“يارب علمنا أن نصلي” (لو11: 1)
يسوع رجل الصلاة كان يختلي وينفرد بنفسه، في أماكن هادئة مثل الجبل. وبستان الزيتون يقضي وقت خلوة مع الله الآب والروح القدس بحوار متواصل في قلبه بسكون وطمأنينة يجثو على ركبتيه، يجهد نفسه في الصلاة ليُدخل البشرية كلها ويُرجعها لحضن الثالوث من جديد. ” صعد إلى الجبل ليصلي في العزلة، وكان وحده هناك عندما جاء المساء” (مت 14: 23) يسوع يحب الصلاة بنوعيها الشخصية، والجماعية، يجذب بصلاته تلاميذه، فيطلب أحدهم أن يعلمهم الصلاة. فقال: ” متي صليتم فقولوا: أبانا الذي في السماء… إي منحنا يسوع أبيه الآب فأصبح لنا أب نقدس أسمه، ونطلب أن يأتي ملكه على أرضنا، أن نعمل مشيئته في حياتنا… وأصبح يسوع أخ قريب منا أخذ حياتنا عاشها بكل ما فيها من جمال وتجارب وعلمنا الانتصار على الشرير، وحمل ضعف بشريتنا واعطنا نعمة قوته السماوية، أخذ فقرنا فأصبحنا أغنياء بتعاليمه وحضوره بيننا.
يسوع علمنا الصلاة في أول أحد من أناجيل الصوم الأربعيني” إذا صليت فأدخل غرفتك وأغلق بابها وصل لأبيك الذي لا تراه عين، وأبوك الذي يري في الخفية هو يكافئك” (مت6 :6) إي أن ندخل غرفتنا الداخلية إي قلبنا ونغلق باب الحواس الخارجي الذي يأتي منه كل تششت، ونصلي للآب الذي لا تراه عين، لكن نراه بعيون قلوبنا نشعر به يلمس مشاعرنا، ينير عقولنا فنفهم إرادته، ونميز مشيئته، فيعطي القوة لإرادتنا لنعمل مشروعه الخلاصي الذي يريد منا أن نشاركه فيه. وقال لنا أيضًا: ” اسهروا، وصلوا لئلا تقعوا في التجربة الروح راغبة، ولكن الجسد ضعيف” ( مت 26: 41) صلاتنا تحتاج يقظة على نفوسنا، أسأل نفسي إلى أين قلبي يتجه؟ تتطلب الصلاة انتباه لهذا الصراع الروحي في اختيارات حياتنا اليومية بين ما هو الروحي وما هو مادي جسدي ترابي.
يسوع يصلي قبل اختيار تلاميذه “صعد إلى الجبل ليصلي، فقضي الليل كله في الصلاة لله. ولما طلع الصبح، دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر سماهم رسًلا( لو6 :12-13) يسوع يصلي قبل أن يقوم بأي معجزة ففي إطعام خمسة آلاف رجل” أخذ يسوع الأرغفة وشكر” (يو6: 11)، وصلي أيضًا في إقامة لعازر” رفع يسوع عينيه وقال: أشكرك يا أبي، لأنك استجبت لي” (يو11: 41) ونحن كيف ومتي نشكر الله على كل نعمه التي تغمرنا من بداية النهار حتى أخر لحظه فيه؟ وقال يسوع في شفاء صبيًا فيه شيطان ” هذا الجنس من الشياطين لا يطرد إلا بالصلاة والصوم” ( مت 17: 21) تحتاج الصلاة منا إيمان قوي أن نصدق الله يعمل فينا، وبنا، ومن خلالنا معجزات لخدمة من حولنا.
وأما جمال الصلاة تخلق منا أشخاص مصلين فتحولنا من بشريين عاديين إلى أشخاص روحانيين نتقابل مع أشخاص سمائيين وتحضر السماء على أرضنا وهذا ما أعطاه لنا يسوع في التجلي تغيرت هيئته، التقي مع موسى وإيليا سمعوا تلاميذه صوت الأب ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت فله اسمعوا”. يسوع في صلاته الكهنوتية يصلي من اجل تلاميذه، ومن أجلنا نحن اليوم أن نكون معه، ونكون متحدين ببعض كما هو علاقته بالأب ويريد يسوع أن ندخل في علاقة حميمة معه، ومع الأب، ومع اخوتنا قال “أريدهم أن يكونوا معي” (يو17: 1-26). أعطانا أمثال في وجوب المداومة على الصلاة من غير ملل، وأن الله ينصف مختاريه الضارعين اليه ليل نهار وهذا في مثل الارمله والقاضي( لو18: 1-8) أما مثل الفريسى والعشار يطرح كيفيه الصلاة وممارسة التدين الظاهري والتدين الحقيقي الذي يتم ببساطة، وفقر، وتواضع، ووداعة( لو18 : 9- 14). أما صلاة يسوع في بستان جتسيماني(مر14: 32- 39) كان يصلي في جلسة طويلة مع الآب ليضع معه اللمسات الأخيرة لتميم المشروع الخلاصي، ويشاركه في لحظات الحيرة، التجربة، والأوقات الصعبة وبعد صراع روحي يقبل يسوع مشيئة أبيه ويرفض مشيئته هو لذلك ينجح في إتمام المخطط الإلهي.
إذن ما هي الصلاة؟ هي لقاء حب، علاقة حميمة، متواصلة، ومستمرة بها مدوامه تواصل واتصال بين نفسي والله. الصلاة هي عمل الله في قلبنا فنشعر بتأثير الله الطيب فهو يوقظ وعينا بحضوره داخلنا وفي حياتنا. الصلاة هي انتباه إلى الله الحاضر داخل قلبي الذي هو مسكن الله. الصلاة هي يقظة لالتقاط كلمات الله المحيية، والمحررة لحياتي، كلمات الله حب يهمس بها في قلبي. ورغم أننا لا نعرف أن نتقن الصلاة لكن الروح الذي يسكن فينا هو يصلي فينا بأنات لا توصف. الصلاة هي انفتاح على روح الله الذي يتكلم في القلوب” تكلم يارب فإن عبدك يسمع” عندما نصغي لكلمة هذا ليس بالسهل ولكنه يحتاج تدريب على الاستماع بوجه اعمق، واصدق إلى كلمه الله، وبفضل هذا المجهود المستمر والمتواصل نتقدم في وعينا لحضور الله بداخلنا. الصلاة أن أقبل أن أعطي وقتي أمام الله بمجانية، والله يعطينا شعور بارتياح واطمئنان وهدوء وسكينة، وعندما نتذوق هذه المشاعر الرائعة ” ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب” فالرب يعمل مباشرة مع الإنسان الباحث عن إرادته في حياته. فالصلاة تهدف إلى البحث عن إرادة الله، يحتاج المصلى إلي التمييز وبعد معرفتها يحتاج للإرادة فيقرر بحرية أنه يعمل بها.
الصلاة تحتاج القلب بما فيه من مشاعر وعاطفة روحية، تحتاج للعقل للفهم وتمييز إرادة الله، وأيضا الإرادة للعمل بالقرار. نطلب في صلاتنا من الله أن يقودنا إلى النور والسلام، أن يعلمنا طريق الحياة والحرية عبر الكتاب المقدس، وأحداث العالم وأمور الحياة والطبيعة والتاريخ والأشياء والناس والكنيسة والعمل والدراسة، بين الأهل في البيت ووسط الناس في الشارع وفي المحلات… إذن الصلاة هي في كل حياتنا وهي كلها من بداية تقدمة النهار، حتى نهايته في مراجعة النهار” دائرة الصلاة والعمل” إذن الصلاة خبرة روحية. وفي كل مرة يتكلم الله فينا فإنه يلمس قلبنا ويقودنا للفرح، معنا في الحياة ومعايشة الحرية بطريقة صحيحة.
متطلبات الصلاة الصدق مع ذواتنا. والرغبة الأمينة أن نعيش حياتنا مع الله وفيه وله، به. أن نكون بسخاء و نعطي بمجانية وقتنا. وأن نثق في حضور الله حتى وإن لم يكن فيه تعزيات إي أحب الله لذاته وليس لتعزياته. أن أضع نفسي بين يديه فأجد ذاتي فيه محبوبًا مقبولا، فأسلمه أمري وحياتي ومستقبلي بكل إيمان أنا لي أب. تحتاج الصلاة مجهود لمسيره الحب بيني وبين الله. فالذي يلمس حب الله ويتجاوب معه يجد تيار الحياة والحرية يتدفق فيه فيسمع صوت الله ولا يدري يأتي وإلي أين يذهب” الروح يهب حيث يشاء”.
الوسائل التي تهيئنا للصلاة وتقودنا للحضور أمام الله بثقة وبساطة وتنيرنا للجوهر. الوسيلة الأولى هي الشخصية: مثل التأمل، الخلوة الروحية، السجود أمام القربان ، فحص الضمير، مراجعة اليوم، ومراجعة الحياة، الصلاة اللفظية القلبية، تُعد نفسنا لتنظيم حياتنا واهتداء لمشيئة الله ماذا يريد منا، فعلاقتنا بالله هي ضمان، وجودنا، وحريتنا، وسعادتنا نجد فيه هويتنا، واسمنا، وكياننا فنتذوق مفاعيل حضوره في حياتنا بالفرح، والانطلاقة فنحن خُلقنا لنسبحه، ونكرمه، ونخدمه، نحتاج إلى تعبير إيماني شخصي يشرح لنا معني ارتباطنا بيسوع مخلص العالم ولكنه مخلصي أنا بطريقة شخصية, وهذا اختبار شخصي وخبرة شخصية. نريد أن ننتقل من ما هو عام إلى ما هو خاص. الله يتحدث لي في محرابي الداخلي في قدس أقداسي يلمس قلبي ومشاعري، يغير فكري، يجدد طرقي واتجاه مشاريعي بإرادة صالحة وعلاقتي بالله تشمل كل كياني كل قواي، لايمكن أن تظل علاقتنا بالله على مستوى فكر أو فكرة عامة ومعلومات.
أما الوسيلة الثانية: هي الصلاة الجماعية في الكنيسة الشركة مع كل المؤمنين إعلان إيمان يجمعنا كلنا ومشترك بيننا في القداس، وفي الاجتماعات، صلوات روحيه مثل درب الصليب، صلوات الساعات المزامير، السبحة … الصلاة حرية علينا أن نختار نمط ونوع الصلاة الذي يساعدني لعمل علاقة حميمة بالرب في فترة الصوم، الحرية لا تعني عدم الاكتراث أو اللامبالاة أو فقد الإحساس بما هو طيب وجميل.إنما أسأل نفسي ما الذي يغذيني، واجد فيه نفسي؟
صلاة
يا رب ساعدنا في وقت الصوم المبارك أن نتعمق في شخصك، نحبك أكثر وبطريقة أعمق. أرسل لنا روحك القدوس يصلي فينا، فنسلم ذواتنا بين يديك. فنشكرك على كل نعمك التي تغمرنا في حياتنا إلى الأبد أمين
الأخت ماري فرانسواز هنري
راهبات قلب يسوع المصريات
9/3/2014