stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

مَن قال إنّ المسيح أتى لكي يُصلَب؟

1.1kviews

67df04ded316a5b3c8f749febe0cedd2_XL

مَن قال إنّ المسيح أتى لكي يُصلَب؟ – بقلم الأب سامي حلّاق

القراءات الكتابيّة

عدد 21: 4ب- 9

في تِلكَ الأيَّام: ضَجِرَتْ نفوسُ الشَّعْبِ في الطَّريق. وتَكَلَّمَ الشَّعبُ على اللهِ وعلى موسى وقالوا: «لِماذا أَصعَدتَنا مِن مِصرَ لِنَموتَ في البَرِّيَّة؟ فإنَّه لَيسَ لَنا خُبزٌ ولا ماءٌ، وقد سَئِمَتْ نُفوسُنا هَذا الطَّعامَ الخَفيف«. فأَرسَلَ الرَّب على الشَّعبِ حَيَّاتٍ نارِيَّة، فلَدَغَتِ الشَّعب وماتَ قَومٌ كَثيرونَ من إِسْرائيل فأَقبَلَ الشَّعبُ على موسى وقالوا: «قد خَطِئنا، إِذ تَكَلَّمْنا على الرَّبَ وعلَيكَ، فادعُ الرَّبَّ أَن يُزيلَ عَنَّا الحَيَّات». فَتَضَرَّعَ موسى لأَجلِ الشَّعْب. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «اِصنَعْ لَكَ حَيَّةً وارفَعها على سارِية، فكُلّ لَديغٍ يَنظر إِلَيها يَحْيا». فصَنَعَ موسى حيَةً مِن نُحاس وجَعَلَها على سارِيَة. فكانَ أَيُّ إِنْسانٍ لَدَغَته حَيَّةٌ ونَظَرَ إِلى الحّيَّةِ الْنّحاسِيَّةِ يَحيا.

* مزمور 78 (77): 1-2. 34-35. 36-37. 38

أُصغوا، يا قَومي، إِلى تَعليمي

أَرهِفوا مَسامِعَكم إِلى أَقوالِ فَمي

إِنّي أَفتَحُ فَمي ضارِبًا ٱلأَمثال

وَأَستَحضِرُ أَسرارَ غابِرِ ٱلأَزمان

كانوا إِذا بَطَشَ بِهِم إِيّاهُ يَلتَمِسون

وَيَنقَلِبونَ إِلَيهِ باكِرًا يُسرِعون

وَتَذَكَّروا أَنَّ ٱلإِلَهَ مَلجَأُهُم

أَنَّ ٱلعَلِيَّ هُوَ ٱلمُدافِعُ عَنهُم

ثُمَّ خادَعوهُ بِأَفواهِهِم

وَراحوا يَكذِبونَهُ بِأَلسِنَتِهِم

وَلَم يَكُن قَلبُهُم نَحوَهُ قَويما

وَما ظَلّوا لِعَهدِهِ مُخلِصين

لَكِنَّهُ كانَ رَحيمًا وَلِلذُّنوبِ غَفّارا

وَما كانَ لِيُنزِلَ بِساحَتِهِم دَمارا

بَل ظَّلَّ يَكظِمُ غَضَبَهُ

وَيُهَدِّئُ سُخطَهُ

* يوحنا 3: 13-17

في ذلك الزمان: قال يسوع لنيقوديموس: «لَم يَصْعَدْ أَحَدٌ إِلى السَّماء، إِلاَّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء، وهو ابنُ الإِنسان. « وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة فكذلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان لِتَكونَ بهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. فَإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة. فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم، بل لِيُخَلِّصَ بِه العالَم.

العظة

تثير مسألة الفداء، وضرورة الصليب والصلب، احتجاجات كثيرة لدى المسيحيّين الّذين يبدأون بالتعمّق في إيمانهم. فصورة الإله المحِب التي تآلفوا عليها تتعارض مع صورة الإله الذي يريد الثأر للإهانة التي وجّهها الإنسان له بالخطيئة، الإله الذي لا يمكن إرضاؤه إلاّ بذبيحة، الإله الذي يفرض على ابنه الموت كي يتمّ دفع الفدية.

لقد سرت هذه الأفكار في التعليم المسيحيّ القديم، ولا تزال تظهر في العظات والكتابات هنا أو هناك. ماذا تقول هذه الأفكار بإيجاز؟: لقد أتى المسيح كي يُصلَب. ولماذا عليه أن يُصلَب؟ لأنّ الإنسان أهان الله بخطيئته. والتكفير عن الإهانة يجب أن يكون بمستوى الشخص المُهان. فبما أنّ الشخص المُهان هو الله نفسه، لا بدّ للتكفير أن يكون بمستوى الألوهة. وبما أنّ المُهين هو إنسان، على الإنسان نفسه أن يعتذر ويعوِّض عن الإهانة. الشخص الوحيد الذي يحقّق هذَين الشرطَين: أي أن يكون بمستوى الألوهة وفي الآن نفسه إنسانًا هو يسوع المسيح. لذلك كان على المسيح أن يسفك دمه ذبيحةً كي يرضى الله عنّا.

يا لها من أفكارٍ منحرفة.

إنّها تصوّر الله ساديًّا لا يهدأ غضبه إلاّ بعذابٍ ودم.

إنّها تصوّر إلهًا عديم الرحمة والشفقة، يطلب منّا أن نسامح سبعين مرّة سبع مرّات وهو لا يسامح بل يطالب بالتعويض وبدون أيّ تخفيض في الدفع.

إنّها تصوّر إلهًا متناقضًا مع ذاته. ألا يقول المزمور: «إنّكَ لا تهوى الذبيحة، وإذا قرّبتُ مُحرقةً فلا ترتضي بها، إنّما الذبيحة لله روح منكسر…» (مز 51: 18-19)؟ كيف نقول إنّ الله يريد ذبيحة، ولن يهدأ غضبه إلاّ بذبح ابنه الوحيد؟

إنّ أفكارًا كهذه تجعل عمليّة الصلب عملاً صالحًا، والذين صلبوا المسيح قاموا بعملٍ صالح. لا! الصلب عمل بشع؛ الصلب جريمة لا يمكن تبريرها؛ شرّ مرفوض تمامًا.

في عيد الصليب علينا أن نتخلّى عن كلّ هذه الأفكار المشوّهة عن سرّ الفداء، وأن نتأمّل إلى أيّ مدى يمكن أن تقودنا الخطيئة التي نرزح تحت نيرها. إنّها تقودنا إلى درجة قتل الإله الذي يأتي ويمدّ لنا يده ليخلّصنا. وأمام بشاعة الإنسان يظهر جمال محبّة الله. «لم يأتِ المسيح لكي يُصلَب، بل أتى ونحن الّذين صلبناه. لذلك نتحمّل كامل مسؤوليّة هذه الجريمة البشعة» (فرنسيس ساندوفيل). وما هو ردّ فعل المسيح تجاه سلوكنا البشع؟ إنّه يسلم نفسه بكلّ محبّة، ويسامح، وبدل أن يعاقب على جريمة الصلب يمنح الغفران. فالصليب الذي نحتفل به اليوم هو أسمى تعابير المحبّة الإلهيّة. فلنتأمّل هذه المحبّة، ولنشكر الله عليها، ولنقرع صدورنا نادمين ولنقل له: «اغفر لنا يا ربّ، فنحن خجلون من أفعالنا البشعة، ومُحرَجون بالأكثر من محبّتك اللامتناهية التي جعلتها ردّ فعلٍ على وحشيّتنا».

أعرف أنّ طرح الموضوع بهذا الإيجاز لا يكفي، وسيصعب على كثيرين من القرّاء أن يغيّروا ما ترسّخ في ذهنهم. لذلك أورد هذه القصّة القصيرة التي تفي بالغرض:

رأى رجل هرًّا في ماء البحيرة يحاول الخروج من الماء ولا ينجح، لأنّ الرصيف البيتونيّ على شاطئ البحيرة مرتفع. فمدّ الرجل يده لينتشل الهرّ من الماء فخدشه الهر. مدّ يده ثانيةً وثالثة ورابعة، والهرّ يخدشه في كلّ مرّة. فقال له شخص كان يراقب المشهد:

– لقد حاولتَ إنقاذه مرارًا وهو يخدشك ويؤذيك. دعه يهلك ولا تكترث له.

أجابه الرجل: أن يخدشني فهذا طبعه وأخلاقه. وأن أسعى بإلحاحٍ إلى إنقاذه فهذا طبعي وأخلاقي.

المسيح هو هذا الرجل، والهرّ نحن البشر. لقد مدّ ولا يزال يمدّ يده ليخلّصنا، ونحن صلبناه ولا نزال نصلبه كجوابٍ على مبادرته.

المسيح أتى ليخلّصنا، ولكنّنا صلبناه، ومع ذلك خلّصنا.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ

يسوعيون