مجتمع العطاء لو6: 27-46
نقطة انطلاق
– إنَّ نصَّ إنجيل اليوم (لو6: 27-46) هو نصٌّ مليءٌ بالمعاني والتّأملات والأفكار،
ولكن ما لفت انتباهي أثناء تأملي في هذا النّص الآيات الواردة عن العطاء، وهو ما
سنتأمّل عنه اليوم، فالآية الوحيدة المذكورة على لسان يسوع في سفر أع، والمُحبّبة إلى
قلبي، هي: “مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ” (أع20: 35). فانطلاقًا من الواقع في الحديث
عن العطاء، نجد بعض الإشكاليّات هي:
الإشكاليَّة الأوّلى: إذا قابلتَ شخصًا ما يطلب منك مساعدةً (ماليَّةً): ماذا ستفعل ؟
هل ستعطيه ؟ أم أنَّكَ مُقرّرًا من قبل ذلك بأنك لا تُعطي الشّحاذين ؟ أم أنَّك ستنظر
إلى هيئته، وتسأل نفسك: هل يستحق فعلاً أن تمنحه مالاً ؟ أم أنَّه يكذب عليك، وتتخيّل
أنَّه شحاذٌ ولكنَّه غنيٌّ جدًّا ؟ وإذا قررت أن تُعطيه: كم ستعطيه ؟ وعلى أي أساسٍ
ستعطيه هذا المبلغ ؟
الإشكاليَّة الثّانية: إذا كنتَ مُرشدًا لخدمة مار منصور، ومن المعروف أنَّ هذه الخدمة
لمساعدة الفقراء، فسوف تجد نفسكَ أمام العديد من التّساؤلات: ما هي طرق مُساعدة الفقراء
(ماديًّا – معنويًّا – تنمويًّا) ؟ وما هي أولويَّة عطائي: ماديًّا/روحيًّا ؟ هل من
حقِّي كخادمٍ تصنيف النّاس ومساعدتهم حسب ما يستحقون فقط ؟ أم أُعطي بسخاءٍ بدون
معاييرٍ ؟ وهل في عطائي أُسدد احتياج الفقير كاملةً ؟ أم أنَّها مجرد مُساهمة بسيطة في
تحمّل عبء فقره ؟
• ماهيَّة العطاء
– هناك ما يقرب من خمس آياتٍ تتحدّثُ عن العطاء في هذا النّصِّ هي:
“… مَنْ أخذَ رداءكَ فلا تمنعه ثوبك أيضًا” (29)
“… كُلُّ مَنْ سألكَ فأعطه” (30)
” ومَنْ أخذَ الّذي لكَ فلا تُطالبه” (30)
“… أقرضوا وأنتم لا ترجون شيئًا فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا بني العليِّ…” (35)
أعطوا تُعطوا. كيلاً جيّدًا مُلبَّدًا مهزوزًا فائضًا يُعطون في أحضانكم. لأنَّه بنفس
الكيل الّذي به تكيلون يُكال لكم” (38)
– قد نقول إنَّه في الآيتينِ (29-30) اغتصابٌ لا عطاءٌ، ولكن حتّى لو لم تكن مُبادرة
العطاء منَّي، ولكن الأهم هو أنَّه عطاءٌ من القلب، فأنا راضٍ ومسرورٌ وغير مُتذمّر على
ما قد أُعطي.
– الله هو العاطي الأوحد، مانح العطايا ومصدرها. ونحن مُستقبلين عطايا الله، ومُوزّعين
لها على الآخرين (وكُلُّما أعطينا ازدادت عطايا الله لنا)، على مثال أُمّنا مريم
العذراء “مريم مُوزعة النّعم الإلهيَّة”، حيثُ نجد صورةً لمريم وهي ممتلئةٌ بنعم الله،
وتفيضها من يديها على الآخرين.
ولكن… ماذا أُعطي ؟
– هناك أنواعٌ كثيرةٌ من العطاء هي:
1- عطاء الماديَّات (المال). 2- عطاءٌ معنويٌّ (تشجيع، تحفيز). 3- عطاء الفكر
(التّنمية). 4- عطاء الوجدان (المشاعر، الابتسامة،
التّجاوب والتّفاعل).
• مُعوّقات العطاء
1- حُبّ الذّات: حُبّ الامتلاك (ماديّات/كتب/مُعلومات/أشخاص)، التّفضيل “أنا أفضل من
الآخرين”.
2- جشع واستغلال الآخرين لسخائي الدّائم.
3- أوّلويَّة احتياجاتي الشّخصيَّة.
• نموذجٌ كتابيٌّ للعطاء
” فجاءت أرملةٌ فقيرةٌ قد ألقتَ أكثر من جميع الّذين ألقوا في الخزانة. لأنَّ الجميع من
فضلتهم ألقوا. وأمَّا هذه فمن إعوازها ألقتْ كُلَّ ما عندها كُلَّ معيشتها” (مر12:
43-44)
– العطاء الحقيقيّ هو عطاءٌ من الاحتياج (من قوتي)… عطاءٌ لجعل الآخر أفضل (على مثال
يُوحنّا المعمدان: “ينبغي أن ذلك يزيد وأنَّي أنا أنقص” (يو3: 30))… عطاءٌ بفرحٍ
وسخاءٍ. ليس المهم القيمة الماديَّة بل روح العطاء، والّتي تخلق مجتمع العطاء.
ولكن… متّى نُعطي ؟
– العطاء ليس له وقتًا، فهو أسلوب حياة لمَنِ اختاره، فبمجرد أن يكونَ الآخر في موضع
احتياجٍ، فينطلق مُبادرًا ليُعطي، ويُعطي المطلوب وأكثر، ويُعطي بحُبٍّ وفرح. ولكن هناك
أوقاتٌ لابدَّ منها أن يظهرَ عطاءكَ، وهي:
1- في أوقات الأزمات الاقتصاديَّة/الماليَّة، عندما يكون الآخر في أشد الاحتياج إلى
المال، ليتمّم احتياجاته الأساسيَّة.
2- في أزمات المعنى، عندما تجد شخصًا تائهًا/متخلبطًا، لا يجد لحياته أي معنى، فتساعده
بكلامك ومرافقتك في أن يكون حيًّا.
3- في أوقات النّمو الإيمانيِّ، عندما تساعد شخصًا في مسيرة نمو حياته الرّوحيَّة.
4- في أزمات ضغوط الحياة اليوميَّة، عندما أقولُ لشخصٍ أنا معكَ… أنا بأشعر بكَ…
أنا واقفٌ بجانبكَ… أنا أتقاسم معكَ أزمتكَ… أنتَ لستَ وحيدًا في مشكلتكَ/أزمتكَ.
• القواعد الذّهبيَّة بشأن العطاء
1- العطاء عدوى لذيذة، فإذا أعطيتُ أشجع الآخرين على العطاء، كما تزداد عطايا الله لي:
“أعطوا تُعطوا. كيلاً جيّدًا مُلبَّدًا مهزوزًا فائضًا يُعطون في أحضانكم. لأنَّه بنفس
الكيل الّذي به تكيلون يُكال لكم” (38). تذكرْ أنَّك إنْ لم تُعطي ستحرم نفسك من عطايا
الله.
2- عندما تُعطي، أعطِ الجميع دون تفرقةٍ… أعطْ دون مقابلٍ… أعطْ بقلبٍ سخيٍّ، ولا
تخفْ… أعطْ بُحبٍّ… أعطْ بفرحٍ… أعطْ باستمرارٍ.
3- عندما تُعطي ستحوّل مجتمعكَ إلى مجتمع عطّاء/مُتضامن/شراكة، وستخلق من الأشخاص موهبة
العطاء:
أعطْ حبًّا… تحصد حبًّا، أعطْ سلامًا… تحصد سلامًا، أعطْ تشجيعًا… تحصد تشجيعًا
4- أعطْ كُلَّ ما هو غالٍ وثمينٍ، مثلما فعل إبراهيم عندما قدّم ابنه اسحق ذبيحةً
للرّبِّ بكُلٍّ حُبٍّ: “… فلم تُمسكِ ابنكَ وحيدكَ عنّي” (تك22: 12).
خاتمة
كُلُّنا نسأل بعضنا بعضًا… كُلُّنا نحتاج بعضنا بعضًا… كُلُّنا نعطي بعضنا بعضًا
– نحن جميعًا في موضع عطاءٍ، نعطي ونُعطى، نزرع حُبًّا ونحصد حُبًّا. ولكنَّنا نحن
المُكرّسين بالأخص يجب أن نكونَ ممرًا لنقل عطايا الله إلى شعبه، فنشعر أوّلاً بعطايا
الله الّتي لا تُعدُّ في حياتنا، ثمَّ ننقلها إلى أحبائنا وشعبنا.
كُنْ شجرة عطاء، تطرح ثمار الحُبِّ والتّضامن والسّلام
– إنَّ أجمل عطيَّةٍ من الله لنا هي دعوتنا، وأجمل عطيَّة يمكننا أن نمنحها للآخرين هي
الحُبُّ، عندما ننقل محبَّة الله للجميع في سلوكنا وتصرفاتنا.
– إنَّ عطائنا يُظهر معدننا… عطائنا تعبيرٌ عن عطايا الله لنا… يخلق مجتمعًا سمته
العطاء.
– ” فقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا” (لو9: 13) هذه هي وصيّة يسوع لنا، أن نمنح النّاس ما
يحتاجونه، ولاسيَّما غذاء الإفخارستيّا، أي المسيح ذاته.
قصةٌ: كان هناك مريضانِ في غرفةٍ واحدةٍ، كلاهما مُصابٌ بمرضٍ عضالٍ (لا يستطيعا
التّحرّك)، ولكن كان مسموحًا لأحدهما أن يجلسَ على سريره لمدة ساعة واحدة فقط يوميًّا،
في حين أنَّ المريض الثّاني مُستلقي طوال اليوم على ظهره. وكان المريضانِ يمضيانِ
وقتهما في الحديث عن كُلِّ شيءٍ (حياتهما، بيتهما…الخ)، وكان المريض الّذي يستطيع
الجلوس لمدة ساعة سريره بجوار النّافذة، فكان يحكي للآخر عمَّا يراه من بحيرةٍ، بطٍ،
حديقةٍ، أطفالٍ يلعبون، زهورٍ…الخ. وفي أحد الأيام، جاءت الممرضة صباحًا فوجدت المريض
الّذي بجوار النّافذة قد مات، فعلم المريض الآخر من حديث الممرضة، وحزن جدًّا عليه.
ثمَّ طلب من الممرضة أن ينقل سريره بجوار النّافذة، حتّى يتمكن من اختلاس بعض النّظرات
إلى الخارج، وفيما هو يتحامل على ذاته، ليقترب من النّافذة، ليرى ما كان يرويه له
صديقه، انصعق عندما رأى سور عال يحيط بالمستشفى، ولم يجد الحديقة، ولا البحيرة، ولا
الزّهور، ولا الأطفال، فسأل الممرضة عمَّا كان يرويه له المريض المتوفى، فقالت له
الممرضة: إنَّ المريض المُتوفى كان أعمى، حتّى أنَّه لم يرى السّور أساسًا.
إنَّه عطاء الأمل… عطاء الحُلم… عطاء المستقبل… عطاء السّعادة للآخرين
فإذا جعلتَ النّاس سعداء، ستزداد سعادتكَ
– When I give, I should give all people.
– When I give, I should give by love, by joy.
– When I give, I should give without fear, always.
– When I give, I will create a new society called society of giving.
– We should be a giving tree, which has fruits of love, peace and share.
وإلهنا كُلّ كرامةٍ ومجدٍ، إلى الأبد. آمين