وقفت متفرجاً…باكياً وعاجزاً-الأب أندراوس فهمي
وقفت متفرجاً…باكياً وعاجزاً-الأب أندراوس فهمي
تأتي أحداث الإرهاب بكنيسة القديسين مارجرجس والأنبا بطرس…وتتحول أمامي إلى مسرح غريب…ظهرت فيه أبطال المسرحية وهي تلك الأرواح البريئة الطاهرة التي بمجرد ظهورها على خشبة المسرح تلاشت في سماء صافية…تلك الأرواح التي أرادت في هذا اليوم أن تفرح وتبتسم ولو لدقائق معدودة بعد دقات الثانية عشر…ذنبها الوحيد أن القناع (الدور) التي أرادت أن تلبسه في هذه المسرحية هو الابتسامة في عالمها الفاقد له…ذنبها أنها حاولت الابتسام والرجاء…!!!
أنك حقاً لمسرح غريب…فهذه الأرواح تظهر بغتة ثم تضمحل…ثم ماذا؟ عليّ كمتفرج أن أشاهد هذه الأشلاء تتطاير والأرواح تذهب…ومن المفترض أن أعرف!!! نعم يجب أن اعرف…ولكن أعرف ماذا!!!
لم أجد الوقت الكاف لأنظرها ولا أتأملها، فقد جاءتني باقي الشخصيات (الأقنعة)وخطفت مني تأملي ومشاعري وفكري…
فهوذا القناع الأول يأتيني ليفسر لي ويشرح السبب، أنه قناع المسئوليّة فجاءني ليحوَّل أنظاري من هذه الأرواح البريئة إلى قضايا دولية ومنظمات إرهابية وأشخاص غامضين ووووو…!!!
آه لقد نجحت أيه القناع في سحب أنظاري إلى بعيد، لقد أخرجتني حقاً من جو المسرحية الغامض ووجدتَ من تلقي عليهم المسئولية وتطمئني أنّ الأمان مازال موجوداً…فشكراً لك…ولكن ماذا أرى؟؟!!! فدورك هو أن يهدأ من روعي ويجعلني أكمل مشاهدة المسرحية…!
وها هو البطل الثالث، فهو قناع الوهم، نعم فقد جاء من الخلف البعيد ليسحبني نحو ماض كان فيه الإخاء والسلام والمحبة والوئام.وووووو.وكان وكان وكان…!!
نعم أيها القناع الزائف لقد سحبتني خلفك فاقد الوعي ومسلوب التفكير…سحبتني في ماض لم ألمسه ولم أعشه ولم تعيش فيه الأرواح الطاهرة الصاعدة أمامي…نعم أيها القناع البارع فقد سحبتني من الواقع المؤلم وأدخلتني كواليس مليئة بالأوهام والرغبات الزائفة…ولكنها ليست مسرحيتي التي شاهدتها بعيني…فهذا الزمن قد كان…والآن لا يوجد.
وهنا باغتني سريعاً قناعاً آخرً، ولكنّه كان قناعاً زكياً فلم يأتي بمفرده لكنه جاء وخلفه قوات من الأمن لتحميني…نعم لقد جاء ليحميني أنا…أنا؟؟؟ ولماذا أنا، فقد جئت أشاهد المسرحية العظيمة…إنك حقاً لقناع مزيف، فالأمن لا يأتي مع كل هذه القوات، فأماني يأتي من داخلي الذي أغتصب مني في مسرحك الغريب… للأسف قواتك تفزعني أكثر مما تؤمن لي حياتي…
لكنك أنت الآخر تلعب دوراً جيداً بل وتتقنه تماماً…فقد أدخلت إلى قلبي رعباً لم أكن متوقعاً له، وسحبت أنظاري التي باتت ضعيفة وواهنة إلى الخوف…فقد جعلت مشاعري تهرب مني ولم أعد أنظر إلى تلك الأرواح البريئة…بل أنا الآن أنظر إلى نفسي…إنك حقاً قناع شرير فقد حولت المشهد الذي أراه إلى خوف على نفسي وعلى أبنائي…يا له من دور!!!
وأخيراً جاء القناع الأكثر إثارة…إنّه قناع قدير لأنه يستطيع أن يعيدك إلى المشهد الأول…نعم إنه قناع الدموع… فقد رأيت أسر الشهداء الأطهار وقلوبهم تنزف دماً وعيونهم أُغلقت من دموعهم…فكيف لا أبكي وأنا أرى رحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم…لأنهم صعدوا وغير موجودين على المسرح…
آه أيها القناع فقد جعلتني أبكي حقاً من قلبي فقد ذكّرتني بدموع سابقة وآلام حارقة، وأنا…وأنا بطبيعتي عاطفي جداً فقد جعلت دموعي أنهاراً وجعلتني أتلذذ بها…فقد أقنعتني أن دموعي هي الحل…فقد بكيت وبكى معي الجميع وحتى الأقنعة على المسرح تسابقت في البكاء…
آه أيها القناع فأنت أيضاً كاذب ومزيف، لأنني بعد أن بكيت وانهرت في بكائي وجدتني عاجزاً متصلباً في مكاني…فقد أقنعتني بالبكاء وجعلتني أكتفي به…
لكنك خادع، فبعد أن خرجت من المسرح وجدت هذه الأرواح البريئة خارجاً وقد خلفت ورائها حزناً وألماً وجرحاً لن تنساه القلوب… ولكن للأسف الشديد فإنّ مسرحك قد اشتهر فيه آخرون (أقنعة كثيرة) قد حققت مكاسب وقامت بعروض وجذبت الأنظار. بل وقد أخطأ مسرحكم هذا لأنه جعل من أرواح الأبرياء سلعة لهذه الأقنعة المزيفة وغيرها…كلها اغتنت وربحت وكنت أنا الخاسر الوحيد مع جموع المشاهدين وأرواح الأبرياء
فوقفت خارج المسرح أبكي كمريم المجدلية، وقفت خارجاً ودموعي هي كل ما خرجت به…خرجت ألتفت حولي أتأمل كل هذه الأقنعة
فوجدتني…
باكياً وعاجزاً