مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا – الأب وليم سيدهم
مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا
المجانية حالة إلهية لأن الذي يعطى مجانًا لا يطلب مقابل ومَن مِن البشر يستطيع أن يعطى مجانًا ضوء الشمس أوالقمر، مَن مِن يستطيع أن يعطي الهواء الذى نستنشقه مجانًا، من ومن يستطيع أن يعطي النباتات والشجر المثمر والحيوانات مجانًا؟.
وفي مجال تقسيم هذه الخيرات الإلهية على البشر، نلاحظ كيف أن حفنة من البشر هُم الذين يستولون على كل هذه الخيرات ويعيدون توزيعها بأثمان باهظة لأخواتهم الفقراء، وحينما يتحدث يسوع إلى تلاميذه قائلًا : ”مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا.” (متى 10: 8)، فإنه يتحدث عن دعوته المجانية لهم، فهو لم يطلب منهم رسومًا أو مصروفات إعاشة أو مصروفات دراسة مقابل تبريئه لهم وتكوينه المستمر لهم، لذا فليس غريبًا على من أعطى ذاته كليًة للبشر أن يقوم تلاميذه برسالتهم بمجانية ودون مقابل.
وإذا كان القديس بولس يطالب المؤمنين بالعمل ويوصي بأن من لا يعمل لا يمكن أن يكون رسولًا حقيقيًا، فإننا نتسائل عن ما قاله الرسول بولس في مكان آخر من الإنجيل : ”والفاعل مستحق أجرته” )لوقا 10: 7( ، “ لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه” (عبرانيين 13: 10).
إن حياتنا العصرية التى تعقدت وتشابكت فيها المصالح تدفعنا إلى ضرورة توفير المال ولكي نحصل على الخدمات التي نطلبها أو التي نحتاج إليها بشكل ضروري، فلكي نذهب إلى مكان نقوم به بخدمة الأطفال أو المرضى أو المسجونين أو كبار السن، لابد أن ندفع ثمن المواصلات، وندفع ثمن الزيارة التي سنحملها للذين نزورهم. إذ كيف نعطي مجانًا ونحن ندفع ثمن الخدمة التي نقوم بها.
لا شك أن يسوع يطالبنا أن نميز بين احتياجاتنا الشخصية الضرورية مثل الأكل والشرب والملبس وبين خدمة من لا يجدون من يخدمهم وهم في إحتياج شديد إلينا، مثل المرضى والجوعى والعطاش والفقراء … الخ، وهذا يعني أننا نوفر جزء من مجهودنا أو من ما نمتلكه لنقاسم به اخوتنا الفقراء والمحتاجين.
إن المجانية مرتبطة بقدرتنا على التضحية من أجل الآخرين، والمجانية مرتبطة بكم العطايا التي نحصل عليها من الله مجانًا وهي كثيرة ذكرناها في بداية تأملنا، وإذا كانت النخلة تعطي بلحها مجانًا لمن يحتاجه والتفاحة وشجر البرتقال وغيرها يعطوه بلا مقابل فكيف نحن نأخذ كل هذه العطايا ونمتنع عن إعطاءها والمشاركة بها مع إخوتنا وأخواتنا البشر المحتاجين.
إن روح الاستهلاك وسيادة قيم الإنانية والمجد الباطل والرغبة في الاستحواذ على السلطة والمكاسب الرخيصة تمنعنا من الولوج إلى معبد المجانية المقدس. فلنترك الدعاية الاستهلاكية الانانية ونبدأ ونبادر بإستثمار طاقاتنا بمجانية ومرح “لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ.” (2 كو 9: 7).