يا بطرس أتحبنى أكثر من هؤلاء – الأب وليم سيدهم
يا بطرس أتحبنى أكثر من هؤلاء
كان القديس بطرس متهورًا ومندفعًا. ونتيجة لذلك فكانت مواقفه مع يسوع أحيانًا تصيب وأحيانًا تخيب. فمثلًا تحدى يسوع في أنه “لو شكوا كلهم فيك فأنا لا أشك” ولكن الديك الذي صاح كذّب بطرس. لأنه قبل أن يصيح الديك أنكر سيده ثلاث مرات. وحينما إقترب منه يسوع ليغسل رجله في عشاء خميس العهد رفض بطرس رفضًا تامًا أن يغسل معلّمه رجله ولكن حينما سأل يسوع تلاميذه: “مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟” (متى 16 : 13)، فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ”(متى 16 :16) ، وهنا أثنى يسوع على بطرس ولكن أضاف يسوع ”:طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ)متى 16 : 17) وهنا يحدد يسوع لبطرس مكانه في هذا الإعلان. فالله الآب هو الذي ألهم بطرس هذا الرد وليس شطارته وذكاؤه.
ولأن بطرس كان يحب يسوع حبًا جمًا فكان يعتقد أنه يستطيع أن يوجه حركة يسوع ولم يدرك إلا مؤخرًا أن يسوع كان يعلم ما لا يعلم بطرس، بعد قيامة المسيح تشتت التلاميذ لأنهم لم يدركوا حقيقة سر القيامة، لا بل اقترح بطرس على بقية التلاميذ أن يرجعوا إلى مهنتهم الأولى وهي الصيد ظنًا منه فشل معلمه، إلا أن يسوع القائم من بين الأموات لم يترك عقد تلاميذه ينفرط فظل 40 يومًا يظهر لهم في أماكن مختلفة يفسر لهم ما حدث ويثبتهم .
وبعد فترة قليلة من قيامته استوعب بطرس ما حدث وجمع شمل التلاميذ فأخذوا يجتمعون معًا والأبواب مغلقة حتى لا يتعرضوا للحملات التى كان يقوم بها الفريسيون ليمنعوا التلاميذ من إذاعة خبر قيامة المسيح.
وفي أحد المرات التي ظهر لهم فيها يسوع والأبواب مغلقة، كان يسوع يتحاور مع توما الشكاك لكي يريه آثار جنبه المطعون بالحربة ويضع أصابع توما على أثر المسامير في ايدي ورجلي يسوع وآمن توما بأن يسوع القائم من الأموات هو هو الذي صُلب ومات.
أتحبني يا بطرس أكثر من هؤلاء؟ ثلاث مرات يوجه يسوع لبطرس السؤال ولا شك أن هذه المرات الثلاث تقابل المرات الثلاثة التي أنكر فيها يسوع معلمه. “فَحَزِنَ بُطْرُسُ”(يوحنا 21: 17) إن يسوع إختاره ليرعى خرافه ليس إذن بسبب صلاحه ولكن بسبب توبته وتواضعه.
حزن بطرس لأنه تذكر أن في شبابه كان يُغالي في قوته وإعتدتده بنفسه، ولكن تصريحه بأنه يحب المسيح أكثر من بعض التلاميذ تحول هذه المرة بعبارات أكثر تواضعًا فَقَالَ لَهُ: “يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ”(يو 21: 17( ويعلمنا هذا الحوار بين المعلم والتلميذ مقدار الثقة التي وضعها يسوع في بطرس ومقدار التحول الذي طرأ على بطرس الضعيف المتهور.
إن تكليف بطرس برعاية خراف المسيح رغم أخطائه العديدة تظهر لنا أن سلطة الراعي على الرعية ليست مطلقة، وليست معصومة من الخطأ فالله هو الراعى الأول، وبالتالي ما يطلبه من بطرس ليست العصمة من الخطأ في حياته اليومية فليس إنسان بلا خطيئة إلا المسيح فقط، بل أن يتحمل ويحمل ضعفات قطيعه ويهتم به ويسمع له ويضمد جراحه ويمده بالثقة في نفسه ويغفر له كما تقول الرسالة إلى العبرانيين ”فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ.” (عب 4: 14)