stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

نسمات روحية – مونسنيور توماس حليم

698views

كلِمات يَسوع على الصَليب
الكلمة الثالثة
يا أمرأة : هوذا أبنك … هذه هي أمك”‏

 

‏١- البشارة والولادة الأولى ‏
نتذكّر في البشارة عندما جاء:‏
‏ 1- ملاك من السماء ينزل إلى العذراء ويبادلها السلام “السلام لك ‏أيتها الممتلئة نعمة”. هذه الكلمات ليست مجرّد إعلان فقط ولكن كانت ‏بشرى تجسّد أبن الله من العذراء. فكان هذا هو الإعلان الأوّلي لبشارة ‏الخلاص. ‏
‏ ٢- بعد تسعة أشهر يظهر ملاك من السماء مرّة أخرى لمجموعة من ‏الرعاة ويُعلن لهم عن بشرى سارّة، ولادة يسوع ويقول لهم: ” المجد لله في ‏الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة”.‏‎ ‎ويدعوهم إلى الذهاب ‏لتمجيد هذا الطفل قائلاً: ” إليكم هذه العلامة. ستجدون طفلاً مقمطاً ‏مضجعاً في مزود”. فالكلمة صارت جسداً وحلّت بيننا. هذه كانت ‏الولادة الأولى.‏

‏2- البشارة والولادة الثانية ‏

‏ نستطيع أن نتخيّل يسوع في الناصرة مع يوسف النجار وهو يتعامل مع ‏الخشب ليصنع لنفسه صليباً صغيراً, أصبح بعدها الصليب الكبير الذي حمله. ‏

‏ ونستطيع أن نتخيّله بعد يوم عمل شاق طويل, يضع ذراعيه مفرودتين ‏علامة لحضن البشرية.‏
‏ ‏
‏ كما نستطيع أن نتخيّل أمه مريم وهي تنظر إلى المسامير والتي بعد ‏ذلك سوف يسمرّ بها وتتحقّق نبوءة سمعان القائلة: ” وسوف يجوز سيف في ‏صدرك” .‏

‏ من الناصرة إلى الجلجلة من المسامير الموجودة عند يوسف النجّار إلى ‏مسامير الصلب والتي وضعتها البشرية في يديه. ‏

‏ فقد أعطى السيّد المسيح دمه ليس للبشرية فقط ولكن حتى لأعدائه ‏والجنّة لأحد اللّصوص … وبعد ذلك جسده الطاهر وُضع في قبر وروحه ‏أستودعها للآب. ‏
‏ هناك كان لابدَّ أن يتذكّر أكثر الأشخاص إلى قلبه: أمّه ويوحنا الذي ‏قال عنه الكتاب التلاميذ الذي كان يحبّه. ” فيقول لها يا أمرآة هوذا أبنك”. ‏

‏ فكانت بمثابة الإعلان الثاني أو البشارة الثانية. في ليلة مظلمة يحفّها ‏الصمت الرهيب والحكم على السيّد المسيح بالموت. ‏

‏ فالبشارة الأولى كانت على يد ملاك أمّا الثانية فكانت على يد الله. ‏هوذا أبنك. فكانت هنا الولادة الثانية. فالعذراء أعطت البشرية أبنها الأول ‏بدون الآم الوضع في مغارة بيت لحم. والآن تعطي للنور ولداً آخر يوحنا في الآم ‏الجتسماني.‏
‏ ‏
‏ – فالعذراء مريم ليست هنا فقط أمّ المسيح ولكن هي أمّنا جميعاً, وتشمل ‏كافة المسيحيين, وهذا يعني أنّ للكل حقاً بأن يُدعى لها ابناً. كما تعني أيضا ‏نوعاً من الولادة الروحية, في العذاب, لكل التلاميذ وأتباع يسوع. ويتّضح هنا ‏أنّ تسمية مريم والتعبير “التلميذ الذي كان يحبه” اختفيا عند الصليب وحلّت ‏محلهما عبارتا “الأم” و “التلميذ” وهذا يعني أنّ دعوة مريم لم تعد كونها ” أم ‏يسوع” فحسب بل هي الأم, أم البشرية بأسرها, أم الكنيسة… ولم يعد يوحنا ‏‏”التلميذ الذي كان يسوع يحبّه, بل التلميذ المؤمن في الكنيسة, أيقونة المؤمن ‏الذي يرافق المسيح حتى الجلجلة… ‏
‏ “أيتها المرأة”:‏

‏ هذه التسمية تعود بنا إلى سفر التكوين 3/15 “وأجعل عدواة بينك ‏وبين المرأة”, كما وإلى حادثة قانا الجليل, في يوحنا 2/4 “أيتها المرأة لم تأتِ ‏ساعتي بعد”… فلو كان الموضوع لا يتعدى الواجب البنوي, لكان يسوع قد ‏أكتفى بأن يناديها : أمي!” فلما ناداها يا امرأة كما قيل في سفر التكوين وكما ‏قال لها في قانا الجليل, دلّ على اعتبارها تلك المرأة الفريدة التي سحقت رأس ‏الحيّة الجهنّمية وليس كأمّه البشرية.‏
‏ ‏
‏3- تحت الصليب

‏ في مشهد الجلجلة نرى وضع اللوحة المكتوب عليها “يسوع الناصري ‏ملك اليهود” واقتسام الثياب, والاقتراع على القميص, والطعن بالحربة, كلّها ‏أمور تتّسم بطابع لاهوتي عميق: إنّها توحي بملكية المسيح, وكهنوته, وكونه ‏الحمل الفصحي. فهل يعقل ألاَّ يكون لوصية المسيح النازلة في هذا السياق ‏للكلام, إلّا البعد البشري العائلي, ولا تكون مرتبطة بالعمل الفدائي الذي يتم ‏على الصليب؟ هذا لا يعقل, لا سيما وأنّ الإنجيلي يتابع حالا ويقول بعد ذلك ‏‏(أي بعد الوصية), إذ رأى أن كل شيء قد أكتمل (بها), قال ليتم الكتاب: ‏‏”لقد تمّ” أليس في ذلك إشارة إلى أنّ الوصية مدرجة في اكتمال التدبير ‏الخلاصي. ‏

‏ وصيته هذه آخر ما قام به المسيح, قبل أن يلفظ الروح, ساعة كان ‏يقوم برسالته الأساسية “فيتمّ” ما كان الأب قد أرسله لأجله. فلا يعقل بالتالي ‏أن يكون قد اختار مثل هذه الساعة المهيبة, ساعة اكتمال الفداء لترتيب أمور ‏أمّه الاجتماعية. هذا ولا يعقل, في المجتمع الشرقي أن يسلمِّ أمور أمّه ‏الاجتماعية إلى يوحنا في حين أن نسيبة أمه زوجة كليوبا, كانت هناك. ولا يسلّم ‏أمور تلميذه يوحنا إلى مريم أمّه كما لو أن يوحنا كان يتيماً, في حين أنّ سالومي ‏أمّه, كانت هناك, حية ترزق. لكنّ هذا اللقب كان عبارة عن تكريس لها مرتبط ‏بالعمل الخلاصي الذي هو فداء العالم. ‏

‏ وهذا ليس لقباً كنوع من الاحترام ولكنّه لأنّه أعطي لها من السيّد ‏المسيح وهي بالقرب من الصليب.‏

‏1-‏ فكما أنّ حواء أخذت لقب أمّ الأحياء بجوار شجرة معرفة الخير والشر ‏وفقدته بسبب ضعفها وعدم طاعتها. ‏
‏2-‏ كذلك نجد مريم بجوار شجرة الصليب بشجاعة وتضحية وأمانة وطاعة ‏فاستحقّت أن تكون هي أمّ الأحياء بل أم البشرية جمعاء.‏
‏ ‏
‏3-‏ مريم تشعر الآن أيضا بألم الولادة: فقد أعطت أبناً ثانياً يوحنا الذي يمثّل ‏البشرية. وبالتالي أصبحنا جميعاً أولاداً لمريم وأصبحت هي أمّنا. ويقال ‏إنّ يوحنا لم يبرح أورشليم إلّا بعد نياحة العذراء … ‏

من هنا نتفهّم ما معناه أنّه أول الأولاد. ليس لأنّ مريم كان لها أبناء ‏آخرون بحسب الجسد ولكنّها ولدت أبناء أخرين روحيين. ‏

‏ – فالبشرية سقطت على يد حواء القديمة ولكن أعيدت إلى طبيعتها ‏الأولى على يد حواء الجديدة العذراء مريم.‏

‏ – نجد أنّ أول معجزة تمت على كلمتها رغم أنّه لم تأتِ ساعته بعد. ‏وقوفها بجواره تحت الصليب لتشاركه الآلام.‏

‏ وكأنّما كان هناك موعد بين السيّد المسيح وأمّه القدّيسة العذراء. كان ‏وجهها الطاهر أول وجه يراه عند مجيئه إلى العالم بالجسد.‏

‏ وكان آخر وجه يراه قبيل تسليمه الروح بين يدي الآب… إنّه قلب ‏الأم المحب الذي يسعى وراء الإبن أينما كان ويلازمه في آلامه بحب.. ويناجيه ‏بتلك العبارة المؤثّرة: ” أمّا العالم فيفرح لقبوله الخلاص. وأمّا أحشائي فتلتهب ‏بالنار عند نظري إلى صلبوتك الذي صابر عليه من أجل الكل يا أبني وإلهي”. ‏وهو أيضا قلب الابن الذي يهتم بأمّه وهو في عمق آلامه. ‏

‏ وهكذا وجد السيّد المسيح من الضروري أن يعتني بأمّه في آلامه, ‏ويقول لها كلمة تعزية بينما يجوز في نفسها سيف (لو2: 35).. وجد من ‏المناسب له كابن أن يعزّي أمّه في آلامها. وقد عزّاها بثلاثة أمور: بالحديث ‏معها, وبالعناية بها وتدبير أمورها. ويمنحها أبنا روحياً يؤنس وحدتها… ‏

‏ فالحقيقة المجردة هي أن هذه الكلمات الثلاث الأولى التي تلفّظ بها ‏يسوع على الصليب, هي أعظم شهادة على محبته العظيمة لنا: أحبّ تلاميذه ‏فأعطاهم أمًّا, أحبّ أمّه فأعطاها نسلاً كبيراً جداً روحياً, أحبّ شريكه في ‏العذاب, فأعطاه السماء, أحبّ جلاّديه ومعّذبيه فأعطاهم الغفران. إنّه يعطي, ‏وهو على وشك أن يضيّع كل شيء, إنه يعطي كلاً حسب حاجته. إنه يفكّر, ‏حين لا يفكّر به أحد. فماذا نعمل نحن إذا سمعناه يقول: ” أحّبوا بعضكم كما ‏أنا أحببتكم”. ‏