نسمات روحية – مونسنيور توماس حبيب
كلِمات يَسوع على الصَليب
الكلمة الرابعة
إلهي إلهي لماذا تركتني
فالكلمة الرابعة والتي نحن بصدد ذكرها الآن إذا أخذناها حرفياً، نرى فيها صرخة نزاع، وتعبيراً عن عذاب أدبي تتعاقب فصوله بعد عذاب جسديّ مضنٍ. ويظهر فيها يسوع، إنساناً أضنته الآلام المبرحة. نعلم أنّ يسوع قاسى حرماناً، وظلماً وتركاً كثيراً في حياته، من مهده إلى لحده. وعبرّ عن هذا يوحنا الإنجيلي بقوله أتى إلى خاصّته، وخاصّته لم تقبله. ولكن، في كل هذه الظروف، وفي أشدّ ساعات الترك والحرمان، كان يشعر يسوع بظلال الأبوّة الإلهية تكتنفه، كان يشعر، بأنّ الوحدة والمحبة بينه وبين الأب لم تنفصم عُروتها لحظة واحدة، ويوحنا الإنجيلي نفسه، يضع، أكثر من خمسين مرّة كلمة الأب على فم يسوع، حتى في ساعات النزاع فقال: يا أبتِ إن كان مستطاعاً … ولكن في ساعة النزاع هذه، يتغير الموقف، وتتبدّل الأحوال، ويشعر يسوع بالوحدة والترك، فيقول: “يا أبتِ لماذا تركتني”… لا شك أنّ هذا الألم يشكّكنا. وليس هو بالأمر السهل الحل، والفهم، ولكن هو من الأمور الجالبة نوراً عظيماً. فيبّين لنا هذا النزاع أنّ الألم الذي شعر به يسوع ليس بالوهمي أو الخيالي أو الظاهري فقط، ولكن هو ألم حقيقي، أليم جداً، هو شبيه بنزاع إنسان، وبأنّ يسوع قبلَ، إلى آخر حدّ كل نتائج تجسده.