لنصل إلى الله ليقينا شر صلاة الفريسي
لنصل إلى الله ليقينا شر صلاة الفريسي
نقدم نص إنجيل قداس الأحد بحسب الطقس الماروني الأنطاكي مع تعليق مقتبس من “نشرة الأحد” لرعية مرت مورا .
* * *
وقالَ أَيْضًا هـذَا الـمَثَلَ لأُنَاسٍ يَثِقُونَ في أَنْفُسِهِم أَنَّهُم أَبْرَار، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرين:
10 “رَجُلانِ صَعِدَا إِلى الـهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، أَحَدُهُما فَرِّيسيٌّ وَالآخَرُ عَشَّار.
11 فَوَقَفَ الفَرِّيسِيُّ يُصَلِّي في نَفْسِهِ وَيَقُول: أَللّـهُمَّ، أَشْكُرُكَ لأَنِّي لَسْتُ كَبَاقِي النَّاسِ الطَّمَّاعِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاة، وَلا كَهـذَا العَشَّار.
12 إِنِّي أَصُومُ مَرَّتَينِ في الأُسْبُوع، وَأُؤَدِّي العُشْرَ عَنْ كُلِّ مَا أَقْتَنِي.
13 أَمَّا العَشَّارُ فَوَقَفَ بَعِيدًا وَهُوَ لا يُرِيدُ حَتَّى أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ إِلى السَّمَاء، بَلْ كانَ يَقْرَعُ صَدْرَهُ قَائِلاً: أَللّـهُمَّ، إِصْفَحْ عَنِّي أَنَا الـخَاطِئ!
14 أَقُولُ لَكُم إِنَّ هـذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا، أَمَّا ذاكَ فَلا! لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يُوَاضَع، وَمَنْ يُواضِعُ نَفْسَهُ يُرْفَع”.
(لوقا 18 /9-14)
::: تأمّل من وحي الإنجيل :::
لِمَن يَتَوَجَّه إنجيل اليَوم؟
وجه يسوع أمثاله، على ما يبدو، إلى خصومه من فريسيين وصادوقيين… ولكن حين رويت فيما بعد في أوساط لا نجد فيها فريسيين، كيّف الرسل أمثالهم على التلاميذ (الذين يمكن أن يميلوا إلى عالم الفريسيين مثلنا). وتبدّل السامعين هذا بدّل معنى المثل في بعض المرّات.
ولكن التطوّر لم يلعب دوره في المثل الذي ندرس، وهذا برهان عن الطابع العتيق لهذا التقليد: “قال يسوع لبعض الذين…” أي للفريسيين. لا شكّ في انه لا يسمّيهم بصورة واضحة، أقلّه في هذا الموضع. لأنه سمّاهم باسمهم في مكان آخر ولم يراع شعورهم. قال يسوع للفريسيين الهازئين به: “أنتم تبرّرون أنفسكم عندَ الناس، لكن الله يعرف قلوبكم. رفيع القدر عند الناس رجس (موضوع كراهية) عند الله” (لو 16: 14- 15).
فلماذا لم يسمّهم هنا بوضوح؟ لأنه يرينا واحداً منهم على المسرح. هذا ممكن. ولكن لأن لوقا يريد أن يهدي هذا الخبر إلى كل “الفريسيين” (ونحن أيضاً) في كل العصور.
وبعد ألفَيْ سنة على قراءة الإنجيل، لم نحتفظ من كلمة فريسي إلاّ وجهة الإحتقار. لا شكّ في أنه كان هنا فريسيون أردياء. ولكن الفريسيين هم في البدء “قدّيسو” العهد القديم أي أناس متديّنون في العمق ربطوا حياتهم كلها بالله وبشريعته يدرسون تفاصيلها بمحبّة. هم يعرفون نفوسهم أنهم مدعوّون، شأنهم شأن كل يهودي، إلى العيش بحضرة الله القدّوس. ولكنهم شعروا أكثر من غيرهم أنه، إن كان الإتحاد بالرب شيء عجيب، فهو مخيف ويحمل متطلّبات قاسية. وفي أوقات الإضطرابات لن يتردّد بعضهم من أن يقدم نفسه لسيف الكفار ولا يهاب الموت. ولقد ظنوا في كل وقت أنهم يعبّرون عن إيمانهم بالله في حياتهم كلها. إنهم يمارسون الشريعة على أكمل وجه، بحيث لا يستطيع أحد أن يلومهم أنهم أهملوا فريضة واحدة من فرائض الشريعة. كانوا مثال التقوى، وكان الشعب يُعجب بهم ويحبّهم. وهذا ما جعلهم يؤثّرون عليه تأثيراً عميقاً.
ولكن لماذا يهاجمهم يسوع بكل هذا العنف؟ بسبب استعداد قلوبهم. وهذا ما يُجمله لوقا بكلمات لاهوتية سنفهمها في النهاية: يثقون بنفوسهم. يعتبرون نفوسهم أبراراً. لِهذا يُجيزونَ لأنفُسِهِم ما لا يُجيزوهُ للنَّاس، مُعتَبِرينَ أنفُسهم مُختاري الله الذين لا يحُقُّ لأحدٍ المَس بِهِم… ألا يَتَوَجَّه هذا الإنجيل إلَيْنا نحنُ أيضاً؟؟
لَستُ كَسائِرِ النَّاس …
شُكراً لَكَ يا ألله… شُكْراً لَكَ لأنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاس ! فَوَصاياكَ العَشر حَفِظْتُها عَنْ ظَهرِ قَلب…
أزورُكَ مَرَّةً في الأسبوع… وَ أمضي في بَيْتِكَ ساعَة، حَتَّى وَ لَوْ أجِدُكَ في مَنْزِلي، فَشُكراً لكَ.
أُتاجِرُ وَ أعْمَل، فَأرْبَحُ وَ أتَنَعَّم، وَ لا أتَذَمَّرُ كَجاري الذي لم يَتَمَكَّن مِنْ تأمين لُقْمَة عَيْشِهِ، لأنَّهُ كَسول ! فَشُكْراً لَكَ …
أعيشُ مَعَ زَوْجَتي وَ لا أميلُ بِنَظَري إلى سِواها، وَ لو كُنْتُ نَسيتُ أنَّها عَظْمٌ مِنْ عَظْمي وَ لَحمٌ مِنْ لَحمي… فَشُكْراً لَكَ…
لا أبْخَلُ بشَيءٍ على والِدَيَّ، وَ لو كُنْتُ أتَحاشى حُضورَهُما المُزعِج، فَهُم بِحاجَةٍ إلى مالٍ وَ طَعام، وَ هذا ما أُؤَمِّنهُ لَهُما…
لا أشتَهي مُقْتَنى غَيْري، فَأنا أعْرِفُ كَيْفَ حَصَلوا على مُقْتَناهُم… لَقَد سَرَقوه!
لا أحْلِفُ باسْمِكَ بالباطِل فَأنا دَوْماً على حَقّ…
لم أقْتُل يَوْماً أحَداً، وَمَنْ أساءَ إلَيّ، ﭐكْتَفَيْتُ بِتَشْويهِ سُمْعَتِهِ وَ قَطْعِ أرزاقِهِ…
لو كُنْتُ أملِكُ الوَقْتَ الكافي، لَقُلْتُ لَكَ مِنْ جَديد أنَّكَ أنتَ الرَّب إلهي، وَلا إلهَ لي غَيرَكَ… فَكَما تَرى يا رَبّ، أنا لَسْتُ مِثْلَ سِواي، وَ شُكْراً لَكَ…
ما رَأيُكُم بِهذه الصَّلاة؟؟ ألا تُشْبِهُ صَلاة الفِرِّيسيّ الذي ذَكَرَهُ الرَّبُّ في المَثَل ؟؟
وَ أعْتَقِدُ أننا جَميعًا نُصَلِّي هكذا صَلاة… كَم مِن مَرَّةٍ افتَخَرنا بِأنَّنا نَحفَظُ الوَصايا وَ نُجيدُ عَدَّها، وَ نحنُ لا نُحاوِلُ حَتَّى تَطبيقَها في حَياتِنا العَمَلِيَّة؟؟ كَم مِن مَرَّةٍ ذَهَبنا إلى القُدَّاس وَ شارَكنا في الصَّلَوات “على عيون العالم”، وَكَم مِن مَرَّةٍ خَرَجنا مِنَ القُدَّاسِ مُتَذَمِّرينَ لأنَّ الكاهِنَ أطالَ العِظَة، وَالجَوقَة أطالَت التَّرنيم… كَم مِنْ مَرَّةٍ ذَهَبنا إلى الكَنيسَةِ مُنزَعِجين منَ النُّهوضِ باكِراً…؟ كَم مِن مَرَّةٍ قَتَلنا الآخَرَ في قُلوبِنا، مُعتَبِرينَ أنَّنا دائِماً على حَقّ، فَفي البَيت لا إحتِرام بَينَ الزَّوجَين، وَنَراهُما يَتَغَنَّيانِ بالوَفاءِ بَعضهم لِبَعض، وَفي العَمَلِ أتَّهِم مَن هوَ أعلَى وَ أفضَل مِنَّا بالسَّرِقَةِ وَ الغِشّ، وَ في البَيت انزَعَجنا مِن أهْلِنا لأنَّهُم يُتعِبونَنا… لِنُصَلِّي إلى اللهِ لَيَقينا “شَرَّ” هذه الصَّلاة .
منقول عن وكالة زينيت العالمية