نيقوديموس – الأب وليم سيدهم
نيقوديموس
كان نيقوديموس رجلًا تقيًا بارًا. وكان عضوًا في مجلس السنهدرين اليهودى الذي يحكم في فلسطين، كانت كلمته مسموعة وشخصيته مرموقة، وعلى عكس كل أعضاء المجلس الذين كانوا يكرهون يسوع ويكيدون له، وقع نيقوديموس في حُب يسوع والإعجاب به وراودته أفكاره أنه ربما يكون هذا الشخص هو “المسيا المنتظر” خاصة وأنه وجد أفعاله وسلوكه وفهمه للشريعة يختلف تمامًا عما يحدث مع علماء الدين من الفريسيين والكتبة من زملاءه فهو متميز وله تأثير فعال على اليهود.
قرر نيقوديموس أن يذهب ليرى يسوع في جنح الظلام حتى لا يراه أحد فلا تهتز مكانته ولا يضعف موقفه، فقال ليسوع : «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ.( يوحنا 3 :2-3)، ولكن نيقوديموس مازال يغلب عليه الطابع الحرفي لفهمه للكتاب المقدس، فلم يفهم ما قاله يسوع عن الولادة من فوق فسأل يسوع ”كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.” (يوحنا 3 : 4-6)، وتعجب يسوع لعدم فهمه فقال له :”أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هذَا!” (يوحنا 3: 10).
إن إعجاب نيقوديموس بيسوع لم يصل به إلى الموقف الجذرى الذي حدث مع بولس الرسول قبل أن تتبدل حياته. إذ مرّت مرحلة إرتداد بولس من الدين الفريسي إلى الدين المسيحي عبر مراحل عدّة بدأت بظهور يسوع له مباشرة وهو يضطهد المسيحيين بل وصل تعصبه لليهود أنه كان شاهدًا على قتل أول مسيحي وهو القديس اسطفانوس على أيدى الهمج من اليهود، ثم ذهب إلى حنانيا في سوريا ليعلمه ماذا يفعل ليؤمن بالمسيح ثم اختفى بولس حوالي ثلاث سنوات وهو يعيد قراءة الكتب المقدسة ويتحدث بمعرفة يسوع وما قيل عنه في الأنبياء.
لم يصل الفريسي نيقوديموس إلى مرحلة التغيير الجذرى فهو ظل معجبًا بيسوع وفي الوقت نفسه عضوًا هامًا في مجمع السنهدرين ومثل جملائيل الذي دافع عن تلاميذ يسوع ونضج بترك الأمر حتى يظهر إن كانت دعوتهم بالمسيح حقيقية فسوف يرهن ذلك على صحة موقف المسيح من عدمه.
ونحن، غالبًا ما نُعجب بشخصية يسوع وعمله الخلاصي ولكن لا يغير ذلك شيئًا في حياتنا اليومية، إن التوبة وتغيير الحياة يتطلبان جهدًا غير عادى لنغير فيه كل عاداتنا السيئة، ولأننا ورثنا إيماننا عن آبائنا ولم نفهم أو نتأمل بما فيه الكفاية في مضمون هذا الإيمان فنحن نحتفظ به وننسبه لنا دون أن يصبح جزًء منّا.
إننا فاترين لأننا كسالى، وأنانيين نحتفظ باللقب “مسيحي” ولا نقوى على إختراق السحب و الحجب التى تفصل بين ما نريد أن نكون وبين ما يريدنا يسوع أن نكون.