من كان له أذنان تسمعـان ….
عشرون عاماً هى عمر تجربتي بالصحافة الكاثوليكية ، عشت خلالها الكثير من الأفراح الروحية التى نبعت جميعها من معايشتي العديد من الاحتفالات والأحداث فى حياة الكنيسة . والتى اجتهدت قدر طاقتي فى التعبير عنها بالأخبار والتقارير والتحقيقات ، كخبرات إيمانية سعيت إلى نقلها للقارئ الكريم ، بغية الرسالة فى مشاركة الخيرات الروحية بين أبناء الكنيسة كافة .
واليوم ، وفى محاولة للنضج فى مسيرة قراءة الذات والواقع فى سبيل اكتشاف علامات الأزمنة ، والوعي بما هو ذاتي وعام . أجدني بحاجة إلى أن انتهج طريق المقال فى الكتابة ، لقناعة عندي بأن من الأدور الحيوية للصحافة المعرفية فى عالمنا الإلكتروني ، هو تحليل الظواهر وقراءة الأحداث أكثر من رصدها، وهو ما يعزز من دور الصحافة الكنسية الرائد فى تعميق الوعي وتنوير الضمير لدى القارئ المصري .
ولكوني لست من المتخصصين فى أحد العلوم اللاهوتية والإنسانية ، بعد . فإن تأمل ما يشغل حياة الإنسان فى شأنه العام هو مقصدي ، بل وما يبني فى القلوب معاني الرجاء هو غاية ما اصبو إليه من وراء الكلمات . والآن .. دعني ، قارئي العزيز أدعوك للسير معاً فى تأمل عدد من القيم الروحية والإنسانية التى خفت توهجها فى عالمنا اليوم ، والتى نحن فى أمس الحاجة إلى ممارستها حتى تستنير حياتنا بإشراقات جديدة .
” الإصغاء ” ، من القيم الإنسانية التى يدور حولها الكثير من الحديث ما يشير إلى أهمية دورها فى التربية الإنسانية على مستوى الشخص والجماعة . كثيرة هى الأصوات التى تصل إلى أذاننا على مدار الساعة ، تتفاوت فى حدتها ، وتتباين فى مفرداتها . من بينها ما نستجيب لندائه ، تاركين له المجال فى تشكيل الوجدان وتعديل السلوك ، فيما نترك الباقي ، غير مبالين بما يحمل من رسائل .
وفى الحالتين معاً تتجلى قدرة الشخص على الانتباه والاختيار ومن ثم التفاعل . لكن على الجانب المقابل ، هناك الأذان الصماء ، التى لا تستطيع الكلمة العبور من خلالها . فتضحى الرسالة معدومة والتفاعل مستحيل . تُرى .. ماذا يعيقنا عن الإصغاء بعضنا لبعض ؟ لماذا تبدو جسور التواصل غائبة حتى بين من يعيشون تحت سقف واحد ؟ . هل هى الضوضاء الصادرة عن زحمة الأصوات الآتية من الخارج ؟ أم هى حالة من الانكفاء على الذات تستدعي أن يغلق الإنسان على نفسة بالضبة والمفتاح ؟! . أو هى الوسائط التكنولوجية التى أضحت تقدم النقر فى العالم التخيلي ، بديلاً عن زخم العلاقات .
ما أحوج ضمائرنا إلى الفحص حتى نتأمل عمق ممارستنا إلى فعل الإصغاء ، ومن ثم مراجعة مسيرتنا على طريق التوبة . إن الإصغاء هو الخطوة الأولى نحو اللقاء بأخيك الإنسان ، والنمو فى معرفته وتقديره ومحبته . بل هو الخطوة الأولى أيضاً نحو الخروج من مملكة الذات ، والتحرر من قيود الأنا . فما أرحب الحياة ، وما أجمل الإنسانية . ومن كان له أذنان تسمعان … فليسمع .
ناجح سمعـان