نسمات روحية – مونسنيور توماس حليم
الصليب في حياتنا
المسيحية و الصليب
3- الصليب وثماره
فبعد موت المسيح صلباً أصبح الصليب أحد الأركان الأساسيّة التي تساعد على تذكيرنا بخلاصنا، فلم يعدْ عاراً بل أصبح مطلباً وعنواناً للمجد بعد أن كان أداة تعذيب. لقد كان الصليب قبل المسيح يُعتبر موتاً للعبيد (في 2، 8؛ عب 12، 13؛ 2، 3) لهذا صار عثرة لليهود وحماقة للأمم (1 كور 1، 23).
عند الصليب يتعثّر الفكر الأفلاطونيّ، وفي كثير من الأديان والايدلويجيات الفلسفية. حيث أنّ الجسد والآلام وكلّ مظاهر التبدّل والفساد تحمل ما هو عكس التنـزيه والخلود والتّسامي الذي يتمتّع به الله. وتختلط هذه المظاهر في عمقها مع الفساد الخلقيّ ومسؤوليّته. لذلك سأل اليهود المسيح لما رأوا ذلك الأعمى منذ مولده، مَن أخطأ هذا أم أبواه. لذلك فكلّ هذه الأديان والفلسفات لا يمكن أن تجتمع للمجد الإلهيّ مع عار الصليب. ولا يمكن لله المنـزّه أن يتجسّد كما “لا يجتمع النور مع الظلمة”، بحسب قول يوحنّا الحبيب. لذلك يمكن لله أن يحمل جسداً ولكن حاشى لله أن يُخطئ. لهذا إنّ التجسّد كما الصليب لا يشكّل إهانة لله بقدر ما يشير إلى كرامتنا في عينَيه. عندما ينحني الوالد ليخدم اولاده لا يصير عبداً لهم ولكن فعلاً أباً؛ فتواضعه لا يهينه ولا يمسّ جوهره بل على العكس يرفع من شأنه ويؤكّد على قيمة أولاده في عينَيه.