stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

ماذا كنت أفعل-الأب/ متى عابدين

911views

doingماذا كنت أفعل؟؟؟

 سؤال راودني كثيراً منذ ما سمعت خبر القبض عليه، ولم أجد إجابة حاضرة عنه، وأصبحت في حيرة بين حماسة قد تكون وقتية وبين أنني لم اختبر تلك الحماسة بالقرب من الأحداث… ماذا كنت أفعل؟؟؟ رأيت الحل الوحيد للوصول إلى إجابة واضحة وصريحة يملؤها الصدق مع الذات، هو أن أذهب أنا بنفسي إلى هناك…في طريقي فكرت في الكثير من الصعوبات التي قد تواجهني بالقرب من هذه الأحداث، أولها كيف أحتمل شدة الحزن التي أراها على وجوه الشعب الذي يرافقه، وخاصة أعرف ماذا كان يفعل معهم وكيف كان يجول صانعاً الخير مع الجميع، وصعوبة أخرى كيف أرافقه وسط الزحام الشديد الذي يُحدثه المرافقون له من هنا وهناك، بالطبع يأتي الكل ليعبر عن عرفانه بالجميل، ويتضامنوا مع من ساندهم في ظروف حياتهم المختلفة. بالطبع يأتي الكثيرون من شاهدوا الآيات التي صنعها، من حضروا سكب الماء وتحوله إلى خمر جيدة في عرس قانا الجليل، من رأوا المولود أعمي ويعود له البصر والبصيرة. ويأتي من شبعوا من الخمس خبزات والسمكتين، ومن كانوا عند قبر لعازر وسمعوه يصرخ لعازر هلم خارجاً. ومشهد دخول أورشليم والاستقبال الحافل وفرش الثياب أمامه أكد لي ما أفكر فيه. ولكن كل هذا لم يجعلني أتردد أن أذهب لأعرف ما هو موقفي أنا من كل هذه الأحداث.

                  وصلت إلى هناك سألت عنه أين هو الآن؟ قالوا لي أنه في بيت الوالي، وصلت هناك وياللعجب وجدت توقعاتي كلها خطأ تماماً وكأنه حلم مبخر، وأنا لم أشاهد أي إنسان يرافقه والجموع التي رافقته ليس لكي تنصفه أمام القضاء الظالم، بل جاءت تصرخ مؤيدة لصلبه وكان هذا قمة اندهاشي!!! ماذا صنع معهم؟؟؟ سوى شفى مرضاهم وأقام موتاهم، وأشبع جوعهم، وحررهم من سلطان أبيلس، وكان عجبي لا حدود له أثناء ما أتأمل كل هذه المشاهد، رايته يبكي.. هذا بطرس نعم بطرس!!! سألته ماذا يبكيك وأين باقي تلاميذه لماذا لم يأتوا إلى هنا؟؟؟  أزداد في البكاء وبصوت متقطع مملؤ بالآهات، يقول لي كلهم هربوا ويهوذا سلمه وأنا أنكرته. آه… أنت؟؟؟ كيف نسيت التجلي والثياب البيضاء ولاهوته العظيم وصوت أبيه يقول هذا أبني الحبيب له اسمعوا؟ وكيف نسيت الإعلان الإلهي الذي كشفه لك الروح بأنه المسيح أبن الله الحي؟ كيف نسيت ما رأيت من آيات وسمعت من تعاليم؟ وكيف نسى تلاميذه كلّ هذا؟ وهكذا كان موقف الآخرين، أمام الألم والصليب كل شيء تلاشى وذاب. لدرجة قالوا أنهم لا يعرفون هذا الإله. وأنا ماذا كنت افعل؟

                   قد يكون أحزنني موقف التلاميذ والناس؟ وفي ذات اللحظة قد أكون قلت كما قال له بطرس أنا مستعد أموت معك… ونظرت إلى الحياة والواقع وجدت الكثيرين منا يأتون باحتياجهم ويجدون إلهاً محباً يعطي بدون مكيال ويحب بلا حدود لأن المحبة جوهره. وعندما يرونه عند الصليب يرفضونه تماماً وكأنهم يؤمنون فقط باله التجلي ويرفضون إله الجلجثة.

                 عدت اسأل نفسي وأنا ماذا كنت أفعل؟ قد أقول أني مستعد للألم والصلب معه، وهذا ما أسمعه في همسات ذاتي لي، ولكن أمام الصليب قد أفعل مثل التلاميذ وبطرس أهرب وأكون رافضاً وناقماً على كل شيء. لكن هذا لا يعني أنني في حياتي لم أرى واختبر أُناساً كثيرين حملوا الصليب بصبر وفرح، معتبرين كل هذا نعمة وهبة أنهم أصبحوا أهلاً لمشاركة المسيح آلامه المقدسة.

               ربي وإلهي… كثيرا في حياتي رأيتك الإله المتجلي القادر على كل شيء، واختبرت قوة لاهوتك، وقد عبرت لك أنه جيد أن نكون هنا، ولكن توجه نظرنا إلى تجلي من نوع أخر تجلي الجلجثة والصليب، الذي فيه كانت أعظم شهادة عن الحب، سامحنا يارب على كل مرة رفضنا فيه أن نشاركك حمل صليبك، وان نقبلك بهذا الجسد الملطخ بالدماء وهذه الثياب الممزقة من جلد السياط.

                  هذا ما يجب أن أفعل مع كل إنسان فيه المسيح المتألم.

الأب/ متى عابدين

سوهاج