وثيقة دائرة عقيدة الإيمان حول “الانتهاكات الخطيرة” للكرامة البشريّة
نقلا عن الفاتيكان نيوز
8 أبريل 2024
كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
تطلبت وثيقة دائرة عقيدة الإيمان “Dignitas infinita”، “الكرامة اللانهائية” خمس سنوات من العمل وتتضمن السلطة التعليمية البابوية في العقد الماضي: من الحرب إلى الفقر، ومن العنف ضد المهاجرين إلى العنف ضد المرأة، ومن الإجهاض إلى الأمومة البديلة والقتل الرحيم، من نظرية الجندر إلى العنف الرقمي.
ثلاثة فصول تقدّم أسس التصريحات الواردة في الفصل الرابع المخصص لـ “بعض الانتهاكات الجسيمة للكرامة البشريّة”: إنه إعلان “Dignitas infinita”، “الكرامة اللانهائية” الصادر عن دائرة عقيدة الإيمان، وهو وثيقة تخلِّد الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعيد التأكيد على “ضرورة مفهوم كرامة الشخص البشري في الأنثروبولوجيا المسيحية بأسرها”. إنَّ حداثة الإعلان الرئيسية في الوثيقة، ثمرة عمل دام خمس سنوات، هي إدراج بعض المواضيع الرئيسية للتعاليم البابوية الحديثة والتي تكمل مواضيع الأخلاقية البيولوجية. وفي القائمة “غير الشاملة” المعروضة، من بين انتهاكات الكرامة البشريّة، إلى جانب الإجهاض والقتل الرحيم والأمومة البديلة، تظهر الحرب ومأساة الفقر والمهاجرين والاتجار بالبشر. وبالتالي، يساهم النص الجديد في التغلب على الانقسام القائم بين الذين يركزون حصريًا على الدفاع عن الحياة التي لم تولد أو تحتضر، وينسون العديد من الاعتداءات الأخرى ضد الكرامة البشرية، وكذلك، الذين يركزون فقط على الدفاع عن الفقراء والمهاجرين، وينسون أنه يجب الدفاع عن الحياة منذ الحمل بها وحتى موتها الطبيعي.
في الأجزاء الثلاثة الأولى من الإعلان يتم التذكير بالمبادئ الأساسية. “إن الكنيسة، في ضوء الوحي، تعيد التأكيد وتُثبِّت بشكل مُطلق أنَّ الكرامة الوجودية للشخص البشري، المخلوق على صورة الله ومثاله، والذي افتُديَ في المسيح يسوع” (١). هي “كرامة غير قابلة للتصرف” تتوافق مع “الطبيعة البشرية التي تذهب أبعد من أي تغيير ثقافي (٦) وهي “عطيّة نلناها” وبالتالي فهي حاضرة “على سبيل المثال، في طفل لم يولد بعد، في شخص فاقد الوعي، في رجل مسن يتألم” (٩). “تعلن الكنيسة المساواة في الكرامة بين جميع البشر، بغض النظر عن ظروف حياتهم أو صفاتهم” (١٧) وتقوم بذلك على أساس الوحي البيبلي: النساء والرجال هم مخلوقون على صورة الله؛ بتجسده أكّد المسيح ” كرامة الجسد والنفس” (١٩)، وبقيامته كشف لنا أن “أسمى ما في كرامة الإنسان هو دعوته إلى الشركة مع الله” (٢٠).
تسلط الوثيقة الضوء على سوء الفهم الذي يمثله موقف الذين يفضلون عبارة “الكرامة الشخصية” على عبارة “الكرامة البشريّة”، “لأنهم يفهمون الشخص فقط كـ “كائن قادر على التفكير”. وبالتالي، هم يزعمون بأن “الطفل الذي لم يولد بعد لا يتمتع بالكرامة الشخصية، ولا الشخص المسن الذي لا يتمتع بالاكتفاء الذاتي، ولا حتى الشخص الذي يعاني من إعاقة عقلية. أما الكنيسة فتُصر على أن كرامة كل شخص بشري، لأنها جوهرية، تظل فوق كل الظروف” (٢٤). كذلك، تؤكِّد الوثيقة أن “مفهوم الكرامة البشريّة يُستخدم أحيانًا بشكل مسيئ لتبرير مضاعفة تعسفية للحقوق الجديدة… كما لو أنه ينبغي ضمان القدرة على التعبير وتحقيق كل تفضيل فردي أو رغبة ذاتية (٢٥).
ثم يعرض الإعلان قائمة “بعض الانتهاكات الجسيمة للكرامة البشريّة”، أي “كل ما هو ضد الحياة نفسها، كأي نوع من أنواع القتل والإبادة الجماعية والإجهاض والقتل الرحيم والانتحار الطوعي”؛ وإنما أيضًا “كل ما ينتهك سلامة الشخص البشري، مثل التشويه والتعذيب الذي يلحق بالجسد والعقل، والقيود النفسية”. وأخيرًا “كل ما يسيء إلى الكرامة البشريّة، مثل الظروف المعيشية غير الإنسانية، والسجن التعسفي، والترحيل، والعبودية، والدعارة، وسوق النساء والشباب، أو حتى ظروف العمل المخزية، التي يعامل بها العمال كأدوات بسيطة للربح، وليس كأشخاص أحرار ومسؤولين”، كما يُشار أيضًا إلى عقوبة الإعدام التي “تنتهك الكرامة البشرية غير القابلة للتصرف لكل إنسان بغض النظر عن أي ظروف” (٣٤).
تتحدّث الوثيقة أولاً عن “مأساة الفقر”، “أحد أعظم أشكال الظلم في العالم المعاصر” (٣٦). ثم هناك الحرب، “مأساة تنكر الكرامة البشريّة” والتي هي على الدوام “هزيمة للبشريّة” (٣٨)، إلى درجة أنه “من الصعب جدًا اليوم أن ندعم المعايير العقلانية التي نضجت في قرون أخرى للحديث عن “حرب عادلة” محتملة (٣٩). وتواصل الوثيقة الحديث عن “عناء المهاجرين” الذين “تتعرض حياتهم للخطر لأنهم لم يعودوا قادرين على تكوين عائلة أو على العمل أو على إطعام أنفسهم” (٤٠). ثم تتوقف الوثيقة عند “الاتجار بالبشر” الذي يأخذ “أبعادًا مأساوية” ويتمُّ تعريفه بأنه “نشاط حقير وعار على مجتمعاتنا التي تدعي أنها متحضرة”، وتدعو “المستغلين والعملاء” لكي يقوموا بفحص ضمير جاد (٤١). وبالطريقة عينها يدعو الإعلان إلى مكافحة ظواهر مثل “التجارة بالأعضاء والأنسجة البشرية، والاستغلال الجنسي للفتيان والفتيات، والعمل بالسخرة، بما في ذلك الدعارة، والاتجار بالمخدرات والأسلحة، والإرهاب، والجريمة الدولية المنظمة” (٤٢). كما يشير الإعلان أيضًا إلى “الاستغلال والانتهاك الجنسي” الذي يترك “ندوبًا عميقة في قلوب الذين تعرّضوا له”: وهي “آلام يمكنها أن تستمر مدى الحياة ولا يمكن لأي شكل من أشكال التوبة أن يعالجها” (٤٣). وتواصل الوثيقة مع التمييز ضد النساء والعنف ضدهنَّ، وتشير إلى “الإجهاض القسري، الذي يؤثر على الأم والطفل معًا، والذي غالبًا ما يكون في كثير من الأحيان لإشباع أنانية الذكور” و”ممارسة تعدد الزوجات” (٤٥). كما تدين الوثيقة أيضًا “قتل النساء” (٤٦).
واضحة أيضًا إدانة الإجهاض: “من بين جميع الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الإنسان ضد الحياة، يتميز الإجهاض المتعمد بخصائص تجعله خطيرًا ومؤسفًا بشكل خاص” وتذكر الوثيقة أن “الدفاع عن الحياة التي لم تولد بعد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدفاع عن أي حق من حقوق الإنسان” (٤٧). هناك أيضًا “رفض قوي للأمومة البديلة، “التي من خلالها يصبح الطفل، الذي يتمتع بكرامة ساميّة، مجرد سلعة”، وهي ممارسة “تلحق ضررًا خطيرًا بكرامة المرأة وطفلها … وتقوم على استغلال حالة الضرورة المادية للأم. إنَّ الطفل هو على الدوام عطيّة وليس أبدًا موضوعًا لعقد ما” (٤٨) تشير القائمة بعد ذلك إلى القتل الرحيم والانتحار بمساعدة الغير، اللذين تعرّفهما بعض القوانين بشكل مربك على أنهما “موت كريم”، وتذكّر في هذا السياق بأن “الألم لا يجعل المريض يفقد كرامته التي هي في جوهره وغير قابلة للتصرف” (٥١). ثم تتحدث الوثيقة عن أهمية الرعاية التلطيفية وتجنب “أي تعنّت علاجي أو تدخل غير متناسب”، وتعيد التأكيد على أن “الحياة هي حق، وليس الموت، الذي علينا أن نقبله لا أن نمنحه” (٥٢). ومن بين الانتهاكات الجسيمة للكرامة البشريّة أيضًا “تهميش” الأشخاص ذوي الإعاقة (٥٣).
وبعد التأكيد على أنه يجب تجنب “جميع علامات التمييز غير العادل، ولاسيما جميع أشكال العدوان والعنف” تجاه المثليين جنسياً، تشجب الوثيقة “كعمل يتعارض الكرامة البشريّة” حقيقة أنه في بعض الأماكن يتم “سجن الأشخاص وتعذيبهم وحتى حرمانهم من الحق بالحياة بسبب توجههم الجنسي فقط” (٥٥)، كذلك تنتقد الوثيقة نظرية الجندر، “التي هي نظريّة خطيرة لأنها تمحو الاختلافات في الادعاء بجعل الجميع متساوين” (٥٦). وتذكر الكنيسة أن “الحياة البشريّة، بجميع مكوناتها، الجسدية والروحية، هي عطية من الله، يجب قبولها بامتنان ووضعها في خدمة الخير. وأن رغبة المرء في أن يجعل من نفسه مرجعًا، كما تنص نظرية الجندر… لا تعني إلا الاستسلام للتجربة القديمة للإنسان الذي يريد أن يجعل من نفسه إلهًا” (٥٧). إنَّ نظرية الجندر “تريد أن تُنكر أكبر اختلاف ممكن بين الكائنات الحية: الاختلاف الجنسي” (٥٨). لذلك “يجب رفض كل تلك المحاولات التي تحجب الإشارة إلى الاختلاف الجنسي غير القابل للإلغاء بين الرجل والمرأة” (٥٩). سلبيٌّ أيضًا هو الحكم على تغيير الجنس، الذي “يخاطر عادةً بتهديد الكرامة الفريدة التي نالها الشخص منذ لحظة الحبل به” حتى لو “كان هذا الأمر لا يعني استبعاد احتمال أن يتمكّن شخص يعاني من تشوهات تناسلية واضحة عند الولادة أو قد تتطور لاحقًا، من أن يختار أن يتلقى المساعدة الطبية من أجل حل مثل هذه الحالات الشاذة” (٦٠).
تكتمل القائمة بـ “العنف الرقمي”، وتذكر الوثيقة “أشكال العنف الجديدة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال التسلط عبر الإنترنت” و”انتشار المواد الإباحية واستغلال الأشخاص لأغراض جنسية أو من خلال ألعاب القمار” على شبكة الإنترنت (٦١). وينتهي الإعلان بالحث على “وضع احترام كرامة الإنسان فوق كل الظروف في محور الالتزام بالخير العام وفي كل نظام قانوني” (٦٤).