من مواعظ القدّيس أغسطينس الأسقف في الرُّعاة
(العظة ٤٦، ١٣:CCL ٤١، ٥٣٩-٥٤٠)
المسيحيّون الضِّعاف
” لا تُقَوُّونَ الضَّعِيفَةَ” (حزقيال ٣٤: ٤)، يقولُ الرَّبُّ. يقولُ ذلك للرُّعاةِ الأشرار، الرُّعاةِ المزيَّفِين، الرُّعاةِ الذين يَطلُبون ما هو لأنفسِهم، لا ما هو ليسوعَ المسيح، والذين يتنعَّمون بحليبِ الخرافِ وصوفِها، ولا يُولُون الخرافَ أيّةَ عناية، ولا يُقَوُّون المريضةَ. وإنّي أرى عَلاقةً بيَن الضَّعيفِ أعني الفاقِدِ قِواه، والمريضِ أي الفاقدِ عافيتَهِ، (لأنَّ المريضَ أيضًا يقالُ له “ضعيف”).
هذه المعاني التي أحاولُ أن أميِّزَ بينَها، أيُّها الإخوة، بقَدَرِ المستطاع، قد تحتاجُ إلى جَهدٍ أكبرَ لتتَّضحَ أمامَنا بدِقَّةٍ أكبر. وقد يكونُ غيرُنا أكثرَ مهارةً منّا، وفي قلبِه مَزيدٌ من النُّور، وقد يوَضِّحُها بصورةٍ أدقَّ. على كلِّ حالٍ لا تنخدعوا. ما أفهمُه أنا من كلماتِ الكتابِ المقدَّسِ أبَيِّنُه لكم. الضَّعيفُ هو الذي نخافُ عليه أن يقعَ في التَّجربةِ فيَنكَسِرُ. أمَّا المريضُ فهو مصابٌ بشهوةٍ ما، وتمنعُه هذه الشَّهوةُ من الدُّخولِ في طريقِ اللهِ والخضوعِ لنِيرِ يسوعَ المسيح.
انظروا إلى هؤلاء النَّاسِ الذين يريدون أن يَحيَوْا حياةً حسَنة، وقد قرَّروا ذلك، ولكنَّ مقاومتَهم للشَّرِّ هي دونَ مقدرتِهم على عملِ الخير. لا تقومُ القوَّةُ المسيحيّةُ بعملِ الخيرِ فقط، بل بالصَّبرِ على الشُّرورِ أيضًا. فالذين نراهم يندفعون في أعمالِ البِرِّ، ولكنَّهم لا يريدون أو لا يقدرون أن يَصمُدوا في وجهِ الأهواءِ المهدِّدة، هؤلاءِ هم الضِّعاف. ومُحِبُّوا العالمِ المصابون بشهوةٍ في النَّفسِ شرِّيرةٍ تَرُدُّهم عن عملِ الخيرِ هم المرضى والمعتلُّون، وقد أصبحوا عدِيمِي القوَّةِ بسببِ هذا المرضِ نفسِه، ولا يَقدِرون أن يعملوا أيَّ خيرٍ.
هكذا كانَ المخلَّعُ في نفسِه، الذي عندما لم يقدِرْ حاملوه أن يَصِلُوا به أمامَ الرَّبِّ، نقَبوا السَّقفَ ووضعوه أمامَه. ومَثَلُ المخلَّعِ هو مثَلُكَ. فكأنَّك تريدُ أن تصنعَ ذلك أنتَ أيضًا في نفسِك، فتفتحَ السَّقفَ وتضَعَ نفسَك المـُقعَدَةَ أمامَ الرَّبّ، وقد تحلَّلَتْ جميعُ قِواها، وخَلَتْ من كلِّ عملٍ صالح، بل أُثقِلَتْ بالخطايا وأَقعَدَها مرضُ الشَّهوَةِ. فإذا كانَتِ الأعضاءُ كلُّها متحلِّلَةً، وكانَ الشَّلَلُ في داخلِ النَّفس، وإذا أردْتَ أن تصلَ إلى الطَّبيبِ لتشرحَ له ما هو خافٍ، انقُبْ أنتَ أيضًا السَّقفَ وضَعِ المخلَّعَ أمامَ الربِّ، (أي انقُبْ سقفَ نفسِك وادخُلْ) لأنَّ الطَّبيبَ مختفٍ في داخلِكَ: كما أنَّ المعنى الحقيقيَّ مختفٍ في الكتابِ المقدَّسِ.
الذين لا يعملون ذلك أو يتردَّدون في عملِ ذلك، فقد سمِعْتُم ما أُسمِعُوه: “لم تُداوُوا المريضَةَ، وَلم تجبُرُوا المكسورةَ” (حزقيال ٣٤: ٤). سبقَ وقُلْنا ذلك. والمكسورَةُ هنا هي التي حَطَمَتْها التَّجارِب. ولكنْ قُدِّمَتْ وسيلةٌ يُعالَجُ بها الكَسرُ، وهو هذا الكلامُ المعَزِّي: “إنَّ الله أمِينٌ، فَلَن يَأْذَنَ أن تُجَرَّبُوا بِمَا يَفُوقُ طَاقَتَكُم. بَل يُؤتِيكُم مَعَ التَّجرِبَةِ وَسِيلَةً لِلخُرُوجِ مِنهَا بِالقُدرَةِ عَلَى تَحَمُّلِهَا” (١ قورنتس ١٠: ١٣).