كتاب كيف تنجح فى تربية الأطفال (35) المشاركة
كتاب كيف تنجح فى تربية الأطفال
تأليف
الأب / جوستاف كورتوا
ترجمة
القمص / لويس نصرى
مراجعة
الأنبا / أنطونيوس نجيب
الأب / مجدى زكى إسطفانوس
القسم الرابع
بعض النصائح العمليّة
(35) المشاركة
إن أردتَ أن تعمل كلّ شئ بنفسك، وان تكون فى كلّ المواقع معاً، وأن تحلّ كلّ المسائل بنفسك، فإنك تُنهِك قواك سريعاً. سوف تكثر أمامك المشاغل، وتتراكم الالتزامات، ولن تعرف كيف وإلى أين تتّجه.
إنك بالعمل وحدك، سوف تضيّع الوقت الثمين فى كثيرٍ من الأمور الثانويّة. وستنقصك الفرصة للتفكير والتدبير، فتؤجّل تجهيز أعمالك إلى آخر لحظة، وستكون فى أغلب الأحيان متأخراً، وتفقد الصبر والهدوء، وتتّخذ القرارات فى اللّحظة الأخيرة.
وبذلك يشعر الذين معك بالإحباط واليأس، وتَفتُر العزائم الطيّبة، ويتعثّر العمل.
أمّا إذا اشركت غيرك معك، فسيكون فِكرك أكثر ارتياحاً، ويتوفّر جهدك لتُساعد الآخرين وتحرّك عزائمهم. وبالأخصّ، سيكون عندك الوقت الكافى، لتعمل ما لا يستطيع غيرك أن يحلّ مكانك فيه، وهو التوجيه والقيادة، الجماعيّة والفرديّة.
دورك هو صياغة الرؤية الشاملة، والتخطيط، وخلق الجوّ، والتحريك والدَفع إلى التنفيذ، والتشجيع. ولا يتمّ حُسن التدبير بإصدار الأوامر، بل بوضع كلّ شخصٍ وكلّ شئٍ فى مكانه المُناسب والصحيح، حسب الخُطة المرسومة.
لا تنسَ أن عينى القائد تعملان أفضل ممّا تعمله يداه.
أوّل شرط لاكتساب وتكوين مشاركين ومعاونين هو أن تعطيهم عملاً شيّقاً، وأن تقبل أن يقوموا به البداية بصورة أقلّ كمالاً ممّا تقوم أنت به، ليتدرّجوا بعمله بصورةٍ أفضل وبنجاحٍ أكبر.
من النادر أن يَقدر معاونوك أن يعملوا بالضبط ما كُنت ستعمله أنت، وإنما قد يعملون أفضل منه، ولكن بأسلوبٍ مختلف.
إقبل معاونيك كما هُمّ، إن كُنت لا تستطيع أن تجدهم كما تتمنّاهم. وغستخرج من صفاتهم ومن نقائصهم أفضل ما يُمكن. هكذا صنع السيّد المسيح مع رُسله.
من الخطأ أن تعتقد أن تدعيم سُلطة المسؤول، يتمّ بهَدف كلّ سُلطةٍ أخرى، ولذا فلا يجوز مُطلقاً أن تُقلّل فى نظر الطفل من الاحترام لأىّ مسؤول آخر له سُلطة عليه.
الشريك والمُعاون فى الخدمة ليس مجرّد مثنفّذ للتعليمات. فالمشاركة تعنى العمل معاً، وبالتالى التفكير معاً. وهذا ليس عملاً آلياً، بل واعياً، يتعلّق به خير الأطفال.
الوضوح الكامل ضرورى، فى تحديد ألقاب ومهام واختصاص كلّ واحد من المسؤولين. فليكُن لكلّ واحد اللّقب المُناسب لدوره، لا أكثر ولا اقلّ.
تجنّب كلّ ما يُمكنه أن يشلّ حركة معاونيك ويخلق اليأس عندهم، مثلاً:
- لا تتدخّل بدون سببٍ هامّ فى النشاط المُسنَد إليهم.
- لا تتدخّل باستمرار فيما هو من اختصاصهم.
-لا تقطع عليهم كلّ مبادرة ذاتيّة فى نطاق عملهم.
- لا تثقلّل من أهميّة آرائهم واقتراحاتهم.
- لا تنسب إليهم كلّ خطأ وفشل.
مِن المسؤولين مَن يُريد السيطرة على معاونيه، بشلّ حركتهم، وبحرمانهم من إمكانيّة العمل الذاتى. فلا غرابة فى أن يفقدوا ثقتهم ويضيّعوا حماسهم.
اجتماعات الاستشارة الدوريّة ضروريّة للعمل الجماعى، لتقويم ما تمّ، وإعداد ما سيأتى، فلتكن منتظمة، فى جوّ من المودّة والثقة والتفاهم، وعلى المسؤول عنها أن يُجهّز لها جدول أعمال دقيق، وأن يوفّر لكلّ عضو فرصة إبداء الرأى بصراحة، مع مراعاة المحبّة الأخويّة، والاحترام الواجب للرئاسة.
ولتكن مدّة الإجتماع معقولة. ولذلك يجب استبعاد المناقشات الفرعيّة والعقيمة والبعيدة عن الموضوع. وفى ختام الاجتماع، على المسؤول أن يلخّص، فى كلماتٍ وجيزة ودقيقة، النتائج الواجبة التنفيذ مباشرةً.
ساند شركائك ومعاونيك، فكلّما قويت سُلطتهم كلّما زادت سُلطتك قوّة، إبرز مواهبهم، وكلّفهم بأعمال شيّقة، وأعلن لهم، وبالاخصّ فى المناسبات العلنيّة، تمسّكك الشديد بهم، وتقديرك الكبير لعلمهم.
لا تنفرد وحدك فى إعلان الأخبارة السارّة، إجعل شركائك ومعاونيك يقومون بذلك، ففى هذا توطيد لمركزهم، وإعلان لعملكم معاً لصالح المجموعة.
فليشعر الأطفال بالوحدة التامّة بينك وبين شركائك ومُعاونيك، وإنكم تعلمون معاً كوحدة واحدة، بروحٍ واحد وقلبٍ واحد، ففى هذا دفعه كُبرى لتحقيق النجاح.
إن كانت لديك ملاحظة لأحد معاونيك، فانتظر أن تكون معه على انفراد، وتصرّف بكلّ رقّة ومحبّة.
لا توجّه أبداً نقداً أو توبيخاً علنيّاً لأحد شركائك أو معاونيك.
لا تقلّل من سُلطة معاونيك بتدخّلات غير مناسبة، ولا تتصرّف بدلاً منهم. وإجعل كلّ طفل يعود إلى المسؤول عنه مباشرةً. فلا تُصدر للطفل أمراً باسمك الشخصىّ. بل باسم المسؤول عنه. فلا تقُل للطفل: “أنا أقول لك إعمل هذا”. بل قُل له: “ماذا طلب منك المسؤول؟”، ”إعمل ما طلبه منك المسؤول”، “إذهب واستأذن المسؤول”، بهذا أنت تؤيّد معاونيك ونفوذهم.
ولكن، من جهةٍ أخرى، لا تتخلّ عن دورك وسُلطتك، فى حدود اختصاصك، فأنت المسؤول الاوّل فيه.
إعطِ لمعاونيك فرصة التقييم والنقد لإدارتك، بأن يُعبّروا لك عن انطباعهم وملاحظاتهم، ولكن فليكُن هذا بصورةٍ شخصيّة، لا علنيّاً أبداً، وليس أمام باقى المعاونين.
كُن مُحبّاً ومُشجّعاً للصراحة والشجاعة، أحبب أن تُقال لك الحقيقة، وإن كانت تؤلمك. ولكن لا تقبل أبداً معارضة علنيّة. فمن حقّك ومن واجبك أن تحرص على احترام سُلطتك.
الأسلوب هو ما يفرّق غالباً بين الناس، لا المبادئ.
فإن أردتَ توجيه لوم، فليكُن بصراحة، مُقترنة باللّطف والمودّة والمحبّة، وبهذا الأسلوب تستطيع أن تقول كلّ ما يجب، وما تُريد أن تقوله من لومٍ أو توجيه، دون جرح أو إذلال.
كُن أكثر لطفاً مع مَن همّ أقلّ لطفاً. فالأسلوب الطيّب له تأثيره، وسرعة انتشاره، وقوّة مفعوله، مثل الأسلوب الردئ، بل أكثر، وإن لم يكُن بصورةٍ جليّة.
لا تقُل إن الصداقة أو الألفة، تسمح لك بأن تقول أشياء غير لطيفة لزملائك ومعاونيك، بالعكس، بمقدار ما تكون العلاقات وثيقة، بمقدار ما تتطلّب المزيد من الذوق، واللّطف، ومراعاة الشعور.
نقد الناس والأشياء لا فائدة منه، إن لم يَكُن للبناء وبالمحبّة. أمّا إعلان التقدير وإظهار الصفات الجيّدة فهو جزيل الفائدة وكثير الثَمر.
لا تَقُل للآخرين شيئاً يُكدّرهم أو يحرجهم، إن لم يكن ذلك ضرورياً، فلتكُن هذه قاعدة مُطلقة عندك.
إيَّاك أن تتكلّم بالسوء عن شخصٍ غائب، من الأفضل أن تبقى صامتاً كالحجر، من أن تفعل ذلك.
إحرص على خلق التفاهم والتعاون بين العاملين معك، سيكون ذلك أكثر سهولة، إذا اشتركوا جميعاً فى المبدأ الرائد لكلّ عملٍ جماعىّ ناجح: تحقيق الخير الأكبر للنفوس، من خلال العمل المشترك، الذى يُسهِم فيه كلّ واحد بأكبر سخاء، وبتجرّد عن الذات.
ولذلك، يلزم تنمية الحياة والقيم الروحيّة العميقة، عند المسؤولين عن العمل والخدمة، كما يجب أن يكونوا على معرفةٍ كافيةٍ بمختلف أوجه النشاط فيها، فلا يكفى أن يهتمّ كلّ واحد بالمجال الذى يخصّه فقط، وإنما لا بدّ من أن يهتمّ أيضاً بالمسيرة العامّة للعمل كلّه، بوصفه جزءاً من وحدةٍ متكاملة غير منقسمة.
لا تخشَ من توسيع آفاق العاملين معك، إجعلهم يتعرّفون على أعمال وأنشطة أخرى تسعى إلى بناء ملكوت الله، سواء فى مجالٍ موازٍ لما يعملون فيه، أو مجالاتٍ أخرى.
إحذر بشدّة من المبدأ البغيض: “فَرّق تَسُد”. فالمسؤول الذى يزرع التفرقة والحَسد بين العاملين معه، يحصد عدم الثقة والاحتقار.
لا تنتظر الكمال من العاملين معك ومعاونيك، لكن من حقّك أن تطلب الصدق والأمانة، وكلّ من يُخالف ذلك قصداً، يُصبح غير أهلٍ للثقة.
إذا شكا إليك طفلٌ من أحد معاونيك، فاحرص تماما على صورة السُلطة، فيجد عندك الطفل طِيبةً كبيرة دون أن يرى فيك مُشجّعاً على الشكوى والتمرّد.
إجعله يروى ما حدث وراجعه فى كلّ مرّة تُلاحظ المُغالاة أو الاختراع، وإجعله يُدرك أنه يخسر قضيّته كلّما انحرف عن الحقيقة، وبالأخصّ، لا تجعله أبداً يستشّعر فكرك أو رأيك فى مَن يشكو منه، ففى هذا مساس بكرامتك وكامة زملائك، ودليل على ضعف فى مركزك الأدبى وقوّتك الإداريّة، يتندم عليه أشدّ الندم.
حاول أن تتعرّف شخصياً على أهالى الأطفال الذين تهتمّ بهم، وإعتبر نفسك شريكاً معهم، فى رسالة تربية أبنائهم، وإجعلهم يحسّون بذلك. وبهذا الأسلوب ستجعل منهم، دون أن يشعروا، معاونين لك فى مهمّتك.
تذكّر أن صفة “الأب والأمّ” أقوى من صغة “الرجل والمرأة”. فخاطب الوالدين من هذا المُنطلق، ومتى شاهدا الرعاية والتضحيّة التى تبذلها لأبنائهم، لا يُمكن أن يبقا بلا تجاوب معك. قد يكون الوالدان فى غير الصورة المطلوبة، وقد يكونان سبباً فى سوء تربية الأبناء، وحتّى فى هذه الحالات، إيَّاك أن تُقلّل من سُلطة الوالدين، بل عليك أن تُدعّمها وتقوّيها، ولا تتسرّع أبداً فى الحُكم على الوالدين ولومهم.
يميل الأطفال إلى انتقاد والديهم. وهذا الموضوع حسّاس للغاية.
إذا اشتكى أو تعجّب طفل، من أن والديّه لا يواظبون على الصلاة والحياة الدينيّة، يُمكن أن نقول له مثلاً: “عندما كان بابا وماما أطفالاً مثلك، لم تكن هناك مثل هذه الأنشطة الدينيّة لتربطهم بالكنيسة.
والآن عليك أنت أن تشجّعهم على الصلاة والحياة الدينيّة، وأن تُصلّى من أجلهم، وتكون لطيفاً معهم ومُطيعاً لهم، وأن تحترمهم وتُساعدهم، بهذا سيُحبّون الكنيسة التى علّمتك كلّ ذلك، ويقتربون من المسيح.
المثال المنشود فى تربية الاطفال، هو العمل فى تعاون وثيق مع الوالدين، وفى الاجتماعات الخاصّة بهم، يسعَد الوالدون جداً بالنصائح والتوجيهات الرشيدة الخاصّة بتربيّة الأبناء.
وياحبّذا لو تمّ التعاون أيضاً مع المدرسة فى هذه الرسالة.
إجعل الأطفال يصلّون من أجل معلّميهم.
حاول أن تتعرّف على معلّمى الأطفال الذين تخدمهم، ولو على سبيل المجاملة لهم. وإعرف أن ازدياد الصِلة والوحدة بين القائمين بالتربيّة، هى دائماً لصالح وخير الطفل.
الانقسام بين القائمين بتربية الطفل، تَهدم عنده الاحترام لكلّ سُلطة.
إتخذ لك معاونين من الأطفال أنفسهم، سيكونون بذلك أوّل من يستفيد من الخير الذى يعلمونه. فأحسَن وسيلة تُحقّق الخير للشخص، هى حملة على أن يعمل الخير لغيره. المسؤوليّة نفسها التى تسندها للأطفال، ستُلزمهم أن يسهروا أكثر على أنفسهم، ليس فقط فى ذلك النشاط، وإنما أيضاً خارجاً عنه.
وعندما يختبر الطفل حدوده الذاتيّة، سيكون أكثر تفهّماًوتسامحاً مع غيره.
وبممارسة نصيب من السُلطة، سيلمس الأطفال الصعوبات المقترنة بالإدارة والرئاسة.
ومتى اختبر الأطفال عدم كفاية الوسائل البشريّة، مع رغبتهم فى عمل الخير، سيدركون ضرورة الإلتجاء إلى الوسائل الروحيّة وبالأخصّ إلى الصلاة والتضحيّة. وعلى المسؤول أن يُعطيهم القدوة فى ذلك، وأن يوجّههم إلى هذا الطريق.
يرتبط الطفل بعملٍ أو نشاط، بمقدار ما يُعطى نفسه له.
لا تَقُل أبداً: “لا أجد مَن يقدر أن يكون قائداً”. اهتمّ بأن تكتشف من لهم الصفات لذلك، وليشغل هذا الموضوع الأساسى نصيباً كبيراً من صلاتك.
أنظر إلى السيّد المسيح: كان يُمكنه أن يعمل كلّ شئ بنفسه، أو على الأقلّ أن يجعل الملائكة تخدمه، ولكنّه أراد أن يُشرك البشر فى عمل خلاصهم. واختار منهم جماعة من المعاونين له.
قبل أن يُحدّد المسيح اختياره، بدأ الصلاة وحده، ليلةً كاملة، على الجبل (لو6)، وأنت أيضاً، عليك أن تُصلّى كثيراً إلى الربّ، ليُظهر لك منِ أبناء الخدمة، مَن يُريد أن يهيّأهم ليواصلوا عملك.
لم يختَر المسيح أشخاصاً يتمتّعون بكفاءات خاصّة أو بتقوى فريدة، ولكنّه استبعد الفريسيّين. وطلب المسيح من الذين دعاهم ثلاثة أشياء: الاستقامة، السخاء، والروح الطيّبة.
على مثال المسيح لا تستعجل فى اختيار قادة المستقبل. لاحظ الأطفال فى اللّعب، والرحلات، والأحداث اليوميّة البسيطة، فهى تكشف ما فى أعماق النفس، أكثر مماتكشفه المناسبات الرسميّه والأحاديث المكتبيّة.
لا تفضّل بالضرورة الطفل المهندَم، ولكنّه يخشى أن يقوم بأىّ حركة حتّى لا يتَّسخ. ولا يتّجه اختيارك إلى الطفل صاحب التقوى العاطفيّة الحسيّة، الذى يميل إلى العُزلة، ولا يستريح إلاَّ وهو معك.
فليتجه اختيارك بالأحرى إلى الطفل البسيط، والنشيط، والسخى، والمحبوب من رفاقه، والمستعدّ دائماً للخدمة.
لا بدّ أنك ستجد مثل هذا الشخص، فى كلّ مجموعة من الأطفال، تابعه عن قُرب، وفى الوقت المناسب، إدعه إليك، واشرح له ما تنتظره منه.
إقرأ بهذا الاعتبار ما جاء فى الأناجيل عن دعوة الرُسُل:
- لا يستخدم المسيح العبارات الطنّانة… إنه يقول فقط: “تعالَ وانظر” (يو1: 39، 46).
ويطلب منهم بكلّ بساطة أن يتبعوه: “اتبعنى” (مت 9: 9… إلخ). ويُخبرهم أنه سيجعل منهم صيادين للناس (مت 4: 19).
- لا يَعد المسيح رُسُله بأيّة مكافأة أرضيّة، ولا بأىّ لقب فخرى، ولا بمال أو وسام، وإنّما يُبيّن لهم أن الحصاد كثير والفَعلة قليلون، ويَغرس فيهم حبّ الخروف الضال والغيرة على خلاص النفوس.
- اهتمّ المسيح اهتماماً خاصاً برُسُله. أخذهم على حِدة. أنمى فيهم روح الفريق. شدّد فى كلّ وقت على المحبّة الأخويّة، القادرة وحدها أن توحّد بينهم: “كلّ مملكة تنقسم تخرب” (مت 12: 25). “أيُّها الآب القدّوس… ليكونوا واحداً، مثلما أنت وأنا واحد” (يو11: 17، 22).
- ومع ذلك، لم يكُن فى تكوين المسيح لتلاميذه خشونة خاصّة.
- كان المسيح حريصاً على أن يُبعد اليأس عن تلاميذه، ولم يُعلن لهم شريعة التضحيّة الكبرى إلاَّ تدريجيّاً، وبمرور الوقت.
- لم يطلب المسيح من تلاميذه ما يتخطّى قواهم، لم يفرض عليهم الصوم 10 يوماً فى البريّة. بعكس ذلك، نراه يصطحبهم فى عُرس قانا الجليل.
- يُعلن المسيح تعليمه تدريجياً، وبمقدار ما يَقدر التلاميذ أن يقبلوه، ويعلّمهم بمثابة أكثر من كلامه. وبعد أن غسل أرجلهم، أعلن لهم: “أنا أعطيتكم ما تقتدون به فتعملوا ما عملته لكم” (يو 13 : 15).
- كم احتاج المسيح إلى الصبر مع تلاميذه. ومع ذلك، لم يفقد أبداً الطيبة معهم. كثيراً ما كان يؤاخذهم. ولكنّه لم يذلّهم أبداً علنياً. وبّخهم على قلّة إيمانهم، عندما هاجمتهم العاصفة، ولكنه خلّصهم من المِحنة (مت 8: 23 – 26).
- ساند المسيح تلاميذه ودافع عنهم، فى كلّ مرّة هاجمهم الفريّسيّون. وهكذا مثلاً عندما قطعوا السُنبل وأكلوه فى السبت (مت 12: 1 -8). وعندما انتقد الفّريسيّون التلاميذ لأنهم لا يغسلون أيديهم قبل الطعام (مت 15: 1 – 19).
- وبمجرّد أن أصبح الأمر ممكناً، كلّف المسيح تلاميذه بمهمّة رسوليّة، وأولاهم ثقته، فأرسلهم اثنين اثنين أمامه إلى القُرى التى عزم الذهاب إليها، وأعطاهم نصيباً حقيقياً من المبادرة الشخصيّة. وفى نفس الوقت، حَرص على أن يزودّهم بتوجيهاتٍ دقيقة، وأن يتحقّق مما تمّ فى مهمتّهم.
- وسهر المسيح على ألاَّ يتجاوز حماس التلاميذ الحدود المعقولة. فأمرهم أن يستريحوا. وجهلهم يفكّرون فى ما سمعوا ورأوا. وتشاور معهم. وطلب رأيهم. وسمع اقتراحاتهم. وأعلن لهم، فى رقّة بالغة، أنهم سيعملون أشياء أعظمهم من التى هو عملها. وشيئاً فشيئاً، أعطاهم ما له من سُلطان.
على مثال السيّد المسيح، فليقع اختيارك على مَن تتوسّم فيهم القيادة فى المستقبل، ثُمَّ اشركهم شيئاً فشيئاً فى اهتماماتك الرسوليّة.
درّبهم على الاهتمام بالنفوس، وعمّق فيهم روح الإيمان. وأعطهم روح الفريق: ليس المهمّ أن ينجح هذا النشاط أو ذاك، بل أن تعرف النفوس المسيح وتحبّه وتعيش له.
وسّع آفاقهم: إجعلهم يفرحون بالخير الذى يعمله غيرهم، سواء كان من نفس المجموعة أو من خارجها.
لا تندهش من نقائصهم. وإذا لزم الأمر، آخذهم بوداعةٍ وصبر، وحَزم.
وبالأخصّ، قابلهم شخصيّاً، شجّعهم، وإعطهم التوجيهات المُناسبة.
لا توبّخهم أبداً علنياً. وازن بين قواهم وبين المهام التى تكلّفهم بها. لا تُرهقهم. ولا تُطالبهم بأكثر من طاقتهم.
أعطهم مثال الحماس، والفرح، والثقة، والروح الفائقة الطبيعة، علّمهم بمثالك أن التضحية والألم، هما سرّ ومصدر كلّ ثمر رسولى، فالصليب هو سبيل خلاص النفوس.
يجب الإعلان صريحاً وعلنياً عن سُلطة رئيس المجموعة. واشرح للأطفال أن هذا الرئيس، عندما يُعطى الأوامر، إنما يُمارس واجب الطاعة أوّلاً.
لا بدّ من حماية هذه السُلطة وتنميتها باستمرار.
لا تضع أبداً قائداً حديثاً لمجموعة، فى موضع يصعب عليه فيه القيادة، أو يفوق إمكانيّاته.
إذا كان على القائد أن يُنظّم عملاً بنفسه، تأكّد اوّلاً أنه فَهم جيّداً الموضوع المطلوب، وأنه واثق من نفسه عند التنفيذ.
لا تقُل أبداً للأطفال: “إعملوا ما تُريدون”. قُل لهم: “إعملوا ما طلب منكم قادتكم”.
احذر من القوانين المُعلقة على الحائط. واشرح للأطفال أن هذه القوانين ليست لوائح إداريّة، بل توجيهات تُساعد كلّ واحد على السلوك المسيحى الصحيح، ليكون الجميع فى سلام ومحبّة وسعادة.
أطلب من الأطفال أن يضعوا لأنفسهم لائحة داخليّة، يُحدّدون فيها المسموح والممنوع فى حياتهم الجماعيّة. هكذا مثلاً: “التوقّف بمجرّد سماع الجَرس أو العلامة، الحرمان من اللّعب فى حالة الغشّ أو الشَغب، عدم الكلام فى وقت الراحة والنوم…الخ”.
يجب ألاَّ تهبط هذه القوانين على الأطفال آلياً من أعلى، من الرئاسة، وأنما من الأفضل كثيراً أن يصيغها الأطفال بأنفسهم، وأن يكملوها تذريجيّاً. وإجعلهم يشتركون فى الحُكم على مخالفيها.
سيتمسّك الأطفال بالقرار الذى يتّخذونه بأنفسهم، أكثر بكثير ممّا يُقرّره المسؤول أو القائد بدونهم. فالإنسان يتمسّك أكثر وأفضل بما يَصدر عنه.
ضَع أمام الأطفال أهدافاً ساميّة يحقّقونها. لا تخشَ من أن تُثير فيهم الحماس لذلك. ولكن احذر المبالغة والخيال، لئلاَّ تكون العاقبة والإحباط والفشل.
لن يتغيّر العالم من يومٍ إلى آخر. لا بدّ من العمل والجهاد والتضحية حتّى نهاية العالم. فتدرَّب، ودرّب الأطفال على الصبر والثبات والثقة.
علّم الأطفال ألاَّ ينزعجوا من عدم الوصول إلى نتائج سريعة، واعمل على تنمية روح الإيمان فيهم. قُل لهم كثيراً: “يجب ان نعمل ما نؤمن به، وإن كنّا لا نرى له فوائد ماديّة منظورة…. الصلاة والتضحية مفيدة دائماً…. خير مكافأة هى الإحساس بالرضى والسلام والفرح الباطنى، فى الخدمة الأمنية، والمشاركة فى العمل الجماعى، والاشتراك فى عمل الله”.
ثِق أنك بتكوين قادة، تفتح أمام الأطفال سُبلاً أفضل للثبات، وتُهيئ للكنيسة رُسلاً مُدرَّبين، وتُعطى لعمل الذى تقوم به بنيه قوّية، هى أكبر ضمان للدوام والاستمرار والتجدّد.