم الجبال”.‏
 المزاج المنشرح يُعطى دفعاً، ويضاعف القوّة ويملأ بالنشاط. فيه يقلّ الاحساس بالتعب، ‏ويُسهّل احتمال الضيق أو المحنة، وبفضله يكون الفكر أكثر جلاءً، ويستقيم الرأى، وتصفو ‏النفس. وما يتمّ بانشراح، يتمّ دائماً بصورةٍ أفضل، وتزيد فرصته فى النجاح.‏
 مَن يسعى إلى منح الفرح للآخرين، يجده لنفسه. فاذا توصّلت إلى أن تجعل كلّ واحدٍ يضع ‏سعادته فى إسعاد الآخرين، تكون خلقت أحسن جوّ لنموّ الأطفال ونضوجهم الكامل.‏
 إنك توفّر الكثير من الكلام والتوجيه، والتوبيخ والتأديب، عندما تخلق مثل هذا الجوّ من الثقة ‏والفرح بين الأطفال. فهو يقضى على أسوأ الغفرازات فى الجماعة: سوء التفاهم، الروح ‏الخبيث، الغشّ والرياء….إلخ.‏
 الفرح شئ نكتسبه، ننميّه ةنرتقى به كماله. إنه ليس موضوع سنّ أو شباب، بل بالعكس ‏يجب أن ينموّ مع العمل.‏
 الفرح شجاعةٌ. إنه ليس سهلاً. فهو إرادة وقوّة ومِراس. إنّه موقف انتصار دائم، وروح ‏انطلاق مستمرّ ومتجدذد. فالنصر لا يكون أبداً نهائيّاً، فلو توقّفت، تقع فى الروتين، ومعه ‏المَلل والكآبة وعدم الرضى، إنه دافع مستمرّ للتجديد والابتكار الخصب.
‏ ولأن الفرح قوّة، فهو ينبوع محبّة. يُحبّ فرح الآخرين. يُحبّ أن يتبادل العطاء والأخذ. ‏يعتمد على الآخرين كما يعتمد الآخرون عليه. الفرح لا يبخل بذاته، يُعطى نفسه، فيخلق ‏روح المشاركة والأخوّة، فى فريقٍ سعيد. يتوقّف عند الممكن، لا عند الناقص. يرى النقص، ‏ولكن يفجّر القوى الكامنة. الفرح متفائلٌ تفاؤلاً خلاّقاً.
ينبوع الفرح العجيب هو هذا: “أحبّوا بعضكم بعضاً” (يو 13: 34).‏
 الفرح عقيدة وإيمان: إيمان بالخير، أى إيمان بمساعدة الله، مصدر كلّ خير، وينبوع تفاؤله ‏هو الفداء، الذى يجعل كلّ شئ ممكناً، بما أن كلّ شئ أصبح موضع تقديس.‏
 الفرح أفضل تعبير عن العرفان بالجميل، لا بلاكلام واللذسان، بل بالكيان كلّه، وبالإشعاع ‏الكامل.‏