stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

كم تأثرت بالمزمور الرابع _ القديس أغسطينوس

715views

وبينما اقرأ مزامير داود، تلك الاناشيد الإيمانية والترانيم التقوية التي من شأنها ان تخفض روح الكبرياء، كم وكم صعدت اليك من ‏هتافات! ‏

واذ كنت مبتدئاً في حقيقة حبك فقط شاطرني اليبوس، المرشح مثلي لقبول سر العماد، اللهو المرح الريفي ومعنا امي، امرأة في ‏مظهرها ورجل بايمانها، عجوز في رصانتها وام في حنانها ومسيحية في تقواها! ‏

كم وكم صعدت نحوك من هتافات اثناء قراءتي المزامير وايَّ حب لك متقدٍ لم اقتبس منها، وتمنيت لو اني تلوتها بما امكنني من ‏حماس، للعالم بأسره لكي ادحض مزاعم الجنس البشري … ‏

تمنيت لو اراهم هنا بقربي يرقبون على غير علمٍ مني، اشارات وجهي ويسمعون نبرات صوتي اثناء قراءتي الهادئة للمزمور ‏الرابع فيدركون تأثير ذلك المزمور عليَّ: ‏

‏”في دعائي اجبني با إله بري، في الضيق رحبت لي فارحمني يا سيدي واسمع صلاتي” (مز 4: 2).‏

‏ اضطربت خوفاً ثم رجوت بحرارة وغبطة رحمتك، ايها الآب. ‏

وكل ذلك بدا في عيني وعلى وجهي حين وجَّه الينا روحك الصالح كلامه قائلاً: ‏

‏”حتى متى تظل قلوبكم مثقلةً يا بني البشر، تحبون الباطل وتبتغون الكذب”‏

أوَّاه ! نعم لقد احببت الباطل وابتغيت الكذب. ‏

اما انت يارب فقد جعلت “صفيَّك معجزة” إذ اقمته من الموت واجلسته من عن يمينك (أف 20:1) لكي يرسل من السماء من وعد ‏به “البارقليط، روح الحق”. لقد ارسله ولم اعرف عنه شيئاً: ارسله لأنه تمجَّد وقام من الأموات وصعد إلى السماء. لم يعطَ الروح ‏سابقاً، لأن المسيح لم يكن قد مجِّد. ‏

وها ان النبي يصرخ: “حتى متي تظل قلوبكم مثقلة، تبتغون الكذب وتحبون الباطل؟ اعلموا ان الرب جعل صفيَّه معجزةً”. وها انه ‏يصرخ بنا: “حتى متى، ثم اعلموا” وانا جهلت كل شيء مدة طويلة. لقد احببت الباطل وابتغيت الكذب ولهذا اضطربت لدى سماع ‏هذا المزمور متذكراً انني كنت على مثال اولئك الذين عناهم هذا التحذير … إن الأشباح التي ظننتها حقيقة هي مجرد أوهام. ‏

أواه! كم صعَّدت من زفرات حين تذكرت ماضيَّ الأليم. يا ليتَ الذين يحبون الباطل يسمعونها اليوم ويبحثون عن الكذب، علَّهم منه ‏يخافون. فيتقيَّأون ضلالهم وتستجيب صراخهم لأن من يشفع بنا قد مات حقاً عنا بالجسد. ‏

قرأت “اسخطوا ولا تخطأوا” فاثرت فيَّ حقاً هذه الكلمات، يا إلهي، انا الذي تعلَّمت ان اسخط على ذاتي بسبب ماضيَّ كيلا اخطأ ‏فيما بعد. انه لسخطُ شرعي، لأن الطبيعة التي استخدمتني للخطيئة لم تكن طبيعة من طباع الظلمات كما يدعي من لا يسخطون البتة ‏على انفسهم بل يدَّخرون لأنفسهم غضباً ليوم الغضب واعتلان دينونة الله العادلة (رو 5:2). ‏

ليست خيوري خارجية عني ولست ابحث عنها تحت هذه الشمس بعينين لحميتين. الذين يزعمون ان باستطاعتهم ان يجدوا غبطتهم ‏خارجاً عنهم، يسيرون بسهولة نحو الفناء ويضيعون في المرئيات والزمنيات التي لا تلمس منها افكارهم المتضوِّرة جوعاً سوى ‏الصور. ‏

أواه! ليتهم يتعبون من الفراغ ويقولون “من يرينا الخير” (مز 6:4) فنجيبهم، ويسمعوننا نقول لهم: “طبعتَ نور وجهك علينا ايها ‏الرب علامةً”‏

انما لسنا نحن النور الذي يضيئ كل انسان، بل بك ننير نحن، الذين كنا من قبلُ ظلمة فاصبحنا بك نوراً. ‏

أواه! ليتهم يرون في داخلهم هذا النور الأزلي الذي اخشى من ان اعجز عن اظهاره لهم! ليتهم يقدمون لي قلبهم – المُبعد عنك ‏والكامن بأسره في انظارهم المحولة نحو الأشياء الخارجية – قائلين: “من يرينا الخير؟” لأنه هناك (في أعماق قلبي) سخطت على ‏ذاتي، اجل هناك في هذا الإختلاء السري وقد مزقني النَدَمُ، ذبحت وضحيت فيَّ الإنسان العتيق، هناك، حيث عمر قلبي الرجاء بك ‏اخذت أُعدُّ نفسي لتجديد تام، ناجز. ‏

هناك (في أعماق قلبي) ذقت للمرة الأولى حلاوتك ‏

وهناك “انشأت فرحاً في قلبي” (مز 7:4). ‏

وبعد هذه القراءة الخارجة عني المتحققة في داخلي، أبيت أن اضيّع نفسي بين الخيور الأرضية، ألتهم الزمن ويلتهمني طالما ان ‏لي من البساطة الازلية سواها من “الحنطة والخمر والزيت”. ‏

وصرخت بقوة لدى وصولي إلى العدد التالي القائل:”آه، في سلامه! آه في جوهره عينه! سأنام وسأذوق النوم”. ومن يفكر ‏بمعارضتنا حين نحقق ما قد كتب: “ابتُلع الموت بالغلبة” (1 كو 15). انك حقاً ذاك الكائن عينه، انت يا من لا تتغيَّر. فيك الراحة ‏التي تنسينا كل تعب. ان لا احد سواها يقيم معك، ولن ابحث من ثمَّ عن سواها من الأشياء التي ليست انت أيها الرب يا من ‏وحدك”تسكنُني في طمأنينة” (مز 9:4). ‏

كنت اقرأ واتحرَّق ولم اجد السبيل الواجب سلوكه تجاه هؤلاء الموتى الخرس (المانويين) الذين كنت سابقاً من مصافهم، أنا الآفة ‏والكلب الأعمى العائج ضد كتبك التي تقطر عسلاً سماوياً، ومنها يسطع نورك، وكنت افني ذاتي بالتفكر باعداء كتبك المقدسة. ‏

ومتى استعيد في ذاكرتي كل ما جرى خلال ايام العطلة؟ ما نسيتُ قطّ ولن اصمت عن قساوة سوطك وسرعة رحمتك العجيبة!‏

المرجع: اعترافات أغسطينوس، إصدار دار المشرق، الباب التاسع