ها أنذا أمة الرب – الأب وليم سيدهم
ها أنذا أمة الرب
وقع الإختيار على فتاة يهودية إسمها مريم لكى تحمل في كيانها وشخصها مفاتيح سر تجسد ابن الله ليصبح ابن الانسان، ونحن أمام إمرأة أحشاؤها حملت جوهر صورة الله وهو الإبن يسوع. كيف تم ذلك؟
لما تم الزمان ورأى الله أن كل الأنبياء والرسل الذين حمّلهم أمانة تحقيق الخلاص للإنسان فشلت، قرر أن يودع سر الخلاص أمانة في أحشاء مريم العذراء.
ولقد أخذ الإنجيليون الآية التى جاءت على لسان اشعياء النبي الذي سبق المسيح بستمائة عام: “«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا.” (مت 1: 23) ، ونزل الملاك جبرائيل صاحب المهام الصعبة لكى يبشر هذه الفتاة بإختيارها لتقوم بهذه المهمة، فماذا قال لها الملام جبرائيل؟ “فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!» فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. (لو 1: 28 -31).
خافت مريم وارتعبت أمام مهمة معقدة وهى غير مؤهلة لذلك، ولكن سألت مريم الملاك : “فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟»” (لو 1: 34) فأجابها جبرائيل : “فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.” (لو 1: 35).
عذراء تحبل وتلد شيء مدهش وغير طبيعي هذا ما اعترفت به العذراء مريم نفسها «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟»” (لو 1: 34) لا شك أن البُعد اللاهوتى حاضر هنا، فالجنين الذي سيأخذ جسدًا مصدره ليس الزرع البشري (يوسف النجار) إنما من فعل “الروح القدس” بنفسه ومعنى أن تمتلىء أحشاء العذراء بالروح القدس هو الإعتراف الإلهي بأن مريم “ممتلئة نعمة” وليس فيها أى ظل لعدم النقاء. إنَّها نقية طاهرة عفيفة وبالتالي فالمولود منها هو “ابن الله” وابن الانسان في الوقت نفسه. وكما أنَّ الله سكن في بطن العذراء وسيولد بطريقة معجزية لأسباب لاهوتية فإن قيامته من بين الأموات بعد ثلاثة أيام في بطن الأرض ستكون أيضًا بطريقة سريَّة ومعجزية.
«هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا 1 :38) قالتها مريم دون أن تحيط بكامل سرّ عمل الله فيه، وكما أطاع ابراهيم الخليل لدعوة الآب وترك بلده وعشيرته إلي أرض غير معروفة فإن العذراء تطيع هنا وهى واثقة أن محبة الله لها ومحبته لكل البشر لن تخذلها أو تجعلها تضعف أمام ثِقل المهام. “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ” تعنى أنها خادمة أمينة للرب، تعنى أنها تشارك بفاعلية في تحقيق سر الخلاص الذي إنتظره الإنسان منذ أجيال.
ونحن إذا نظرنا إلى مريم العذراء فإنها تلهمنا ماذا نفعل حينما يدعونا الله لنعمل بإسمه وسط اخوتنا البشر، نحن أيضًا مدعوون لكى نحمل من الروح القدس، نحمل سر محبة الله إلى اخوتنا وأخواتنا فنكون على مثال مريم التى شاركت في تحقيق سر خلاص الله للإنسان فردًا أو جماعة.
نحن خُدام الله كما يفتخر القديس بولس بذلك ونحن نبشر إخوتنا بالحياة ونطرد عنهم شبح الموت حينما نُضحي بمالنا ووقتنا وصحتنا من أجل أن يحيا الآخرون فنكون خبز الحياة على غرار ما فعلت مريم حين أصبحت ومازالت قِبلة المؤمنين لينالوا شفاعتها في تحقيق أحلامهم بحياة سعيدة مملوءة بالفرح والسلام.