« ويَسيرُ أَمامَ الرَّبِّ وفيهِ رُوحُ إيليَّا وَقُوَّتُه » القدّيس أوغسطينُس
القدّيس أوغسطينُس (354 – 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة
العظة رقم 4 حول إنجيل القدّيس يوحنّا
« ويَسيرُ أَمامَ الرَّبِّ وفيهِ رُوحُ إيليَّا وَقُوَّتُه » (لو 1: 17)
سأل التّلاميذ الرّب يسوع: “لِماذا يقولُ الكتَبَةُ إِنَّهُ يَجِبُ أَن يَأتيَ إِيلِيَّا أَوَّلاً؟” فأجابهم الرّب: “إِنَّ إِيلِيَّا قد أَتى، فلَم يَعرِفوه، بَل صَنَعوا بِه كُلَّ ما أَرادوا…” فَفَهِمَ التلاميذ أنه كلَّمهم عن يوحنّا المعمدان. وبهذا أشار الرّب يسوع المسيح بوضوح أنّ إيليا قد أتى فعلا وهو يوحنّا المعمدان. ولكن عندما سألوا يوحنا، أجابهم بأنه ليس إيليا وبانه ليس المسيح. (راجع يو 1: 20). لماذا إذًا أكّد يوحنا أنه “ليس إيليا” في حين قال الرّب يسوع لرسله بأن يوحنا هو إيليا؟ ذلك أن ربّنا أراد أن يلمّح إلى مجيئه الثاني وبأن يوحنا قد أتى وفيه روح إيليا. وكما كان يوحنا في المجيء الأوّل، سيكون إيليا ايضا في المجيء الثاني. هناك مجيئان للدّيّان كما أن له سابقان. الدّيان هو نفسه في المجيئان إنّما هناك سابقان له. يأتي الدّيان أولاً ليُحاكَم. ويرسل أمامه سابقًا يدعوه إيليا في المجيء الأول، لأن إيليا سيكون للمجيء الثاني ما كان عليه يوحنا في المجيء الأول.
يا إخوتي الأحباء، فكروا كم أن هذا التفسير مرتكز على الحقيقة. ففي الوقت الذي حُبل بيوحنا… كان الرُّوح القدس أنبأ بهذا الأمر الّذي سيتحقّق في يوحنّا: “ويَسيرُ أَمامَ الرَّبِّ وفيهِ رُوحُ إيليَّا وَقُوَّتُه” (لو 1: 17). من بإمكانه أن يفهم كل هذا؟ من يتمتع بتواضع السّابق ويعرف عظمة الدّيّان. لم يتمتع أحد بتواضع هذا السابق القديس. فتواضع يوحنا صفة تستحق التقدير؛ هو من كان بإمكانه تضليل الناس وتبشيرهم بأنه هو المسيح. ولكن لأنه يتمتع بكمٍّ من النعم والفضائل: “اعتَرفَ ولَم يُنكِرْ، اِعتَرَفَ: لَستُ المسيح. سأَلوه: مَن أَنتَ إِذاً؟ أَأَنتَ إِيلِيَّا؟ قال: لَستُ إِيَّاه. أَأَنتَ النَّبِيّ؟ أَجابَ: لا!”. (يو 1: 20-21).