stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

هوية الكاهن الراعي القبطي الكاثوليكي- الأنبا/ يوحنا قلته

1.8kviews

yohanna1

مقدمة

نعرف جميعاً أن التجدد في الكنيسة في جميع خلاياها مطلب أكد عليه المجمع الفاتيكاني الثاني بإلحاح وتشدد لكي تظهر الكنيسة بكل تراثها الروحي على وجه العالم بأسره وتؤدي رسالتها على أكمل صورة، والواقع أن التجدد الذي نادى به المجمع نصاً وروحاً لا يقوم إلا على الرجوع إلى جذور الإيمان المسيحي وينابيعه الصافية. للاقتراب أكثر من منشئ الكنيسة ورأسها لاستلهام روح الرسالة في كل عصر. فهو الألف والياء وهو مصمم الكنيسة ورأسها وهو الكاهن الأوحد يسوع الفادي. ومن ثم فكهنوت كل كاهن اشتراك ذاتي في كهنوت المسيح، فالكهنوت واحد في المسيح وفي الكاهن. هكذا فهم وعلم ومارس الرسل والأساقفة والكهنة الأولون وحتى اليوم (المسرة- السنة 55 العدد 542- فبراير 1969 صـ81-83.

ومن القضايا التي تطالعنا بها الأحداث التي تتعاقب، والتيارات مشكلة الكاهن في عالم اليوم، مشكلة متعددة الجوانب، مختلفة الوجوه، بعضهم ينظر إلى الكاهن نظرة يشوبها القلق الحائر أو العداء السافر أو الانتقاد المر، وقلما يجد حوله من يشجع ومن يساند. والكهنوت في عصرنا أصعب ما يكون حياة وممارسة، أمعن في المشقة والصعاب والوعورة، فنحن نعيش حضارة السعي إلى المناصب الرفيعة والمكاسب المادية السهلة والمتعة العابرة المسروقة والعيش في ترف ورفاهية، ولم يترك هذا العالم وهذه الحضارة مجالاً فسيحاً لمن عاهد مسيحه وضميره وكنيسته على الزهد في ذلك كله، وعلى من آثر الطريق الصعب الضيق مدافعاً عن القيم الروحية السامية بالممارسة وبالتعليم وبالدفاع، فمفاتن العصر جذبت هذا العالم إلى قيم مادية انتصبت كآلهة القرن العشرين، اله المال والجنس والمنصب. من ثم فالعالم اليوم، والكنيسة في العالم ومنه وله أكثر حاجة إلى “كاهن” وفرة في العدد، وأصالة في الجودة، وعمقاً في التكوين والتثقيف، فلم يزل الكاهن هو السامري الصالح، والوالد الذي يفتح ذراعيه للابن الضال، والقاضي الذي يستجيب لإلحاح المسكينة، والراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن خرافه، انه يحمل قيم الإنجيل التي أضحت في مسيرة حضارة العصر برغم ظمأ العصر إليها، وجوع الناس لغذائها، صعبة المنال، مهملة كما عبر فرنسيس عن الحب غير المحبوب، إنه الكاهن… ولذا فما أحوجنا أن نلقي بعض الأضواء على هوية الكاهن اليوم بوجه عام ثم هوية الكاهن القبطي الكاثوليكي بنوع خاص.

هوية الكاهن (بوجه عام)

حددها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في رسالتين: أعطيتكم رعاة وفي دليل في خدمة الكهنة وحياتهم يقول قداسته (دليل في خدمة الكهنة وحياتهم صـ10): هوية الكاهن تنبع من مشاركته المميزة في كهنوت المسيح التي يصير بها بعد السيامة الكهنوتية في الكنيسة ومن أجل الكنيسة، صورةً للمسيح الكاهن صورة حيةً وشفافةً، ممثلاً حقيقياً وسرياً للمسيح الرأس الأعلى، بسر الكهنوت ينال الكاهن موهبة “سلطة روحية، مستمدة من سلطة المسيح التي يقود بها كنيسته بروحه القدوس، هذا الاتحاد السري بين الكاهن الأعظم، الأبدي، وبين الكاهن المرتسم يضم الكاهن بطريقة مميزة في سر الثالوث المقدس وبالمسيح في كل نعمة الشركة الكهنوتية التي تخدم بها الكنيسة شعب الله”. لقد نال الكاهن بسر الكهنوت هوية روحية مقدسة لخدمة الكلمة والأسرار، بها يشترك في محبة الآب (يو17: 6-9، 1:24، 1كو1-2، 2كو 1:1) وفي تجسد وفداء الابن الذي يتحد به دوماً (مر15:3) وفي محبة الروح القدس (يو21:20). وكأن نعمة الثالوث المقدس قد سكبت في روحه ليقود شعب الله بلهيب الغيرة الرسولية المقدسة. وتدفقت في ضميره ليظل سراجاً يوضع فوق المكيال لينير للداخلين إلى الحياة، وامتلأت بها إرادته المطيعة ليتقبل كل التضحيات التي لابد منها ليكون عوناً لمن سقط في عثرة. نوراً لمن سار في ظلمة، حباً لمن حُرم من الحب، رجاءً لمن ليس له رجاء، قوةً للضعيف، سنداً للمعوزين، بلسماً للمجروحين، أملاً لليائسين، وباختصار يكون المسيح الذي يجول يصنع خيراً، ذلك كله في شركة مع الكنيسة من حيث هي سر وهي جماعة، سر اتحادها بالثالوث المقدس، برأسها ومؤسسها وفاديها المسيح الكلمة الإلهي الذي أخلى ذاته ليصير منا ولنا ومعنا، وجماعة يقودها الحبر الأعظم، الذي يتحد به الكاهن اتحاده مع أسقفه ومع اخوته في الكهنوت ومع جميع المعمدين.

هوية الكاهن القبطي الكاثوليكي

الكاهن القبطي الكاثوليكي- إنسان- وكل إنسان له هويته، وكل هوية تقوم على أساسين يشكلان الملامح الأساسية لانتماء الفرد، الأساس الأول:

*هوية زمنية مكانية    

*هوية روحية أزلية

هوية الكاهن القبطي الزمنية

1- مصري

2- عربي

3- شاهد للمسيح في عصره ومجتمعه

هوية الكاهن القبطي الروحية

 1- قبطي

 2- كاثوليكي

 3- رسول مسكوني

 الهوية الزمنية

 1- مصري:

من تراب مصر، فهي نسيج أجسادنا وإليه تمضي، فتراب مصر هو رفات أجدادنا وأنفاسهم، دموعهم ودماؤهم، مصر ليست وطناً نسكن فيه، مصر روح تسكن فينا، مصر هي التي أعطت لون أجسادنا وعيوننا، وأصبغت علينا قمحيتنا، وهي التي جعلتنا رأساً لأفريقيا، برغم اتصالها بالغرب، فحضارتنا تنتمي لحضارة البحر المتوسط، لسنا أفارقه تماماً، لسنا عرباً تماماً، لسنا غربيين أو شرقيين نحن مصريون، على أرض مصر قامت حضارة آلاف السنين، ومن فجر مصر خرج صوت الله الواحد ومن جبال وحجارة مصر صنع الخلود في آثار تتحدى الزمن وتنافس الزمن. مصر الفرعونية، مصر المسيحية، مصر الإسلامية، مصر المعاصرة التي تكافح للخروج من أزمتها الطاحنة، أزمة السكان، أزمة الطائفية، أزمة ضياع الهوية، أزمة العلاقة مع الغرب والحضارة الحديثة الكاسحة، أزمة التمييز، أزمة القطيعة مع الأمة العربية والإسلامية، مصر الكنيسة القبطية، مصر الأزهر، مصر العلمانية، مصر متحف العالم والتاريخ والحضارات (ثلث آثار العالم في مصر). ومصر التي أشير إليها مصر الغالبية الساحقة في القرى والنجوع والكفور، في الأحياء الشعبية والعشوائية، في الزاحفين نحو الأفضل، بكل ما يحدث أثناء الزحف من تمزق ونزيف نفسي ومعنوي وروحي، مصر التي ينتسب إليها غالبية الكهنة، حيث أن الدعوات قدمتها العائلات الفقيرة والبسيطة والمؤمنة، فجذورنا نحن الكهنة والأساقفة ممتدة في أعماق الريف والفقر والبساطة ليس معنى ذلك أن الأحياء الغنية والأغنياء مستبعدون من خدمة الكاهن، وإنما المعنى أن هويتنا جذورها هي جذور هوية الرسل والتلاميذ الفقراء البسطاء. وإن كانت مصر الصورة الأولى لهويتنا، فمعناه أن مصر بشعبها في قلب الكاهن، ونصب عينيه، المسيحيون والمسلمون، فالمسيح أحب العالم، ومن أجل العالم أخلى ذاته وهو في العالم بتجسده وفدائه. هوية الكاهن القبطي الكاثوليكي، مصرية روحاً وجسداً، حاضراً ومستقبلاً، همه الرسولي الأول هو مصر كوطن وكشعب، آماله من آمال شعبها، جراحه من جراح شعبه، مستقبله من مستقبل شعبها، تلك رسالة المسيح للكاهن القبطي، أن يحيا مع شعب مصر، أن يتقاسم معه العيش. أن يخوض معاركه من أجل حياة أفضل، ألا ينسلخ عن رؤاه المستقبلية. ألا ينعزل عن قضاياه المعاصرة، أن يحيا مصرياً من الطبقة الوسطى، فليس على الكاهن أن يحيا في عوز أو أن يتحول إلى عبء أو أن يجوع أو يهمل، وليس عليه أن يحيا في ترف أو أن يتحول إلى أغنياء العصر، أو أن يصبح رأسمالياً. وإنما أن يكون صورة للكاهن الأعظم، في صورة مصرية متوهجة بالرضا والقناعة. بالحب المتدفق لكل أبناء شعبه ووطنه.

2- عربي:

بشجاعة أطلق الأب كوربون على الكنائس الشرقية “كنيسة العرب” عبارة قد تصدمنا وتقلقنا… هل نخاف من العروبة وقد لبستنا منذ القرن العاشر، منذ ألف سنة، هل نخشى فقدان هويتنا الطائفية: القبطية، أو الهوية البيزنطية، الكلدانية…إلخ هل طقوسنا هي هويتنا؟ هذا سؤال ينبغي على الكنيسة أن تواجهه بموضوعية وشجاعة. أنا مصري، لا أفقد مصريتي إن قلت إن ملامح العروبة من ملامح هويتي، ثقافتنا عربية وإسلامية، عاداتنا وتقاليدنا اختلطت في مصر بين الإسلامية والقبطية كما لم تختلط في بلد آخر، لم يعد المسلم غريباً عني، لم يعد شهر رمضان لا يخصني، أصبحت دراسة القرآن جزءٌ يتعلمه الطفل القبطي منذ نعومة أظافره. نحن عرب لغة وثقافة، نحن عرب بامتزاجنا باخوتنا المسلمين، وهذا يفرض مزيداً من الاهتمام بكل ما هو عربي، ويمكن هنا أن نرصد خمس صور ارتسمت في عقلية المسلم العربي عن الكنيسة المسيحية وترسبت ملامحها في ضميره ووجدانه:

1- المسيحيون هم “النصارى” تعبير قرآني، فالقرآن لم يستعمل كلمة “المسيحيين” وهي عبارة نرفضها نحن المسيحيين لأن القرآن أراد بها فرقة معينة ذات طابع يهودي.

2- المسيحيون هم “أهل الكتاب” تعبير قرآني آخر، إنهم ضمن جماعة الديانات السماوية لكنه يتهمهم بتزوير كتبهم المقدسة فهي لا تطابق الوحي القرآني، ويضعهم مع أهل الكتاب من اليهود والمجوس.

3- المسيحيون هم من أهل “الذمة” شأنهم شأن اليهود والمزدكيين يحظون بالحماية والأمن في دار الإسلام ومن ثم فهم هامشيون في النواحي الوطنية والسياسية والإدارية.

4- أهل مله أو من الروم، كل المواطنين في الإمبراطورية البيزنطية التي فتحها المسلمون ولم يدخلوا الإسلام أُطلق عليهم “الروم” وبخاصة أهل الشام، فالمسلمون لا يزالون بدرجات متفاوتة في البلدان العربية يعتبرون المسيحيين في العالم العربي وكأنهم مواطنون خارج الجنسية الإسلامية إن صح التعبير بالرغم من وجود المسيحيين العرب قبل الإسلام وبعده أمثال الغساسنة والآراميون والسريان، فما زال الشك حول وطنية المسيحيين.

5- لا يذكر القرآن أو المؤرخون العرب لفظ “كنيسة” بل يقولون: الملل المسيحية أو الفرق النصرانية فالمسيحيون في رؤية التاريخ الإسلامي جماعات ممزقة متطاحنة وفرق بينها عدوات متصلة، وأكد هذا المفهوم في عصرنا المسيحيون أنفسهم فهم يقولون كنائس الشرق الأوسط، الكنائس الأرثوذكسية، الكنائس الكاثوليكية، الكنائس الإنجيلية. وتمضي الحياة ويتدفق نهر التاريخ، ونصل إلى الألف الثالث للمسيح، ويطل فجر جديد ولا تزال سمة الفرق هي سمة الجماعات المسيحية، ولا تزال صلاة المسيح من أجل وحدة المسيحيين بريقاً يلمع ثم يزول في خضم الصراعات والكراهية… والسؤال الملح ما هي الشهادة التي تقدمها الكنيسة العربية للمسلمين وللمجتمع العربي؟ تلك لمحة من هوية الكاهن والسؤال الملح ما هي الشهادة التي تقدمها الكنيسة العربية للمسلمين وللمجتمع العربي؟ تلك لمحة من هوية الكاهن القبطي.

3- شاهد للمسيح في عصره وفي بيئته:

جاء في تعاليم البابا بولس السادس: “إن الكنيسة تجتاز أياماً عسيرة من القلق ومن النقد الذاتي وكدت أقول من التخريب الذاتي؛ إن ما يحدث إنما هو شيء من الانقلاب الداخلي (المسرة عدد 545 مايو 1969 صـ335). لكن لم تزل الكنيسة منارة للعالم، حقيقة قوية، فهي الحارسة على القيم الروحية والأخلاقية وهي تصون وديعة الإيمان وقد أحدث المجمع الفاتيكاني الثاني في داخلها تجديداً رائعاً، لم يزل المسيح نوراً للعالم في كل مكان له شهود، لم يرحل القرن العشرون قبل أن يغتسل في دماء الشهداء في الجزائر (8 ترابيست) في أوغندا، في الهند، وهذه الأيام في إندونيسيا ، وحدث في صعيد مصر… المسيح لم يزل فادياً في استمرارية الفداء، دم الشهداء ، أمانة العائلات، إخلاص المرسلين، صمود الرهبان، فكر العلماء، ثبات الشباب… ذلك كله أضحى شهادة للمسيح ولكن لا يمنع القول أن الكنيسة قد تسرب إليها ما تسرب قديماً إلى كنيسة كورنتس من اضطراب العقيدة، وانحراف عن الروحي والانغماس في المادي، شطط في معنى الزواج، حرب على التبتل المكرس، ثورة ضد حكمة أو فطنة فيما يخص الشؤون الدينية والعقائدية، بحيث لا يكاد المجتمع يرى في الكنيسة إلا مؤسسة محض إنسانية. هذه ملامح القرن الواحد والعشرين… فكيف يثبت الكاهن القبطي هويته في هذا الخضم متلاطم الأمواج في الفكر والمذاهب والمدارس!! يمكن القول أن على الكاهن:

أ‌- أن يتزود بثقافة عصره، وألا تتوقف ثقافته، فالثقافة كالنهر الجاري إن أحيط بسدود تحول إلى بحيرة راكدة… الثقافة والتثقف عملية مستمرة دائمة.

ب‌- ألا تتوقف لقاءاته بالمثقفين والزملاء والرؤساء، إلا ما ألم بكل تعاليم الكنيسة في المجالات اللاهوتية فلا يجب أن يرتكن إلى المعلومات التي حصل عليها قبل سيامته.

ج_ القرن القادم هو قرن “الصدق” في الإيمان وفي الفكر، فالعالم لن يتقبل الكاهن إلا إذا كان كاهناً صادقاً مع ضميره ومع مجتمعه، ولن يتقبل الكاهن المنعزل عن شعبه وأحلامه وآماله، ولن يتقبل الكاهن الذي دفن وزناته يائساً، محبطاً. العالم يريد من الكاهن أن يكون مثقفاً، واعياً بقضايا عصره، ممارساً لعقيدته، متحداً بأبناء شعبه، متصلاً بأسقفه، يشهد للمسيح ولكنيسة المسيح شهادة تتناسب مع مسيرة العصر والحضارة.

الهوية الروحية

1- هو قبطي:

ذلك يعني أن المسيح دعاه للحياة في عائلة قبطية، وضمن أعضاء كنيسة قبطية، فهذه الدعوة الإلهية للحياة تنمو وتتحقق من خلال بناء شخصية الفرد ومن خلال مساهمته في بناء أسرته والمجتمع الذي يحيط به. معناه أيضاً أن حياته الروحية تنمو من خلال حفاظه على التراث القبطي وعلى ممارسة طقس كنيسته بكل حب واحترام دون أن ننسى أن الطقس القبطي هو مدرسة عقائدية ولاهوتية للبسطاء وللعامة. فكم ينبغي ممارسة الطقوس في كثير من الوعي بما تحمل من معنى. إنه يحمل سمات الشهداء الأقباط وختم الأمانة للتاريخ المسيحي، تلك علامات رسالته في مجتمعه القبطي، لقد حاولت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إعادة تأكيد الهوية بطرق متنوعة منها: التجديد الرهباني (60-120 راهباً في كل دير) وفي أغلبهم خريجو الجامعات وتمت محاولات جادة في تجديد أديرة رهبانية هُجرت ويعاد اشتغالها وترميمها أو إنشاء أديرة جديدة من أساسها في مواقع جديدة (مارجرجس الخطاطبة) وكذلك تم تجديد وتعمير الأديرة النسائية. كما يتم تأكيد الهوية الروحية في تفسير جديد للكتاب المقدس وعلم اللاهوت، والخروج من الانطواء على الذات بالمشاركة في الأنشطة الكنسية العالمية… ترى هل يحاول الكاهن القبطي الكاثوليكي السير في هذا المضمار بالتثقيف الذاتي، وعدم الانغلاق على الذات، والمشاركة الإيجابية في مختلف الأنشطة الكنسية؟!

2-  كاثوليكي:

أعتقد أن مركز هوية الكاهن القبطي الكاثوليكي قائم في “كاثوليكيته” فهو ليس منفصلاً عن العالم المسيحي بل هو عضو في كرمة المسيح، الكرمة العالمية، وهذا ثراء يمكن أن يغمر عقله وقلبه وأن يعمق حياته وأن يوسع آفاق فكره وعلمه. إن انتماء الكاهن للكنيسة الكاثوليكية يفرض عليه أن يتغذى روحياً من الفكر الكاثوليكي العالمي والخلاق، فرسائل البابوات نبع لا ينضب من ينابيع المعرفة والحياة الروحية، والصحافة الكاثوليكية، والكتب اللاهوتية، والثقافية بكل ألوانها يمكن أن تمدّ الكاهن برؤية كاثوليكية شاملة حول المواقف الإيمانية والأخلاقية. ليس انتماء الكاهن للكنيسة الكاثوليكية ترفاً بل هو من صميم إيمانه وعقيدته مما يفرض عليه الإلمام باتجاهات الفكر الكاثوليكي وبمسيرة الخلاص في أنحاء العالم، والمشاركة الروحية في كل آمال الكنيسة وأنشطة الحقول الرسولية في العالم كله. والانتماء في الكنيسة الكاثوليكية يعمق الصلة بين الكاهن وأسقفه الذي هو رئيس الكنيسة وممثل المسيح في الإيبارشية ويجسّد سلطة قداسة البابا والبطريرك، إن وحدة الكنيسة الكاثوليكية تتمثل في نائب المسيح- البابا- وفي أبي الطائفة- البطريرك- وفي راعي الإيبارشية الأسقف. ينبغي أن تكون في وجدان الكاهن وفي نسيج إيمانه وحياته، كأن خيطاً روحياً ولاهوتياً ووجدانياً يربط بين أعضاء الكنيسة في العالم أجمع، وهو ما نسميه بشركة القديسين.

3- رسول مسكوني:

الكاهن القبطي الكاثوليكي له رسالة مسكونية تتخذ ملامحها من الكنيسة الجامعة ولننصت إلى صوت المجمع الفاتيكاني الثاني في هذا المجال إذ يقول: “العمل الرسولي يحتم على مؤمني الكنيسة الكاثوليكية أن يهتموا بدون تردد اهتماماً أكبر بإخوانهم المنفصلين وأن يصلّوا من أجلهم وأن يتحدثوا معهم عما يتعلق بشؤون الكنيسة وأن يخطوا الخطوات الأولى نحوهم، كما ينبغي عليهم خصوصاً أن يراعوا بإخلاص وانتباه كل ما يجب إنجازه وتجديده داخل الأسرة الكاثوليكية ذاتها، بحيث تكون شاهدة أكثر أمانة ووضوحاً للعقيدة والأنظمة التي نقلها الرسل عن المسيح” (وثائق المجمع_ قرار مجمعي في الحركة المسكونية صـ427 الطبعة المصرية). وقد حدد المجمع خطوات للعمل المسكوني لكي يكون الكاهن رسولاً للمسكونية في زمن العولمة، وتحوّل الكرة الأرضية إلى شبه مدينة كبيرة، واشتداد تيارات الهجرة الداخلية والهجرة الخارجية، فالروح القدس يقود الكنيسة إلى الوحدة والكاهن القبطي الكاثوليكي ينبغي وبرغم جميع الصعاب أن يلتقي في محبة مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الإنجيلية في مناخ روحي إنجيلي وألا يتردد في العمل المسكوني إذا وجد ذلك ممكناً.

1- تجدد الكنيسة سبيل إلى الوحدة والعمل المسكوني والمسيح يدعوها دوماً إلى هذا التجديد المتصل كمؤسسة إنسانية وأرضية.

2- توبة القلب- لا حركة مسكونية حقيقية بدون تجديد داخلي وتوبة صادقة وتحريض بولس الرسول موجه بنوع خاص إلى الكهنة “فأسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم إليها بكل تواضع وأناة محتملين بعضكم بعضاً بالمحبة ومجتهدين في حفظ وحدة الروح برباط السلام” (أف 1:4-3).

3- الصلاة المشتركة، في كل المناسبات التي تدعو إلى ذلك

4- التعاون الأخوي المتبادل

5- تكوين الروح المسكونية في أبناء الرعية

6- طريقة التعبير عن الحقائق الإيمانية وعرضها، بحيث لا تكون عثرة في سبيل الحوار

7- التعاون مع جميع المسيحيين.

ختاماً:

ما هو المعنى وراء وجود الكاهن القبطي الكاثوليكي أو قل بصراحة ما هو المعنى وراء وجود طائفة الأقباط الكاثوليك؟ في الماضي كان يقال أن الكنيسة القبطية الكاثوليكية هي الجسر الذي تعبر عليه التعاليم الكاثوليكية والعقيدة والثقافة الغربية إلى المجتمع المسيحي المصري، ولكن هذا الأمر يقال عن الكنيسة الكاثوليكية في كيانها المصري وبما يضم من رهبانيات وجمعيات وأنشطة. فماذا يميز الكاهن القبطي الكاثوليكي الآن؟. إن للكاهن القبطي الكاثوليكي رسالة وهدفاً مقدساً، وفي اعتقادي أن الكنيسة القبطية الكاثوليكية تجسد التجربة الحية القوية “للوحدة المسيحية” بين الشرق وبين الغرب، إنها الخبرة التاريخية والواقعية والمتصلة عن اتحاد كنيسة الأقباط بالكنيسة الجامعة، إنها “الخطوة” التي تحققت ويمكن أن تكون نموذجاً يصلح للدراسة وإعداد الوحدة بين الكنيسة الجامعة والكنيسة المحلية شأنها شأن باقي الكنائس الشرقية المتحدة بالكرسي الرسولي الروماني. أضف إلى هذا أن الكنيسة القبطية الكاثوليكية ثراء وأي ثراء للدعوات الرهبانية الكاثوليكية المتنوعة، لقد استمدت هذه الرهبانيات من الكنيسة القبطية الكاثوليكية من خلال بناتها وأبنائها حيوية جديدة، وقوة روحية جددت نشاطها بل وعملت على استمرار رسالتها، فقد أصبح لدى جميع الرهبانيات أو قل غالبيتها رهبان وراهبات أقباط كاثوليك حملوا مشعل القداسة الخاصة بكل رهبنة على أرض وادي النيل. ولا يمكن أن نغفل دور الطائفة وكاهنها القبطي الكاثوليكي في حمل الثقافة الكاثوليكية والفكر الحضاري المتقدم الذي طبع المسيحية بوجه عام في مصر بطابع تقدمي، حضاري، أقام أسساً للحوار الإنساني ولحوار الأديان وأسهم بفاعلية في دعم ونشر روح الإنجيل. نعم، نحن طائفة صغيرة، وقد يشعر الكاهن بأنه “محصور” في إطار كنسي محدود… ولكن الروح القدس يستخدم الضعف لنشر النعمة، والبساطة لازدهار الإيمان والقلة لحمل الرسالة والأمانة.