وما هو عيد الافخارستيا؟.. سر الشكر والحضور
بعد عيد العنصرة احتفلنا بعيد الثالوث الاقدس ونحتفل بعده هذا الاسبوع بعيد جسد الرب أي عيد القربان الاقدس.. والهدف من هذه الاعياد المتلاحقة هو متابعة تعليم المؤمنين بأسرار الايمان المسيحي عن طريق هذه الاحتفالات الليتورجية السنوية .. فعن طريق الاحتفال الليتورجي يتم شرح عقيدة الايمان وعيشها.
وأنا استفيد من هذه الاعياد لكي أشرح بطريقة بسيطة وشخصية ما نعيشة في الليتورجيا.. وبالرغم من صعوبة الكثير من عقائد الايمان المسيحي فاني ازعم بأنه من الممكن تبسيطها وتوضيحها للمؤمنين آملا أن أكون على قدر المسؤولية، وهذا ماأسميه “تعميم اللاهوت” اي توصيل اللاهوت الى عامة الناس والى الجميع بصورة سهلة سلسة وبسيطة، أي أن ينزل اللاهوت من برجه العاجي العالي الى أرض الواقع العادي.
واليوم سأتحدث عن سر الافخارستيا بمناسبة الاحتفال بعيد الجسد:
1) يسوع ينبيء عن هذا السر: ونجد ذلك في خطاب خبز الحياة في الفصل السادس من انجيل القديس يوحنا اذ أن السيد المسيح بعد أعجوبة تكثير الخبز والسمكات انتقل الى مجمع كفرناحوم وهناك قام بنقلة نوعية من الخبز المادي الذي يأكله الانسان فلا يشبع الى الخبز الروحي فلا يجوع ابدا، والقضية ليست فقط معنوية ولكن حقيقية اذا ان السيد المسيح يؤكد “ان جسدي مأكلٌ حقاً ودمي مشربٌ حقاً” وبالرغم من استغراب الناس وحتى التلاميذ فانه يتابع بأنه “إن لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فلن تكون لكم الحياة في أنفسكم”. ولا يتراجع يسوع عن جدية تصريحاته حتى بعدما انسحب الكثير من الجماهير لدرجة انه قال للتلاميذ “أتريدون انتم أيضاً أن تذهبوا مثلهم” عندها قال بطرس جملته الشهيرة “إلى أين نذهب يا رب وعندك كلام الحياة الابدية؟”
2) يسوع يؤسس سر الافخارستيا: في العشاء الأخير وفي العلية أسس السيد المسيح سر القربان الاقدس إذ أنه قام بنقلة نوعية أخرى عندما أخذ خبزاً وقال “خذوا كلوا هذا هو جسدي” وعندما أخذ الكأس وقال “خذوا فاشربوا هذه هي كأسُ دمي” ولكي يستمر العمل بهذا السر أسس سر الكهنوت إذ قال للتلاميذ “إصنعوا هذا لذكري”.
3) يسوع يحقق سر الافخارستيا: كان السيد المسيح جادأ جداً، فما أنبأ به في خطاب خبز الحياة، وما أسسه في العشاء الأخير حققه فعليا على جبل الجلجلةـ وبالذات على خشبة الصليب إذ قام بنقلة نوعية حقيقية من الحمل الفصحي الى حمل الله الحامل خطايا العالم، حيث قدم ذاته ضحيةً وذبيحةً فصحيةً فأصبح الكاهن والذبيحة والهيكل بنفس الوقت.. فأصبح هو فصحنا… أي أنه بذل نفسه في سبيل احبائه…
4) الجماعة المسيحية الاولى تكسر الخبز: في الفصلين الثاني والرابع من أعمال الرسل نجد كيف فهمت الجماعة المسيحية الاولى هذا السر المقدس، اذ اننا نقرأ “بأن جماعة الذين آمنوا كانوا قلباً واحداً ونفساً واحدة” وكانوا يجتمعون في يوم الاحد للصلاة وسماع تعليم الرسل وكسر الخبز.. وهذا يعني بأن الرسل طبقوا فعلياً تعليم السيد بخذافيره.. والدليل على ذلك هو تعليم القديس بولس الواضح في رسالته الاولى الى أهل كورنتس الفصل العاشر عندما يؤكد بأن اجتماعات المؤمنين ليست للأكل والشرب ولكن لاحياء ذكرى العشاء الاخير: “أليس الخبز الذي نكسره مشاركة في جسد المسيح؟ أليس كأس البركة التي نشربها مشاركة في دم المسيح؟ فاذا أكلنا من الجسد الواحد وشربنا من الجسد الواحد أصبحنا جسداً واحداً”.
5) اليوم في القداس نحن نعيد ونحتفل بسر الافخارستيا: نعم الى يومنا هذا ومنذ ألفي سنة نقوم تماما بما قام به السيد المسيح في العشاء الاخير وما حققه السيد المسيح على خشبة الصليب ولكن طبعاً بطريقة غير دموية لأن ذبيحة السيد المسيح الدموية كانت واحدة وأبدية أما احتفالنا بالقداس بسر الافخارستيا فهو احتفال حقيقي بجسد المسيح ودمه لأن بولس يؤكد بوضوح: “كلما اكلتم هذا الخبر وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب الى أن يأتي”.
إن هذا الاستعراض الكتابي التركيبي لفكرة سر القربان الاقدس تساعدنا على تقوية ايماننا بهذا السر العظيم الذي أراده المعلم بوضوح لكي يبقى معنا حاضرأ حضوراً حقيقيا، ويغذينا ويروينا جسدياً وروحياً، ويقوينا وسط صعاب ومشقات هذه الحياة.
طبعا ان الموضوع اوسع من هذا العرض السريع، فيمكننا أن نتحدث عن شروط التناول الجيد، وعن اقسام القداس الالهي، وعن مفاعيل وفوائد القربان الأقدس، وعن الاثار الروحية والانسانية والاجتماعية لتناول القربان الاقدس… ولكن اكتفي في هذا المقام ببعض الاعتبارات العملية المفيدة لحياتنا اليومية:
رام الله / أليتيا (aleteia.org/ar)