موانع الزواج- مانع الدرجة المقدسة – الأب د./ أيوب زكي
مقدمة
إن مانع الدرجة هو عدم أهلية الإكليريكيين لأن يحتفلوا بزواج صحيح، ويعتبر هذا المانع من الموانع الكنسية وهو يلزم بالتبتل من أقبل بملء الحرية على الانتظام في السلك الإكليريكي . وقد ألغى الشرع الجديد الدرجات الصغرى كمانع للزواج واقتصر المانع على الدرجات الكبرى حسب منطوق القانون 325: “ينقسم الإكليريكيون ، بالنظر إلى الرسامة المقدسة ، إلى أساقفة وكهنة وشمامسة إنجيليين ” . ويعتبر الإمبراطور يوستينيانوس هو أول من أعلن بطلان زواج الإكليريكيين من درجة الإيبوذياكون (الشماس الرسائلي) وصاعداً في الكنيسة الشرقية.
المانع في الشرع الحاضر
يقول منطوق القانون 804: “غير صحيحةمحاولة الزواج من قبل من هو مقام في درجة مقدسة”. لقد اختلف الفقهاء في تحديد مصدر هذا المانع، فمنهم من قال بأنه الشرع الكنسي ويمثل هذا رأي الأغلبية، ومنهم من قال أنه الشرع الإلهي. وقد استند الرأي الأول إلى عدم وجود شريعة إلهية وضعية أو طبيعة بهذا المعنى ، وقال الآخرون بأن الشريعة موجودة وهي طبيعية إذ أن الحالة الزوجية لا تتوافق وواجبات الكهنوت. ولكن هذا الرأي مردود لأن الكنيسة ما منعت ولم تمنع حتى وقتنا الحاضر زواج الكهنة الشرقيين.
ولصحة قيام مانع الدرجة المقدسة، يقتضي أن تكون السيامة صحيحة، وقد حدد القانون 754: “بوسع الرجل المعمد دون سواه أن يقبل الرسامة المقدسة على وجه صحيح”. يتضح من هذا أن الرجل المعمد له الأهلية لقبول الدرجات المقدسة قبولاً صحيحاً، لذلك لا تسمح الكنيسة الكاثوليكية برسامة المرأة.
طبيعة المانع
إن مانع الدرجة المقدسة يبطل الزواج حسب قانون الكنيسة، رغم أن الحالة الزواجية بطبيعتها لا تتعارض والحالة الإكليريكية وطبيعة الكهنوت ، وهذا ما يبرزه التقليد العريق في القدم في الكنائس الشرقية حيث اعتنق بعض الإكليروس التبتل وارتبط البعض الآخر بالزواج، وهذا ما قرره أيضاً الشرع الحاضر في القانون 374: “على الإكليريكيين المتبتلين والمتزوجين أن يتألقوا ببهاء العفة ؛ وعلى الشرع الخاص أن يقرر الوسائل المناسبة التي يجب اتخاذها لبلوغ هذا الهدف”.
ويؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني على هذا التعليم ، في القرار المجمعي ( في خدمة الكهنة الراعوية وحياتهم، رقم16): “إن ممارسة العفة الكاملة والدائمة من أجل ملكوت السموات قد أشاد بها المسيح الرب؛ وطوال القرون، وفي أيامنا أيضاً، تقبلها كثيرون من المسيحيين بفرح ، ومارسوها بدون ملامة ، وقد أولتها الكنيسة جليل تقديرها في الحياة الكهنوتية خصوصاً . ذلك بأنها علامة المحبة الراعوية وحافزها معاً ؛ وهي خصوصاً ينبوع خصب روحي في العالم. فلا شك في أن طبيعة الكهنوت لا تستلزمها، بدليل ما جرت عليه الكنيسة الأولى، وتقليد الكنائس الشرقية، ففي هذه الكنائس كهنة يختارون ، بموهبة النعمة ، أن يحافظوا على العزوبة – وهو ما يفعله جميع الأساقفة؛ وإنما فيها أيضاً كهنة متزوجون أجرهم كبير؛ وإذ يوصي المجمع المقدس بالعزوبة الإكليريكي، فإنه لا ينوي البتة تعديل النظام المخالف القائم شرعاً في الكنائس الشرقية؛ وإنما يحرض بكل عطف الرجال المتزوجين الذين رسموا كهنة على الثبات في دعوتهم المقدسة ، وفيتكريس حياتهم تكريساً كاملاً سخياً للقطيع الذي ائتمنوا عليه”.
التفسيح في مانع الدرجة المقدسة
إن التفسيح في مانع الدرجة المقدسة مرتبط بفقدان الحالة الإكليريكية، وهذا على ضوء منطوق القانون 394: “إن الراسمة المقدسة، إذا ما تم قبولها على وجه صحيح، لا يمكن إبطالها قط؛ لكن الإكليريكي يفقد الحالة الإكليريكية:
(1) بحكم قضائي أو بقرار إداري يعلن به عدم صحة الرسامة المقدسة؛
(2) بعقوبة الحط المنزلة على وجه شرعي؛
(3) بمرسوم من الكرسي أو – وفقاً للقانن 397 – من البطريرك ؛ على أن هذا المرسوم لا يجوز للبطريرك أن يمنحه – والكرسي الرسولي لا يمنحه- للشمامسة الإنجيليين إلا لأسباب هامة، وللكهنة إلا لأسباب بالغة الأهمية”.
يختص مجمع الأسرار المقدس بمنح التفسيح للشمامسة الإنجيليين ولأسباب هامة، أما التفسيح في الهنوت المقدس فمحفوظ لقداسة البابا شخصياً ولأسباب بالغة الأهمية.
سؤال: هل يجوز زواج الشماس الإنجيلي الأرمل؟
قرر قداسة البابا بولس السادس في الإرادة الرسولية (MP Sacrum dia-conatus ordinem) في عام 1967 السماح للمتزوجين بقبول درجة الشماسية الإنجيلية شريطة ألا يتزوج الشماس الإنجيلي في حال وفاة الزوجة وقد تم تقنين هذه القاعدة في القانون الجديد سواء كان خاصاً بالكنيسة اللاتينية أو الكنائس الشرقية الكاثوليكية. ويطالب البعض بالسماح، على الأقل، بزواج الشماس الإنجيلي الأرمل، باعتبار أن هذا المانع من الموانع الكنسية ، ويدعون إلى تطبيقه على الكهنة فقط . وبطبيعة الحال ، فإن الكنيسة الكاثوليكية لا تفكر في الوقت الحاضر في إلغاء مانع الدرجة المقدسة حتى للشماس الإنجيلي.
عقوبات كنسية
توقع الكنيسة المقدسة بعض العقوبات على الإكليريكي الذي يعقد زواجاً بدون الحصول على التفسيح اللازم من السلطة الكنسية المختصة. لذلك يقرر القانون الكنسي 1453- البند2: “الإكليريكي الذي يحاول زواجاً ممنوعاً، يعاقب بالحط”. والمقصود هنا بكلمة “حاول” أن الزواج قد انعقد بالفعل، سواء عقد أمام السلطة المدنية أو بأية صيغة أخرى ، ولكن الكنيسة تعتبر مثل هذا الزواج باطلاً بسبب قيام مانع الدرجة المقدسة.
أما فيما يخص عقوبة الحط فيوضحها القانون 1433 البند 2-: “أما الإكليريكي الذي حط من الحالة الإكليريكية، فيحرم من كل الوظائف أو الخدمات أو الوظائف الأخرى ، ومن المعاشات الكنسية ومن أي سلطان مفوّض ؛ ويصبح غير أهل لها؛ ويمنع من ممارسة سلطان الدرجة؛ ولا يمكن أن يرقى إلى الدرجة المقدسة الأعلى، ويساوي بالعلمانيين في ما يتعلق بالآثار القانونية ، مع سريان القانونين 396 و 725 ” .
منقولة عن مجلة صديق الكاهن 1/1998