كلمة صاحب النيافة الانبا دانيال في سيامته الأسقفية
نعمةٌ ورسالةٌ
الذي به، ولأجل اسمه، قبلنا نعمة ورسالة ( رو 1 : 5 )
صاحب الغبطة بطريركنا المكرَّم جزيل الاحترام الأنبا إبراهيم
أصحاب النيافة المطارنة والأساقفة أعضاء السينودس البطريركي
حضرة صاحب النيافة رئيس الأساقفة المطران برونو موزارو القاصد الرسوليّ بمصر
حضرة المونسينيور جان سكرتير سفارة الفاتيكان بمصر
الآباء الأجلاّء القمامصة والكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة
الحضور الكريم
أشكر إلهي الذي دعاني لهذه الخدمة، فلستُ الأفضل بين إخوتي، لكن من أجل إتمام عمل الله فيّ، دعاني وأرسلني إلى ههنا إلى إيبارشية الإسماعيليّة وتوابعها. جئتُكم مثلَ إناءٍ خزفي أحملُ لكم نعمةً ورسالةً، كما كتب القديس بولس لأهل رومية في مطلع رسالته لهم بوحي إلهي قائلًا: “الذي به، ولأجل اسمه، قبلنا نعمةً ورسالة لإطاعة الإيمان وتبشير الأمم” (1/5). ومن هذه الآية المباركة أخذتُ شعاري للخدمة الرسوليّة الجديدة في الكنيسة، “نعمةً ورسالةً” بالمسيح ولأجلِه قبلتُهما وأرغبُ بكلِّ الحبِّ والتواضعِّ أن نشتركَ معًا، كالجسد الواحد، في النعمة والرسالة.
فبالمسيح ولأجله نقَبلُ النعمةَ لنكونَ مسيحيّين، ونقبلُ الرسالةَ لنعيشَ مسيحيّين. ومن أسئلةِ التنشئة للتعليم المسيحيّ التي نشأنا عليها:
س: أمسيحيٌّ أنت؟
ج: نعم بنعمةِ اللهِ أنا مسيحيٌّ
س: وماذا يعني لكَ أنكَ مسيحيٌّ؟
ج: يعني لي أن أقبلَ المسيحَ يسوع فاديًا ومخلّصًا. وأن أتبع تعاليمَه وأحياها، وهي أن أحب الله والناس دون تفرقة وأن أسعى لعمل الخير للجميع لأرث الحياة الأبديّة.
لا رسالة بدون نعمة كما لا نعمة بدون رسالة
لا أقصد هنا رسالة الأسقف فقط، بل كل إنسان أراده الله للوجود هو رسالة من الله لنفسه وللآخرين، يكتشف بنعمة الله دعوته ورسالته في العالم. الله تعالى يعمل من خلال الأشخاص، ليحقّق الخير والسعادة من خلال اختياراتنا المصيريّة واليوميّة.
الزواج والعائلة نعمة ورسالة، التكريس والخدمة الكنسيّة نعمة ورسالة، وكل علاقة ناضجة وبنّاءة هي نعمة ورسالة…
أشغالنا التي نشتغلها هي رسالة ولكلٍ منها نعمةٌ من الله حتى نستطيع إتمامها، للطبيب رسالة، وللمعلّم رسالة، للعامل رسالة للحرفي والفنان رسالة.
أمّا النعمة التي يهبها الله لكلٍّ منا، دائمًا يسبق فيملأنا منها قبل أن يرسلنا، هكذا أعلن الملاكُ لمريم العذراء أنّها ممتلئةٌ نعمةٌ، قبل أن يبشّرَها برسالتِها الخاصّةِ والفريدةِ لأن تكونَ أمَّ المسيح مخلّصِ العالمِ. وهكذا تتحقّق إرادة الله، فينا وبنا، وهي أنّ الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون.
كثيرون يتعثّرون أمام رسالتِهم ودعوتِهم في الحياة، فنجدهم يخفقون أو يبدو عليهم الفشل…، والسبب الحقيقي وراء هذا الإخفاق أنّهم ركّزوا على الرسالة ومهامها وصعوباتها أكثر من اكتشافهم للنعمة والمواهب المساندة لرسالتهم.
أمّا سيدنا الحبيب جزيل الاحترام نيافة الأنبا مكاريوس توفيق فقد أعطى لنا مثلًا حيًا حقّق في خدمته الرسوليّة النعمة والرسالة، أتذكّر سيدنا مكاريوس منذ خمس وعشرين عامًا مضوا حين أُنتخب مطرانًا للإسماعيليّة، وكنتُ وقتها أؤدّي الخدمة العسكريّة هنا في الإسماعيليّة. وقتها نظر نيافته للرسالة الموكَلة إليه إنّها شاقة وأنّه غير جدير بها لظروفِه الصحيّة، لكنّه كما كان يعلّمنا في الإكليريكيّة كمرشد روحيّ لقسم التمهيديّ. بحتمية وضرورة التسليم لإرادة الله وأنّ النعمة لن تفارق المُرسَل حامل الرسالة طالما يطلبها ويتمسّك بها، فكان نيافته طوال الخمس وعشرين سنة نعمة ورسالة لإيبارشيّته وللكنيسة في مصر… عمل الله من خلاله عملاً عظيمًا نشهد كلّنا له. فشكرًا لنيافتكم سيدنا على تعب محبتكم ولا نستطيع بكلمات أن نوفيكم التقدير والحب، ستظلّون مثلًا وقدوةً وأبًا ومعلّمًا لي شخصيًّا وللإيبارشيّة كلّها… باسم كهنة وخدام وشعب الإيبارشيّة أقدِّم لنيافتكم جزيل الشكر.
وها أنا اليوم بينكم أقبل النعمة والرسالة لخلاص نفسي وخلاصكم لنعمل معًا بالمحبة والحق ما ينبغي أن نعمله، وبالحوار والإصغاء يمكننا أن نصنع نهضة روحيّة وإيمانيّة. أقتبس من كلمة قداسة البابا فرنسيس أثناء افتتاح السينودس الخاصّ بالشبيبة أكتوبر 2018 “لنعمل معًا بالحوار والإصغاء، الحوار الصريح والمنفتح على الرأي والرأي الآخر. الحوار المهذّب الحوار صاحب الرؤية والحلول… بجانب الإصغاء بمحبة وبتواضع، إنّما الثرثرة غير المفيدة، والشائعات، والاتّهامات، والأحكام المُسبَقة ليست بنّاءة. مؤكدين على هويتنا القبطيّة الكاثوليكيّة، قبطيّة أي نحمل تقاليد الكنيسة المصريّة ونحيا الإيمان المسيحيّ الكاثوليكيّ”.
واجب الشكر:
أولًا: لله تعالى الذي خلقني ودعاني وعمل معي ويريد أن يعمل أيضًا من خلال ضعفي.
ثانيًا: لعائلتي لأبي وأمي مَنْ منحوني الحياة وأشبعوني بالحب وأطعموني الإيمان وغمرتني فضائلهم فنبتت في قلبي بذور الدعوة على أيديهم. رافقوني دائمًا بمثلهم الصالح والآن هم يشاركوني فرحة روحيّة من السماء، أشكرهما من أجل تعبهما وتضحيتهما التي بلا حدود . كانا لي مثلاً وقدوة في الإيمان والمحبة والرجاء والعطاء والبذل. وأشكر أيضًا إخوتي أحبائي الذين رافقوني دائمًا بمحبتهم ودعمهم لي كأخ أكبر وأيضًا كصديق وصاحب لهم.
ثالثًا: للكنيسة التي قبلت دعوتي وأعطتني التكوين والاهتمام و المجالات اللازمة للنمو في الخدمة، على رأس الكنيسة قداسة البابا فرنسيس وغبطة أبينا البطريرك وأصحاب النيافة الآباء المطارنة وأخصّ بالشكر سيّدنا نيافة الحبر الجليل سيّدنا كيرلس وليم مطران إيبارشيّتي أسيوط العامرة لمحبته ودعمه وكل سنوات الخدمة طوال 32 سنة. أدام الله حياتكم وصحتكم يا سيدنا.
رابعًا: أشكر كل اللذين اهتموا وحضّروا لهذا اليوم، لقد لمست محبتكم الشديدة سواء في أسيوط أو هنا في الإسماعيليّة.
خامسًا: أشكر كل اللذين حضروا وأتوا من مدن وقرى بعيدة ليشاركوني احتفال اليوم. إخوتي الكهنة والرهبان وأخواتي الراهبات ومن شعب أسيوط الحبيب ومن كل الرعايا التي خدمت بها. أشكر إصراركم على الرغبة في المشاركة ولم يمنعكم الوقت أو المسافات من حضوركم المحبوب.
أشكر شعب الإسماعيليّة الكريم على محبتكم الفيّاضة وحُسن استقبالكم الذي شَعُرت به من ترحيبكم العميق بشخصي واستقبالكم الغامر لي دعمتموني معنويًا … أشكر استعدادكم الطيب.
أخيرًا إخوتي وأبنائي آباء مجمع إيبارشيّة الإسماعيليّة الأفاضل، أشكركم لمحبتكم وأشكركم وأسعد بأن أكون خادمًا لكم ومعكم. فلنستعد ليعمل الله فينا عملًا عظيمًا.
أختم كلمتي بصلاة تسليم الذات
أبتِ إني أسلِّم لكَ ذاتي، فافعل بي ما تشاء
ومهما فعلت بي فأنا شاكرٌ لك
إني مستعد لكلّ شيء وأرتضي بكلِّ شيء
ليس لي رغبة أخرى يا إلهي سوى أن تكمّل إرادتك فيّ وفي جميع خلائقك.
آمين
الإسماعيلية
في 30 مسرى 1735 ش – 5 سبتمبر 2019م
الأنبا دانيال لطفي
مطران إيبارشية الإسماعيلية وتوابعها