stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الموارنة الكاثوليكمؤسسات تكوينية و تعليمية

كلمة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال الندوة الدولية” التعليم العالي الكاثوليكي بلبنان والشرق الاوسط”

839views

جامعة الروح القدس – بالكسليك ، 18 سبتمبر  ٢٠١٨

كلمة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي

موقع البطريركية المارونية

”التعليم العالي الكاثوليكي في لبنان والشرق الأوسط: تعزيز الرسالة والريادة في الإبتكار“

”مسؤوليَّة التعليم العالي الكاثوليكي في بناء مستقبل لبنان والشرق الأوسط“

مقدّمة

”التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم.“

1. انطلاقاً من هذا القول لنيلسون مانديلا، وهو النموذج الأوّل للمقاومة الثقافيَّة والسياسيَّة ضد القمع والظلم، أنني لمقتنع أننا بحاجة ماسّة لتغيير العالم الذي نعيش فيه وبخاصّة لبنان والشرق الأوسط من جهة، وتجديد نظام التعليم وبخاصة التعليم العالي لتحقيق هذه الرسالة من جهة أخرى.

2. وإزاء هذا التحدّي الكبير، أتمنّى النجاح لهذه الندوة التي تسعون من خلالها إلى تعزيز وتعزيز الرسالة المحدّدة للتعليم العالي الكاثوليكي، وإلى ضمان دورها الريادي في مجالي الأبحاث والابتكارات. أنّني أهنّئ جامعة الروح القدس – الكسليك لمبادرتها بتنظيم هذه الندوة العالميَّة بالتعاون مع رابطة الكليات والجامعات الكاثوليكيّة (ACCU) والاتّحاد الدولي للجامعات الكاثوليكيّة (FIUC)، ومؤتمر رؤساء الجامعات الكاثوليكيّة في لبنان (CRUCL). وأشكر أيضاً الأب البروفسور جورج حبيقة، رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك على دعوتي للمساهمة في موضع البحث هذا كجزء من افتتاح هذه الندوة.

تشمل مداخلتي نقطتين أساسيتين: التعليم كرسالةٍ والتعليم كابتكارٍ.

1) التعليم كرسالة للعالم

3. إعتبر المجمّع البطريركي الماروني الذي انعقد بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٦ أنّ التعليم يشّكل جزءًا أساسيّاً من رسالة الكنيسة، وبالتالي كرّس نصّين بما يخص هذه المسألة : الأوّل حول ”التعليم العام والتقني“ والثاني حول “التعليم العالي”. وفي خلاصة النصّ حول التعليم العالي نجد تأكيداً على ارتباط التعليم ورسالة الكنيسة العالمية ارتباطاً وثيقاً: ”التدريب من أجل الآخرين ومن أجل خدمتهم؛ هذا هو المبدأ الأساسي الذي نستنتجه من دراسة العلاقة بين الموارنة والتعليم العالي في القرون الماضية واليوم أيضاً والذي نعتمده كدرس ثابت.“ وبحسب المجمّع الماروني، هكذا نفهم “الانجازات الكبرى التي حققها طلاب كل من المعهد الماروني في روما (الذي تأسس عام ١٥٨٤) ومعهد عين ورقة (الذي تأسس عام ١٧٨٩) ودورهم الريادي في النهضة الثقافية في لبنان والعالم العربي، في ضوء الرسالة التي ركزوا عليها بروح مسيحية منفتحة ما أدى بهم إلى التحلق والانطلاق من المجتمع إلى الفضاء الوطني والتألق من لبنان نحو البلدان المجاورة وسائر الشرق.“

4. ويذكّر البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون ببعد التعليم التبشيري في منشوره البابوي ”الأمم والمعلم“ (أي “Mater et Magistra”) سنة ١٩٦١ حيث يقول ”يجب أن يولد التعليم المسيحي عند المسيحيين وعياً يرتكز على القيام بالنشاطات الاقتصادية والاجتماعية تبعاً للتعاليم المسيحية.” فبالنسبة له، تعتمد الكنيسة على تعليم اتباعها لتأمين “ازدهاراً وحضارةً بأبعادها المتعددة وفي مختلف عصورها.“

5. ويمكننا الاستنتاج أنّ رسالة المؤسسات الجامعية الكاثوليكيّة لا تقتصر فقط على توفير تعليم جيّد لشباب اليوم كي يتمكنّوا من إيجاد مكانًا لأنفسهم في عالم العمل وكسب العيش الكريم، بل يجب أيضاً تنشئتهم لكي يتمكّنوا من المساهمة في تحويل مجتمعاتهم وبناء ”حضارة الحبّ“. ووفقاً لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية والتقليد الماروني العلماني، يشكل التعليم الجامعي أوّلاً تنشئة لشخصيّة الطلّاب كي يصبحوا العناصر الفعّالة للتغيير الاجتماعي، وفقاً لقيم الإنجيل والمملكة.

6. ومن جهّة أخرى، إنّ إعلان المجمّع الفاتيكاني الثاني حول “التعليم المسيحي” يحث الجامعات الكاثوليكيّة على دراسة المشاكل الجديدة الناتجة عن تطوّر العالم الحديث بعنايةٍ وبوحدة بين الإيمان والعقل. وبهذه الطريقة، سيتم تحضير طلّاب هذه المؤسسات على أن يصبحوا أشخاصاً بارزين من خلال علمهم، وجاهزين لتحمّل أصعب المهام في المجتمع، وبالوقت عينه أن يكونوا شهداء للإيمان في العالم“ (n.10). في الإطار نفسه، قال البابا فرنسيس ”إن الجامعات هي أماكن تتمتّع بامتياز التفكير وتطوير هذا الالتزام بالتبشير بطرق متكاملة ومتعددة المجالات“ (الإرشاد الرسولي فرح المسيح Evangelii Gaudium، ٢٠١٣، النّص ١٣٤)
2) التعليم كابتكار لمستقبل منطقتنا

7. إنّكم مجتمعون اليوم في لبنان ـكـ مسؤولي التعليم العالي الكاثوليكي في المنطقة وفي العالم، للتفكير معاً حول مسألة تطوير مهمّة ورسالة مؤسساتكم. وأدعوكم، في ظلّ تعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة، إلى التأكّد أنّ مهمّتكم هي في صميم رسالة الكنيسة العالميّة، فيما يخصّ تجديد العالم من خلال الديناميكيَّة وعمل للروح القدس المستمر الذي يغيّر حياة الشباب بحيث يصبحون أداة للنعمة ولتغيير العالم. لذلك من الضروري أن يتوجه طلابنا نحو مهن المتعلقة بالصحة والهندسة والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والتكنولوجيا وعلوم الكمبيوتر والمعلومات والاتصالات ، بدلاً من اللاهوت والعلوم الدينية.

أود هنا أن اقترح أربع قيم أساسية في رسالة التعليم العالي في المنطقة وفي المساهمة تجديد مجتمعاتنا كمكان للحياة، والإزدهار والكرامة. يمكننا طرح هذه القيم الأربعة بمعادلة ذات حدين: الحرية والتضمن من جهة، والتعددية والمواطنة من جهة أخرى. وليس بعيداً عن هذا التأمل، ادعوكم أن تستوحوا من المنشور الحديث الصادر في العام ٢٠١٧ عن مجمع التعليم الكاثوليكي تحت عنوان: ”Eduquer à l’humanisme solidaire: Pour construire une ‘civilisation de l’amour“

أ)الحريّة والتضامن

9. إنّ الحريّة أساس كلّ القيم وهي الطريق نحو الحقيقة. وبفضل هذه الحريّة، تتطوّر العلوم باستمرار من خلال الشكّ والأسئلة والنقاشات المنطقية. وبفضل هذه الحرية، يأخذ الشباب القرارات المهمّة ويوجّهون حياتهم نحو خدمة الخيّر ليصلوا إلى الالتزام الجزري في الحياة الدينيّة. وبفضل هذه الحريّة، يساهم الشباب ديموقراطيّاً في تطوير إدارة مجتمعاتهم السياسيَّة. لذلك، فدور الجامعات تعليم الطلّاب التفكير بحريّة والتمتع بالتفكير النقدي كي يتمكّنوا من تخلص الاغراءات، والشعوبية و الأصوليّة، أكانت سياسيّة أو دينيّة .

10. ولكن يجب أن يتعلّم الشباب أيضاً أنّ الحريّة الحقيقيّة لا يمكن أن تعاش بالأنانيّة، بل بالتضامن وخدمة الآخرين. وخلال زيارته لجزيرة لامبيدوسا تضامناً مع اللاجئين في ٨ تموز ٢٠١٣، شجب البابا فرانسيس بشدة ما أطلق عليه إسم ”عولمة اللامبالاة“. وفسّر قائلاً: ” إنّ ثقافة الرفاهية، التي تقودنا إلى التفكير بأنفسنا، تجعلنا لا نتعاطف مع أوجاع الآخرين وتجعلنا نعيش في فقاعات الصابون، وهي جميلة، ولكنها لا تساوي شيئاً. إنّها وهم باطل ومؤقت يدفعنا إلى اللامبالاة تجاه الآخرين ، وحتى إلى عولمة اللامبالاة.“ أنّني أعتقد أنّه دور الجامعات الكاثوليكيّة أن تساعد الشباب ألا يجعلوا من حريّتهم “فقاعة صابون”، بل أن يعيشوا هذه الحرية كهبة أعطت لهم وتدفعهم إلى النضال من أجل العدالة وخير الجميع.

ب) التعددية والمواطنة

11. توّلد الحريَّة التعدديَّة. ولكن تشكّل التعددية في أنٍ وحد فرصةً وتحدياً لمجتمعاتنا المعاصرة وبخاصةٍ في الشرق الأوسط. فنحن نتعلق اليوم بالتعددية أكثر فأكثر، وذلك بعد ظهور الأثار المدمرة التي نتجت عن الأصولية الارهابية التي تحتقر وتضطهد كل ما لا يتوافق معها. يعتمد مستقبل مجتمعاتنا على قدرتها على العيش وتعزيز المواطنة التي تشمل التنوع. للعيش معاً اليوم، يجب تجاوز التسامح الذي قد يكتفي بالإعتراف بالآخر المختلف والمتعالي؛ ويجب تعزيز التنوع كونه حق وفرصة للإثراء الشخصي والاجتماعي.
يشير منشور مجمع التعليم الكاثوليكي المذكور أعلاه ”التربية من أجل الإنسانية المتناغمة“ ”إن امتلاك القدرة على رمي كل أسس أي حوار سلمي للسماح بالتقاء التنوع بهدف بناء عالماً أفضلاً هي من طبيعة التعليم. فهو أولاً عملية تعليمية يتجذر فيها البحث عن تعايش سلمي ومثري في مفهوم الإنسان ذي أكبر نطاق ممكن – في توصيفه النفسي والثقافي والروحي – إلى أبعد من أي شكل من أشكال الأنانية والتعصب الإثني، بحسب مفهوم التنمية المتكاملة والمتعالية للإنسان وللمجتمع“ (رقم ١٥).

خلاصة
12. وفي الختام، فقد عانت منطقتنا كثيراً من العنف الذي حاول مراراً وبطرق مختلفة خنق الحريّات فيها وإلغاء التعددية. ولكن تظهر منطقتنا بفضل صوت شبابها رغبةً في عيش هذه القيم واستعادة كرامتهم. نؤمن بالحياة وبأن المسيح أتى ليفيض علينا (يو ١٠:١٠) وسيقاوم محاولات الموت هذه. ونعتمد أيضاً وقبل كل شيء عليكم، لجعل مؤسسات التعليم العالي الكاثوليكية واحات يعيش فيها طلابنا ويختبرون هذه القيم ويكتسبون مهارات ضرورية لإثراء حياتهم على الصعيد المهني والاجتماعي والروحي والدولي.