stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

سينودس 2023

كيف نصل الى التمييز الجماعيّ؟

525views

ماركو إيفان روبنيك، التمييز. الجزء الثاني كيف نبقى مع المسيح، ليبا، روما 2001، 123- 131.

ترجمة المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر

هناك هدف آخر للتمييز في هذه المرحلة الثانية في الجماعات المسيحيّة، غالبًا ما يكون العمل الرعويّ، والرسالة، والأولويّات الرسوليّة (إغلاق أو فتح جماعة في مكان معيّن، وتولي مهمّة رعويّة، وترك أخرى، وما إلى ذلك). ولهذا السبب، عدنا إلى الحديث عن التمييز الجماعيّ، لأنّنا نريد أن تشارك الجماعة بأسرها في الخيارات المتّخذة.

ولا يعني التمييز الجماعيّ، بالمعنى الدقيق للمصطلح، الوصول إلى الاختيار بإضافة التمييزات الفرديّة، ولكن أن تُعرف الجماعة كجسد حيّ، وأنّ الأشخاص الذين يكوِّنونها يخلقون شركة بين القلوب، بحيث يمكن للروح أن يظهر ويُدركوه بصفته شركة الأشخاص، ووحدة التفاهم.

يعتمد التمييز الجماعيّ على المحبّة التي تعيش فيها الجماعة. المحبة الأخويّة باب المعرفة. المحبّة هي المبدأ الإدراكيّ. لذلك، إذا كان المرء حقّا يعيش في المحبّة ولا يفكّر فيها فقط، يصبح في حالة متميّزة لمعرفة الوقائع الروحيّة وللإبداع. ينمو الحدس والقدرة الإبداعيّة والابتكاريّة بشكل مثمر بالمحبّة فقط. ثمّ يمكن للجماعة أن تكون أكثر يقينا بأنّها على طريق مشيئة الله الذي يفهمها ويعرفها ويستجيب، إذا تميّزت بأنّها جماعة، على وجه التحديد بسبب المحبّة الأخويّة. وبالتالي فإنّ التمييز الجماعيّ ليس مجرّد نقاش حول موضوع ما، أو تفكير توجيهيّ وتبادليّ؛ فلا يتحرّك التمييز الجماعيّ على إحداثيّات التقييم الديمقراطيّ، مع عمليّات التصويت المعتادة في البرلمانات.

مقدّمات التمييز الجماعيّ
بعض المقدّمات ضروريّة من أجل تحقيق التمييز بالمعنى الحقيقيّ:

• وينبغي أن يكون جميع الأشخاص في الجماعة في مرحلة من الحياة الروحيّة تتّسم بجذريّة اتّباع المسيح، مع خبرة تفكيريّة للمسيح الفصحيّ. ولذلك يجب أن يكون أفراد الجماعة متعمّقين في المنطق الفصحيّ، وتدفعهم محبّة المسيح الحقيقيّة الذي يجب أن يكون الأوّل في قلوبهم. وإذا كان لا يزال هناك أعضاء لا يزالون ثابتين على حركات النفس المعتادة في المرحلة الأولى من التمييز، أي أنّهم ما زالوا في الطريق نحو خبرة أصليّة للمسيح في المصالحة، فمن الواضح أنّ التمييز لم ينفتح. وبالفعل، سيحدث أنّ الواقع نفسه سيكون جميلا لبعضهم وقبيحا للآخرين، كمياه موسى التي كانت نظيفة (حلوة) بالنسبة لليهود، وقذرة (مرّة) بالنسبة للمصريّين. فسوف يتمتّع بعضهم بالفعل بعقليّة أصدقاء صليب المسيح؛ وآخرون، على الرغم من أنّهم قد يستطيعون التحدّث بطريقة روحيّة تماما، إلّا أنّهم يعتبرون صليب المسيح حماقة. ومن الواضح بالنسبة للبعض، حتّى على نحو الخبرة والإيمان الثابت، أنّ مسيرة كلّ مشروع يجب أن تمرّ بالثلاثيّة الفصحيّة. يمكن للآخرين رفضها بشكل جذريّ. ولكن يمكنهم أيضًا أن يقبلوها بالكلمات، وفي الواقع يفكّرون كما لو كان المشروع يجب أن يتحقّق متجنّبين الثلاثيّة الفصحيّة.

• وينبغي أيضًا أن يتمتّع أفراد الجماعة بنضج كنسيّ، وضمير لاهوتيّ للكنيسة متحرّر من الحتميّات الاجتماعيّة والنفسيّة، من أجل فهم السلطة فهما حرّا، وبالتالي موقف حرّ تجاهها. في الحقيقة، الطاعة واقع لا ينفتح إلا في إطار الإيمان، بقدر ما يُعتقد أنّ إرادة الله الآب الخلاصيّة تأتي من خلالها، الذي يصل إلى كلّ شخص على أساس مبدأ التجسّد، لأنّ أساس إيماننا هو التجسّد. ويجب على الأشخاص، من حيث المبدأ على الأقلّ، أن يكونوا مستعدّين للدخول في صلاة ليتحرّروا من وجهات نظرهم وحججهم ورغباتهم.

• يتطلّب الأمر نضج الإنسان ليتمكّن من التحدّث بطريقة منفصلة وهادئة وموجزة. ويتطلّب الأمر النضج لكي نتمكّن من الاستماع حتّى النهاية، وليس للبدء في الردّ بينما لا يزال الآخر يتحدّث. ليس ظاهريّا فقط، بل داخليّا أيضا، والاستماع إلى النهاية. والنضج النفسيّ مثل القدرة على التفكير والتحدّث دون التفاعل مع محاورين آخرين، حتّى لا تستخدم كلمات مثل: “ولكن، أنا”، “أنا اعترض”، “أنا لا أتّفق”، “أعتقد”، “أتّفق مع”، وما إلى ذلك. ويجب تجنّب الجدال بين الأشخاص؛ لأنّه يشعل بسهولة شغف العقل ويؤدّي إلى الدفاع عن وجهة نظر المرء، بل وإلى المبالغة في وزن رؤية المرء نفسه أو تشويه رأي الآخر. وبهذه الطريقة لم يعد الأشخاص منفتحين، ويبدأون في الانغلاق على أنفسهم وعلى آرائهم، أو كحدّ أقصى في مجموعات صغيرة. ومن المؤكّد أنّ الجدال أكثرُ الطرق فعاليةً لمنع الانفتاح الروحيّ. لهذا السبب، من المستحسن المساعدة ببعض القواعد الصغيرة حتّى لا نقع في فخّ الجدال. يجب علينا جميعا أن نكون توّاقين نحو الربّ ومعه نحو غرض التمييز، متجنّبين العقبات العلائقيّة بين الأشخاص. كلّما تعثّرَ المرء بين الأشخاص، كان أقلّ سعيًا نحو الاتّجاه الصحيح.

• بالإضافة إلى ذلك، يتطلّب الأمر رئيسا، قائدا للجماعة قادرا على إتمام عمليّة التمييز. شخص يتمتّع بسلطة روحيّة، وليس بحكم منصبه، ويعرف ديناميكيّات التمييز، حتّى يتمكّن من توجيه العمليّة.

التحضير الفوريّ للتمييز الجماعيّ
• أوّلا، لا بدّ من أن يكون هناك شيء ينبغي تمييزه، لأنّه يجب أن يكون شيئا حقيقيّا، جيّد بشكل واضح، أي أنّه في روح الإنجيل وتعليم الكنيسة، ولكن قبل كلّ شيء يتعلّق بهذه الجماعة بطريقة وجوديّة وعميقة بحيث تعتمد وقائع كثيرة على هذا الاختيار. ولذلك يجب أن تكون مسألة تتعلّق بإرادة الله للجماعة.

• ويجب على الرئيس أن يستمع بشكل فرديّ إلى جميع أفراد الجماعة، لدعوة الجميع إلى البدء في عمليّة التأمّل والتحرّر، والتحقّق من أولويّة المسيح، ومحبّته، وما إلى ذلك. وفي نهاية المحادثات، يوضّح الرئيس موضوع التمييز بطريقة موجزة ومختصرة. بدون استخدام كلمات عاطفيّة، الكلمات التي يمكن أن تسهِّل تكوين أحزاب، ولكن بطريقة هادئة، إلى حدّ ما موجزة، يوضّح موضوع التمييز. ويقوم بذلك كتابةً، حتّى يتمكّن كلّ فرد من الجماعة من الحصول عليه، وقراءته، والصلاة والتأمّل فيه.

• من الأفضل تعزيز الانفراد في العمليّة التحضيريّة، دون عقد اجتماعات بشأن هذا الموضوع. إذا كان أعضاء الجماعة يتحدّثون عن ذلك فيما بينهم، هذا شيء جيّد، يجب تطبيق القاعدة التي يمكن التحدّث فيها فقط اثنين اثنين وعدم قول ما قاله لي شخص آخر، معلّقا أنّني أعتقد ذلك أيضًا، إلخ. يمكن فقط التعبير عن الرأي الخاصّ بالمرء والاستماع إلى رأي الآخر، دون نقل رأي الآخر إلى طرف ثالث ومناقشة رأيي بطريقة جداليّة مع الآخرين، أو إعطاء التقييمات حول الأشخاص. على سبيل المثال: “يبدو لي أنّ الرئيس لا يفهم جيّدًا”، “من الواضح أنّ الكثيرين في الجماعة لا يفهمون المخاطر”، إلخ.

• يقضي الأشخاص ساعة للصلاة كلّ يوم، ربّما وفقا لمخطّط المجلّد الأوّل، مع اختبار كتابيّ في النهاية للحصول على بعض الأدلّة على كيفيّة تحرّك النفس، وكيف يتمّ الشعور بالحركات الروحيّة. أمّا فيما يتعلّق بمضمون الصلاة، فهو تضرّع للروح القدس سواء للاستنارة أو النور أو الحرّيّة ومحبّة المسيح. ومن ثمّ التأمّل في سرّ المسيح الفصحيّ، من أجل استيعاب طريقته في التصرّف والتفكير والشعور والإرادة. ومن الأساسيّ الحفاظ دائمًا على البعد الكنسيّ أيضًا في الصلاة، بالنظر إلى احتياجات الكنيسة، وإرشادات التعليم فيما يتعلّق بالشيء الذي نحن على وشك اختياره. هذا مهمّ من أجل الجانب الأساسيّ من المسيحيّة، وهو تجسّد وتجلّي الواقع والتاريخ في المسيح.

• يمكن أيضًا استشارة شخص حكيم وفطن في طريقة المحادثة الروحيّة، بتحفّظ شديد.

كيف يتمّ التمييز الجماعيّ؟
• الرئيس، أو الشخص الذي يترّأس التمييز، يجمع الجماعة في الكنيسة من أجل الصلاة يقودها هو نفسه. صلاة للروح القدس، على خلفيّة صفحة من الكتاب المقدّس التي تتعلّق بطريقة ما بالشيء الذي يتمّ التمييز عليه. الصلاة تنصّ داخليّا على هذه المقاطع فيما يتعلّق بالتحرّر من إرادة المرء، وعقليّة الفصح، إلخ. هذا التأمّل الذي يُقام بشكل أساسيّ في صمت بعد مقدّمة الرئيس، يمكن أن يستمرّ حتّى نصف ساعة.

• ثمّ الاجتماع من أجل الحوار. يفتتح القائد العمليّة، ويشرح بطريقة موجزة موضوع التمييز، دون تعليقات ودون تأكيدات.

• اختيار شخص ليكون بمثابة سكرتير يدوّن كلّ ما سيُقال.

• الاستماع إلى آراء كلّ شخص، يُفضّل واحد تلو الآخر، في دائرة. الجميع مدعوّون إلى التحدّث بإيجاز وبهدوء، والتعبير عن الرأي الذي توصّل إليه بنفسه. ولا يستخدم أحد كلمات المواجهة والجدل مع الآخرين، ولكن يعبّر عن نفسه فقط فيما يتعلّق بموضوع الاختيار.

• وبعد الدور الأوّل، يدعو القائد الذي يتابع العمليّة بعناية ملاحظا أين يتحرّك التوافق، كلّ شخص للمشاركة في دور ثان يختار فيه كلّ شخص الرأي المقترح في الدور الأوّل الذي يبدو أكثر صوابا بالنسبة له، باستثناء الرأي الذي أعرب عنه هو نفسه. وعندما نتحدّث، يجب ألّا نذكر الشخص الذي أعرب عن الرأي والآن أنا الشخص الذي سيستكمل، ولكن ببساطة أقبل اقتراحه، وأشرحه بكلماتي، وربّما أضيف الأشياء التي تبادر إلى الذهن وتبدو مهمّة بالنسبة لي، بالنظر إلى ذلك الرأي. وبهذه الطريقة، تبدأ بعض الآراء في تشكيل توافق الكثيرين. وإذا كان ذلك الرأي قد أُعرِب عنه في البداية من خلال تأكيد واقعين، يحدث تدريجيًّا أنّ هذا الرأي، الذي يحظى بموافقة الكثيرين، يعمّق ويوسّع ويدمج الوقائع التي تجعل منه حقّا رأيًا صلبًا، وكاملاً على نحو متزايد، وتعبيرًا عن الجماعة.

• من الممكن تكرار هذه الأدوار عدّة مرّات، حتّى يكتمل التوافق عمليًّا.

• يختتم القائد الذي يلاحظ طوال الوقت المكان الذي يتشكّل فيه التوافق الروحيّ، بتحديد النتيجة بشكل جيّد، متسائلا عمّا إذا كانت الجماعة تتّفق على كيفيّة صياغة مضمون القرار. وبهذه الطريقة يمكن للجماعة أن تتأكّد من أنّ ما اختارته ليس تصريحا بواسطة أحد أعضاء الجماعة لأنّه يعرف كيف يتكلّم جيّدا، لأنّه مؤثّر، لأنّه يعرف كيف يكسب الجميع؛ لأنّه يعرف كيف يؤثّر على الجميع، بل لأنّ الاقتراح الأكثر روحانيّة قد نشأ؛ لأنّه يشكّل التوافق الذي هو العمل المثاليّ للروح القدس.

• وإن لم يكن التمييز بهذه السهولة، ولكنّ المسافات بين البعض بعيدة، فإنّ القائد يمكن أن يوقف العمليّة ويعيد الجماعة من جديد إلى الصلاة، صلاة للتحرّر من آرائهم ووجهات نظرهم. ثمّ يبدأ دورا جديدا.

• إذا لم تُستكمل العمليّة، فمن الأفضل بعد صلاة جديدة، أن نبدأ في الاستماع إلى كلّ مَن يقول المزايا الروحيّة فقط إذا اُختِير هذا الشيء، ثمّ السلبيّات أيضًا، ثمّ يمكن التوقّف مرّة أخرى من أجل الصلاة لاستئناف المزايا مرّة أخرى إذا لم يُختَر هذا الشيء وكذلك السلبيّات.

• بعد ذلك يقترح القائد خيارًا، ويناقش المزايا، ويشير أيضا إلى السلبيّات. بشأن هذا الاختيار، إذا كان الجميع في موقف حقيقيّ من التمييز، فينبغي التوصّل إلى التوافق. يتمّ فهم المزايا والسلبيّات هنا بشكل خاصّ على أنّها تتعلّق بزيادة تمسّك الجماعة بالمسيح، وطابع المسيح الأكبر للجماعة في جميع أعضائها، ووجود أكبر لخلاص المسيح في العالم من خلاله. يمكن التحقّق من كلّ ميزة أو سلبيّة بضمها مع ثلاثيّة المسيح الفصحيّة، لأنّ هذا هو طريق المعلّم وعروسه الكنيسة. التوافق هو توافق جماعيّ حقيقيّ. حتّى أولئك الذين رأوا سلبيّات أكثر من المزايا في هذا القرار، في النهاية ينضمّون إليكم ويتبنّون القرار، وهذا تمرين روحيّ حقيقيّ. في مثل هذه المسارات، أو ما شابهها، يمكن للجماعة أن تتأكّد من أنّ “قد حسن لدى الروح القدس ولديكم” (أع 15: 28).